أعـودُ إلى جامعتي… والعــودُ أحمـــدُ
هــأنذا أخيـــراً في جامعتــي
ولــي كــلامٌ طويلُ طويــل.
كــلامٌ فيــهِ خبزٌ وملـح.. وصــداقـاتٌ
وثقــافــةٌ وعِلــم
ونهـرٌ مِـنَ الحـبِ والعــرفــان، ينــبعُ
مِـــن قلبــــي
ويصـــبُّ فــي نهــرِ النيـــل
أكســرُ جــدرانَ ذاكــرتــي
وأدخــلُ الجامعـــةَ التــي علّمتـني
كيــف أقــرأُ كتــابَ المعـرفــةِ
وكيـفَ أكتشفُ أبعـــادَ فكــري
وكيـفَ أكتـبُ الشعــرَ علـى دفاتـرِ القمـرِ
آتـي إلى البيــتِ الذي مِن علمـهِ أطعمـني.
كـي أشكــرَ الحــرفَ الـذي ثقَّـفـنـي..
وأشكــرَ العلــمَ الـــذي إلـــى
حـــدودِ الشمـسِ قـــد أطلقـنـي.
وأشكــرَ كــلَّ أُستــاذٍ علّمنــــي
إِنني في جامعـةِ القاهـرة لا أقـفُ فـي فَـراغ
وإِنما أقـفُ علـى أرضِ العـقـلِ والمعـرِفـة
وأستنـدُ إلـى جــدارِ التاريـخِ، والتــراثِ
والانتمـاءِ القـومـيّ.
ومِن هنـا مصــدرُ قوتـي، لأنـني أشعــرُ
أنني ثابتــةٌ فـي الزمـانِ والمكـان.
وفـي هـذا العالــمِ المتعـبِ بمشاكلِـهِ..
تبقـى الجامعـةُ هـي الحـزامُ الأخضـرُ..
الـذي لـم يصـل إليـهِ التلـوث.
ويبقـى الشبـابُ هـمُ المصـلُ الحيـوي..
الـذي يعطينـا القـوةَ والمناعــة
إن الثقـافـةَ والمعـرفـةَ فـي نظـري..
أجمــلُ مـا يُهـديـهِ إنسـانٌ لإنسـان.
فالهديــةُ المعرفيــة والثقافيـةُ التي تقدمُهـا
جامعــةُ القـاهـرة هـي شجـرةٌ تُعطينـا..
في كـلِّ عـامٍ زهـراً جديـداً. وثمراً جديـداً.
فالأرضُ العربيـةُ حبلــى بالمواهــب..
وحبـلى بالإمكانيــات لكنَّهـا تبحـــثُ
عــن مستثمــرٍ طمــوح.
إن الاستثمـارَ فـي مجـالِ العلـمِ هو أكثــرُ
الاستثمــاراتِ مــردوداً.. لأنـهُ رِهــانٌ
علـى العقــل.. ورهــانٌ علـى المستقبل
إن العلـمَ هـــو المفتـــاحُ الحقيقــيُّ لدخـولِ العصـــر.
مصـــرُ التـي تَشكّلـتُ فـي رحمِهــا..
قوميـاً وعلميـاً وثقافيـاً وفكريـاً..
والتـي تـزلـزلُ جِهازَنــا العصبـي..
وتخضُّنا قوميــاً وروحيـاً وتاريخيــاً..
وعربيــاً وإنسانيــاً.
قــد ألغــت لُغتَنا مِنَّا..
وألغــت شفاهَنــا مِنَّـا..
فلم نعــد قـادريــنَ علــى أن نَشكـرَهـا
أو نقبـِّلَ يديهَّــا.
مِصــرُ التـي غطَّتنـا بشراشفَ الحنـان..
وفتحـت فوقنـا مِظَـلَـةَ الســلام يـومَ كانَ
السيــفُ مرفوعــاً فــوق رِقابِنـــا.
وبرهنــت بأنَّ الأصيـلَ يبقــى أصيــلاً..
