إن أزكى شهادة في الحياة هي شهادة الدم.
وشهداء هذا الوطن رسموا بدمائهم للوطن نجوم مجد تضيء الطريق، فلا تضل بعدها العين ولا يخطئ البصر.
ليس هناك أغلى من الحياة، غير الوطن، لذلك فإن الشهيد حين يعطي دمه فداء تراب الوطن،إنما يقدم لأمته ولتاريخها أغلى ما وهبه الخالق للإنسان؛ الحياة التي يقرر الشهيد -مختاراً غير مكره وعاشقاً غير مجبر- أنها يجب أن تذهب فداء الوطن لتُعلي أسواره وترفع راياته وتنير دروب المجد فيه.
لقد كانت الغزوة البربرية امتحاناً بألف وجه؛ كانت امتحاناً للأخوّة تسقط تحت سنابك الغدر، مطعونة من الظهر بخنجر الوحشية.
كانت امتحاناً للقيم التي كنا نظن أنها تحكم علائقنا العربية، فإذا بها تنهار مثل حبات الرمل أمام الماء، وإذا بالأكف التي حملت تراب الأخوّة تكتشف أن الغزوة أحدثت فيها ثقباً وفي جدار الأمل شرخاً.
وكانت امتحاناً لحناجر الآخرين التي سمعناها تتساقط مثل القناديل المطفأة أمام نور الحق الذي أشاحت عنه وابتعدت، فخسرت نفسها وسقطت في بئر السموم.
كذلك كانت الغزوة امتحاناً لنا، إن كنا نستحق الحياة، وإن كنا سوف نرفع الراية البيضاء مهزومين، أم نرفع السيف معلنين غضبتنا ورفضنا القهر، وانتصارنا على كل عوامل الضعف والاستكانة.
لقد كانت حالة الغزو خطوة في حالة الاحتلال العسكري اللئيم، والذي ظن الواهمون أنهم بالدبابات وبالرشاشات سوف يحطمون إرادتنا الوطنية ويهزمون إيماننا بالله وبالوطن وبأنفسنا، وأنهم بالقتل وهتك الأعراض وسلب الحقوق والممتلكات سوف يشهدون ركوع الشعب الكويتي على ركبتيه خوفاً وطاعة واستسلاماً، وجاءهم الصوت عالياً يكبر باسم الله، وباسمه وحده يعلن الثورة على الاحتلال، ويضرب أولئك الجند المخذولين بفضل الله وقدرته، جلت وعلت ودامت.
وإذا كان الكويتيون في المنافي قد وقفوا كما يوجب الانتماء، فإن أبناءنا وبناتنا في الداخل المحتل قدموا نماذج العطاء الأعظم مجسداً في تحمل المطاردة وفي رفض الترويض الهمجي، وفي التصدي المباشر لقوات الاحتلال ومجابهتها بما ملكوا من إيمان ومن سلاح.
ولعل آخر ما كان الغزاة يحسبون له الحساب هو أن يحمل الكويتي روحه على كفه ويتصدى لعدوانهم بدمه الطاهر، يقدمه زكياً من أجل الوطن، حتى يقول التاريخ إن الكويتيين لم يستكينوا للاحتلال، ولم يقبلوا به، وإنهم رفضوه، وهذه شهادة الدم أغلى الشهود وأصدق الرواة.
إلى شهدائنا..
في الجنة هم أحباب الله، وفي القلب أحباب الوطن.
إلى شهدائنا..
رجالاً ونساء، قدموا الدم الغالي عربون وفاء وولاء.
إليهم في رحاب السماوات، هذه الكلمات التي تقول لهم إننا بهم كبرنا، وبهم سوف نبقى الظافرين.