يا أصدقاءَ العملِ والمعرفِة والإبداع
كُلما جئتُ إلى مصر أحسُ أن البيتَ بيتي والأهلَ أهلي… وضفائرَ النخيلِ مفتوحةُ لاستقبالي…
هنا يفتحُ نهُر النيلِ لي ذراعَيـه..
ويمدُّ ليَ المصريـونَ قلوبَهم وسادةً من حنان مصُر هي التي تُعطيني هذا الشعورَ الرائـعَ بالأمومـة.
مصُر هـي أمُّنـا التي غَطَّتنا بشراشِفِ الحنان.. وأطَعمتناَ خبزَ المعرفة ،وفتحـت فوقَنـا مظلـةَ السـلامِ يومَ كانَ السيفُ مرفوعاً فوقَ رِقابِنا.
مصُر هي التي أعادت إلينا إيمانَنَا بعروبَتِنا وتاريٍخِنا.. وبَرهنت بأنَ الأصيلَ يبقى أصيلاً والكبيرَ يبقى دائماً كبيراً.
أنا في بيت العربِ وبرعايةٍ كريمةٍ من أمينِها العام للمشاركةِ في تكريمِ أخواتي المتميزات بجائزةِ المرأةٍ العربيةِ للدورةِ الثانيـة ـ أحمـلُ معي قمرَ الشعرِ وملفَ المـرأة.
إن الشعرَ أيها الأصدقاء هو الإرثُ الجميلُ الذي نَحمِلهُ تحتَ جلِدِنا منذُ ولادتِنَا حتـى مَوتِنـا. الشعرُ هو النافذةُ التي نُطلُ منها على حريتَنا ونَرى من خلالِها وجهَ السماء.
الشعـرُ… هو عمليةُ تحريض هذا العالمِ القديمِ بكل طقوسه، وأفكارِه، ومؤسساتِـهِ الماضَويَـة. هو انقلابُ ضدَ كل الأشياءِ التي أخذت شكلَ الحجرِ وثباتَ الحجر…
بغيرِ فكرٍ انقلابيٍ لا يوجدُ شعر…
وبغيرِ مخططٍ تغييريٍ لا توجدُ قصيدةُ حقيقية…
وكلُ قصيدةٍ لا تَصدِمُ عصرَها.. ولا تكسِرُهُ..
وتعيدُ تركيَبه.. تتحولُ إلى اسطوانةٍ مَشروخَة…
إن الشعرَ فِعلُ تَغيير. . إنه نضالُ بكل ما تملكُ الكلمةُ من طاقةٍ للدفاعِ عن إنسانيـةِ الإنسـان والوقـوفِ إلـى جانِبِـه وهـو يناضلُ من أجلِ العدلِ والحريةِ والمساواة.
أما المرأةُ فهي مغلوبةُ على أمرِها، والعروبَةُ كذلك، وهذا التشابُه في الحـزنِ والقهـرِ والاستلاب بين معاناةِ المرأةِ والوطن جعلَني أضعُ القضيتينِ في ملفٍ واحدٍ أثناءَ مُرافعتِي الشعرية. لقد تَصدَّيتُ للدفاعِ عن المرأةِ باعتبارِها شعباً مقموعاً ومقهوراً. وعلى الصعيدِ السياسي كنتُ دائماً مع الشعبِ العربي في كفاحِه ضدَ القمعِ ومصادرةِ الرأي.
يا أصدقاء الفكر..
إن أمـانَ المـرأةِ الحقيـقـي هـوَ عملُهـا وقـدرتُها علـى الإنتاجِ واستعمالِ طاقاتِها الذهنية..
لذلكَ على كل امرأةٍ مثقفة أن توِّظفَ إمكاناتِها الفكريةِ حتى تُغّيرَ المجتمعَ الذي نَعيشُ فيه، وعلى كلٍ إنسانٍ أن يُوظفَ عملَه، فالثقافةُ ثورة، والثورةُ تعني التغييرَ الفعليَ والجذريَ للواقعِ الذي نحياه.
إننا نعيشُ العصرَ الجليديَّ في الثقافة.. وهذا العصرُ الجليديُ قد غطى بصقيِعِهِ الرجلَ كما غطَّى المرأة، وجعلَ من الوطنِ العربي “سوبر ماركت” كبيرة يبيعُ كلَ أنواعِ الأطعمةِ ما عدا طعامِ الروح.
نحنُ مطالبونَ بصياغةِ الإنسانِ العربيِ صياغةً جديدةً تعيدُ لهُ حريَتَهُ وكَرَامَته.
أما المـرأةُ الكويتيـة منجـم الذهبِ الذي لا يزالُ مطموراً تحتَ الأرض..
والطائرُ الممنوعُ من الطيران ـ فلا تجدُ تفسيراً منطقياً وواقعياً لعدم إقرار حق مساهَمتِها في العملِ السياسي الذي مَنحَها إياه الدستور.
إنها دولةُ الرجال وتُحكُم على طريقةِ الشركاتِ المحدودةِ الأسهم إذ لا يزالُ بعضُ الرجالِ يعتبُر مشاركةَ المرأةِ في بناءِ المجتمع نوعاً من الخروجِ عن التقاليد. ولكِن المرأةَ الكويتيةَ استطاعت اختراقَ جدرانِ المجتمعِ الأسمنتِية لتُثبتَ وجـودَها وتفـرضَ احترامَهـا علـى الآخرين من خلالِ احترامِ نفسهِا والإتقانِ في عَملها.
شكراً لمعالي الأمينِ العامِ للجامعةِ العربية
شكراً لرئيسِ مركزِ دراساتِ مشاركةِ المرأةِ العربية لاهتمامِه بموضوعِ توسيعِ مساحةِ مشاركة المرأةِ العربية في الحياةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعية..
شكراً لهذه المُظاهرةِ القومية التي جمَعَتَنا تحتَ خيمةِ العرب، فمصر هي المحطةُ الكبرى على خريطةِ طموحِنا وأحلامِنا..
كل عـامٍ وأنتـم بخيـر.. والإبـداعُ بخيـر.. والحريـةُ بخيـر.. والمرأةُ العربيةُ بألفِ خير..