وتطلع الشمس من جديد..
كل يوم جاء بعد رحيل فهد الأحمد، الشيخ، الشاعر، العسكري، المقاتل، الرياضي، كان يوماً فيه من فهد الأحمد لون، لأن ذكره يستمر في بيوتنا وفي دواويننا وفي شهقات الحزن التي تغمر نفوسنا حين اسمه يدور، وما أكثر ما يفعل. لقد كان الشيخ فهد الأحمد شعلة حياة حقيقية، بالأبعاد كلها التي تعنيها، وكان مقاتلاً في كل فاصلة من عمره، ولكنه بالشرف وحده يقاتل، ومن أجل الحق وحده اختار معاركه، والتي خاض بعضها وحيداً إلا من سيف الإيمان.
في الشعر، من يصدق أن هذا الفارس المزنّـر بالفأس، يحمل هذا القلب العاشق للوطن وللحبيبة، وأن نشيده في الأمسيات كان فرح الأطفال وعبق زهور البراري التي عرفت صباه والبحر الذي يعانق عينيه كل فجر من دسمان؟
من يصدق أن هذا الشاعر، الأليف حين تلقاه، الباسم حين تغضبه، الغاضب حين تتجاوز حد الخصومة إلى الإساءة.. هو نفسه المقاتل الذي تربى تحت خيمة الجيش الكويتي فتفوق، ثم اختار القتال من أجل فلسطين، وبعدها من أجل أمل فقتله صاحب الأمل المقتول، وأرداه مضرجاً بدمائه في لحظة خوف القاتل من القتيل، غدراً يطعن، ولكنه يصيب فتكون الشهادة عند بوابة قصر دسمان، حيث مولده وصباه وشبابه شهادة عشق ووفاء وولاء ليس فيها من جديد ولا غريب عليه؟
يا فهد، أكاد أقول آه.. وألف آه يا فهد الأحمد، ولكن عزة في النفس تمنع التفجع على الشهيد، وتحفز الكبرياء فينا لنقول دائماً: إنه الفهد الذي قارع الصعاب فانتصر، وحين حانت ساعة المجد قطفها يانعة وسلاحه في يده وسلاح عدوه في ظهره.
وحين جاء النبأ، لا أكتم الجرح، كان نزيف الدمع، وكان الصمت، وكان فهد الأحمد لا يسقط، وهو الذي كان طوال عمره يبحث عن الموت من أجل قضية، فما أغلى القضية التي من أجلها أعطى دمه!
إنها الكويت، إنها الوطن، فهل أعظم من الوطن العزيز غاية، وصون كرامته هدفاً؟ لقد عاش الشيخ فهد الأحمد من أجل الكويت واستشهد في سبيلها، فأكرم بها حياة، وأكرم بها شهادة، لأننا كلنا نموت وتبقى الكويت، نموت وتبقى الكويت، ويبقى فهد الأحمد رمز فداء، ورمز عطاء، ورمز بقاء.