صديقة العمر..
الكتاب في حياتي أكبر من أن يكون مجرد ورق وحبر وكلمات..
فهو حياة
وهو كائن حي
وهو صديق عمر.. كتبت فيه وكتبت عنه، وأخذت منه وأعطيته..
والحر من راعى وداد لحظة.
فلماذا إذن تبرعت بمكتبتي وأنا على قيد الحياة.. وعلى قيد العمل وعلى أهبة التأليف دوما؟
لماذا؟ برغم أنيّ ما زلت أمارس دوري الثقافي والتثقيفي.. وأشتغل في عالم الكتابة والنشر والقراءة..
لستُ زاهدة في الكتاب.. ولا مستغنية عن مكتبة ألِفتها، وعقدت معها أجمل صداقة عمر.. وكانت أرففها، وزواياها شاهدة على أحزاني وآمالي.. وأمنياتي.. وحبري.. وصبري.
لماذا تبرعت بمكتبتي..
رغم أنه قد تطرقني يوماً حاجة إلى كثير من الكتب التي تحتويها المكتبة
لإنجاز أو إتمام عملي البحثي اليومي؟
لماذا تبرعت بكتبي..
رغم أن لي مع كل كتاب حكاية.. ومع كل غلاف قصة..؟
فلم أختر الكتب التي تحتويها مكتبتي إلا كما أختار أصدقائي..
والعنوان وحده لا يكفي،
فكم من كتاب كان يوحي بأنه صديق..
لكن محتواه قال إنه.. شوكة في البلعوم!
وكم من كتاب كان كئيب الغلاف صادق المحتوى.
وكم من كتاب كان أنيق المظهر رائع الجوهر..
يستحق أن يكون في الواجهة..
وكم من يوم شعرت فيه بالبرد.. فأويت إلى المكتبة لأجد الكتب تخرج من الأرفف، وتحتشد حول ضلوعي، تغطيني، وتدفئني وتهدهدني.. حتى أهدأ وأستكين..
كم من يوم شعرت فيه بالحياة تضغط على أعصابي..
فصنعت من ورق مكتبتي قارباً..
وأجريته في الحبر.. وركبت فيه.. ذاهبة إلى عالم الشموس.. والأنوار.
وبعدما قررت أن أهدي مكتبتي الخاصة إلى مكتبة الكويت الوطنية..
رأيت في عينيها عتاباً.. ودمعاً يتلألأ يخجل أن يعلن عن نفسه..
فحاورتها:
يا صديقتي وحبيبتي ورفيقة أزماني وأمنياتي:
إنني حتماً سأذهب في يومٍ ما عنك..
فلا أريد أن أتركك يتيمة من بعدي.
وإنني وقد جنيت رحيق الفكر منك..
أحبّ أن يتذوق لذة ذاك الرحيق أبنائي وبناتي المحبون للقراءة..
الشغوفون بالعلم والحياة..
لقد قضيت عمري مغطاة بأكوام الورق..
سابحة في بحار الحبر.. راكضة خلف رايات العِلم.. رافعة مشاعل الفكر..
كانت مكتبتي.. هي الشمس التي اهتديت بها..
وأريدها اليوم أن تكون منارة للسالكين..
إنني أعطيك هذا التكريم.. لأمنحك حياة جديدة مع آخر سيكون امتداداً لي ولك.
إنك مثل أبنائي؛ علمتهم واحتضنتهم.. ثم جاء اليوم الذي أطلقتهم فيه إلى الحياة
ليمارسوا دورهم التنويري..
فهذه حمائمي التي أطلقها في الفضاء
بل إنني وأنا أودّع كتبي أشعر بشعور من يتبرع برئته وهو على قيد الحياة.. ليتنفس بها غيره..
كل ما أرجوه من الأحبة في مكتبة الكويت الوطنية أن يكرموا ضيافة ضيفتهم الغالية على قلبي.. وأن تأوي إلى مكان آمن، فقد جاءتهم من بيت محب للعلم، كان الكتاب هو متعة جلساته وفاكهة أحاديثه.
وأن نعمل جميعا لتكون المكتبة جزءا من كل بيت.. فما أحوجنا لحدائق الفكر في بيوت خطفها جفاف الماديات.