والكبيــرَ يبقــى كبيــراً.
مـا أسعــدنــي أن أكــونَ بينـكــم..
ومـا أجمــلَ هــذا الإحساسَ الــذي
يجعـلُنـي معلَّقـةً بين مقاصيـرَ الذاكــرة..
وبيــن أرضِ البشــــر
إننـي امـرأةٌ عربيــة.. أقــرأُ المستقبـلَ
بعيــونِ البسطـاءِ الطيبيــن والأطفــال
إننـي حينمـا أكتــبُ أُحــاولُ أن أكــونَ
الناطقـةَ بلسانِ جميـعِ النسـاءِ المقهورات..
والممنوعـاتِ منَ الطيرانِ في فضـاءِ الحريـة
إِنَّ صوتـي ليـسَ صوتـاً منفــرداً
فأنا حيــنَ أكتــبُ أشعــرُ أن جميــعَ
النســاءِ العربيـــاتِ يُـولَـدنَ فـــي
حنجـُرتـي.. وتتزيّــنُ بهـنَّ كلمـاتـي.
وفـي زمـنٍ نتكسـرُ فيـه كأعوادِ القـش..
وفي زمـنٍ ضاعـت فيـه القيمُ والمفاهيـم..
وفـي زمـنِ الدهاليـزِ المظلِمـةِ و الحريــاتِ
المسلوبةِ والكرامــةِ المهانـــة..
وفـي هـذهِ الأوطـانِ الحبلــى بالنفايــاتِ
السياسيـــة…
هــل هنـــاك موقـعٌ سياســيٌ نظيــف
يقــفُ عليــهِ الإنســـان؟؟
نحـنُ بينَ فكـيّ الكماشـة، فــكِ الواقــعِ
الـرديء.. وفــكِ الحلــمِ المستحيــل..
ومطلـوبٌ مني كابنةٍ للحلــم القومـي..
أن أختــرعَ فجــراً فـي هـذه العتمــة..
وأن أزرعَ ورداً فـي الأرضِ المالحــة.
وظيفــةُ الكاتـبِ هـي أن يفتـحَ النوافـــذَ
علـى المدى الأزرق.
ووظيفــةُ الجامعــةِ أن تفتــحَ العقـــولَ
علـى فضاءاتِ الفكـــرِ غيـرِ المحدود..
الكاتـبُ يعمـلُ على صياغـةِ روحِ الإنسان..
والجامعـةُ تعمـلُ على صياغـةِ الزمنِ القادم.
الكاتــبُ ينحــتُ حِجــارةَ القلــــب.
والجامعـــةُ تنحـتُ حِجــارةَ العقـــل.
والاثنـانِ يشتركـانِ فـي تعميــرِ الأوطـان.
إنـني مؤمنـةٌ بتُراثِنـا الخـــارق..
ومؤمنـةٌ بهـذا الشعـبِ العربـيِّ العظيـم..
الــذي سيُخـرجُ الشمـسَ مـن جيبــهِ..
وسيفجِّـرُ الماءَ في صحارى العطشِ واليباس..
ويُبشــرُ بــولادةِ العربــيِ الجديـــد..
ســـلامٌ علــى كليتـي..
يا صــانعـــةَ الرجـــال..
يا أيتُّهـا المبحـرةُ إلى شاطئ المستحيــل.
ســلامٌ علــى العلـمِ فـي كـفِ أُنثــى
وقــد يصبــحُ العلــمُ أَجمــَلَ..
ما تتجمــل فيــــهِ النســاء.
ســلامٌ علــى أهــلِ مصـــرَ..
وبحــرِ المروءةِ والكبريــاء.
سلامٌ علــى كــلِ بيتٍ هنــا
ســـلامٌ علــى ابنــي نائمــاً..
تحــت تـــرابِ الهـــرم
سـلامٌ علــى قاهـــرتي..
سـلامٌ لأروعَ المدائـــن..
وأجمـلَ حـرفٍ يتلألأُ فـي وجـهِ السمــاء.