معالي الوزير الدكتور كرم كرم
ممثلاً فخامةَ رئيسِ الجمهورية العماد أميل لحود
سعادة رئيسِ الجامعة الأخ الأستاذ محمد المشنوق، رئيس جمعيةِ المتخرجين
أيها الأصدقاء
ماذا أقولُ لبيروت؟؟
وماذا أقولُ عنها..
وأنا لا أرتبكُ إلا أمام موقفين
موقفِ الحب.. وموقفِ البطولة..
هنا ينسى الكلامُ كلامَه.. وتنسى اللغةُ لغتهَا
فكيف أدخلُ في حوارٍ مع هذه المدينة؟؟
وكيفَ أستطيعُ أن أقفَ على هذه البقعةِ الخُرافيةِ
من الأرض، دون أن أشعرَ بانعدامِ الوزن؟
كيف أستطيعُ أن أواجهَ أمطارَ الحبِ والوفاء
وليس معي مِظلّة؟..
كيف أستطيعُ أن أواجهَ البروقَ التي تُحرق ثيابي؟؟..
وأنا المحَاصرةُ بالزمنِ اليابس
أكسرُ جدرانَ ذاكرتيِ..
وأدخلُ الزمنَ اللبناني..
فلبنانُ أصبحَ عادةً جميلةً من عاداتيِ تأخذ شكلَ الإدمان..
إنه إدمانُ شعريِ لا أريدُ أن أُشفى منه
فأنا أقصِدُ لبنانَ كلّما أردتُ أن أقرأ شعراً
أو أَسمعَ شعراً
أو أشربَ من ينابيعِ الثقافة
فلبنانُ رحم ثقافي يتَّسَعُ لكلِ المبدعينِ العرب
بيروتُ لم تعد مجردَ محطةِ ترانزيت في حياتي
إنها مرفأُ نهائيُّ… وحبُ نهائيُّ…
أخافُ أن أبتعدَ عن لبنانَ لفتراتٍ طويلة
حتى يبقى العقلُ متوهجاً..
والقلبُ خفاقاً..
والأحاسيسُ مشتعلة..
والذاكرةُ خضراء..
أخافُ أن أبتعد عن بحرِ بيروت
حتى لا أتصحر…
وعن مفاهيمها الثقافيةِ حتى
لا أعطش..
وعن مكتباتها حتى لا أجوع…
بيروتُ مرسومةُ في ذاكرتي
كالوشمِ الأزرق..
لم ينج أحد من المبدعينَ
من تأثيراتِ لبنان..
فماذا فعلت زحلة بأمير الشعراء..
وماذا تركت جارة الوادي
من ماءِ وعشبِ وموسيقى
على حنجرةِ محمد عبد الوهاب.
وماذا ترك لبنان على أوراق الرصافيِ، والجواهري، والسياب
والفيتوري، والبيـاتي، وبلنـد الحيـدري، وعمر أبوريشة، ونزار قباني، وأدونيس، ومحمود درويش، ومظفر النواب؟؟
كُل هذهِ العصافيرِ العربيةِ الرخيمةِ الصوت..
شربت من ينابيعِ لبنان، وأكلت من قمحهِ، وعنبهِ، ولوزهِ، ورمّانِه..
لبنانُ سماءٌ مفتوحةُ لكل من يريدُ أن يَطير..
وشلالٌ لكلِ من يريدُ أن يَشرب..
وسرير من الكلماتِ لكلِ من يريدُ أن ينام
وفضاء من الحرية لكلِ من يريدُ أن يتنفس..
إن السفَر في الزمن العربي..
هو سفر على سجادةٍ من نار..
فإن لم تحترق أصابعُك احترقَ قلبُك..
وإن لم يحترقَ قلبُكَ احترقَ ضميرُك..
تخرجُ من جرحٍ لتدخلَ جرحاً أكبر..
ونجتاز حدودَ الوجع
لندخُلَ في حدودِ وجعٍ أكبر
آه يا لبنان لو تسافرِ بي
بعيداً عن أرضٍ لم يبق فيها سيفُ مرفوع..
أو رأسُ مرفوعة..
آه لو تمسكني من يدي
وتغسلني بمياهِ بَحرك
وتزينني بشقائق النعمان والنوير والياسمين..
آه لو تنقُلني من زمنِ النثرِ.. إلى زمنِ الشعر
ومن زمنِ العطش.. إلى زمن الماء
آه لو تأخذني إلى حدود الكبرياء