كلما وقفت على منبر جامعة الكويت، أشعر بأن العشب ينمو تحت أقدامي، وأن خشب المنبر يغمرني بحنان لا تغمرني به المنابر الأخرى، هناك منابر لا تحس بك، ولا تحس بها، وهناك منابر يغطيها الصقيع..
وهناك منابر محايدة لا تكسر الكلفة بينك وبينها..
وهناك منابر تعاملك معاملة رسمية، وتعزف لك الموسيقى وتفرش تحت قدميك السجاد الأحمر، كما لو كنت ملكاً أو رئيس دولة..
كل هذه الأمكنة تشعرني بالغربة، فلا المنابر المحايدة تعجبني.. ولا المنابر الرسمية تريحيني.
إنني أبحث دائماً عن زاوية من الأرض أشم فيها رائحة التراب ورائحة الإنسان، وأتدفأ فيها بنار التاريخ.
وبدون هذا الشعور القومي والإنساني والتاريخي، يصبح المنبر تحت أقدام المتكلم خشبة طافية فوق الموج.. ويصبح الكلام صراخا في العراء.
أما منبر جامعة الكويت، فبيني وبينه قصة أخرى، فهو يأمرني فأمتثل.. ويومئ لي فأطيع.. ويناديني، فأركض إليه، ولو كنت في آخر الدنيا.
هذه هي نقطة ضعفي أمام جامعة الكويت، ولا بد لي أن أرى طبيباً نفسياً ليطمئنني إذا كان ما أحسه نحو جامعة الكويت هو نقطة ضعف أم نقطة قوة.
شخصياً، أنا لست متضايقة من حالتي هذه، ولا أكره حالة الوجد والانجذاب العاطفي التي أعانيها.. ولا أخجل من إعلان عشقي لجامعة الكويت في ضوء النهار.
فأن يعشق الإنسان جامعة، هو في نظري أرقى درجات العشق، وأن يشعر بالحنين إلى رائحة الكتب، وكراسي المكتبة، وقاعات المحاضرات، وأثواب الأساتذة وقبعاتهم الأكاديمية، هو ذروة العشق الصوفي.
والذي يشدني إلى جامعة الكويت، هو موقفها الحضاري ممن يكتبون وممن يبدعون، فلا حساسيات مسبقة لديها تجاه الفكر، ولا مواقف متعصبة من الكلمة.. ولا تفرقة عنصرية بين ما تكتبه الأنثى، وما يكتبه الرجل.
وبكل اعتزاز أشهد أن جامعة الكويت لا تناقش جنس القصيدة.. ولا تمنع العصفور من أن يكون عصفوراً.. والحمامة من أن تكون حمامة.
ثم إني في جامعة الكويت، لا أقف في فراغ، وإنما أقف على أرض العقل والمعرفة، وأستند إلى جدار التاريخ، والتراث، والانتماء القومي.
ومن هنا مصدر قوتي، لأنني أشعر أنني ثابتة في الزمان والمكان.
إنني قوية بالكويت، قيمها قيمي، وجراحها جراحي، وعافيتها عافيتي، وإيمانها بالله، وبالعدل، وبالأرض، وبالحرية.. هو إيماني.
وأنا مع الكويت في فرحها إذا فرحت، وفي غضبها إذا غضبت، وفي معاناتها إذا عانت، وأنا معها في زمن الورد.. كما أنا معها في زمن العاصفة.
أنني أعرف أن العواصف في هذه الأيام قد حجبت زرقة البحر، وحجبت ضوء القمر.. واقتلعت الأشجار والورد.
ولكنني مؤمنة بحتمية فصل الربيع.. وبأن الأرض العربية الطيبة لابد أن تطلع القمح، والورد الأحمر، والبطولات مرة أخرى.
****
أيها الأصدقاء،،
شكراً لجامعة الكويت التي استضافتني، ولملمت أجزائي.. فالشاعر، كالطفل، مهما ضاع في أعماق الغابة، أجزاؤه في مياه المحيطات، ومهما تسكع على أرصفة الحزن والمطر، ومهما نام على المقاعد الخشبية الباردة في الحدائق العامة، فإنه بحاجة عند هبوط الليل إلى رحم دافئ يتكور فيه، وإلى خيمة حنان ينام تحتها.
***
وهكذا أنا.. كلما شردتني الرياح، وتعقبتني العاصفة، وتقاسمتني الدروب، أعود إلى أحضان أمنا العظيمة الكويت، لأنام على ركبتيها، وأغتسل بكحل عينيها.. وأختبئ في جوف أول صدفة تقابلني على شاطئ البحر.
***
الكويت، هي المحطة الكبرى على خريطة طموحي وأحلامي.
وإليها أعود دائماً، لأتزود بما يكفيني من الخبز، والوقود، والحب، والدعوات الصالحات.. لمواصلة رحلتي.