يسعدني إن أقف بينكم اليوم في هذا الجمع الثقافي الذي توحده الرغبة الصادقة في إحراز المزيد من العلم والمزيد من المعرفة بجانب مؤثر من جوانب تقدم الحياة العربية.. لقد كانت حياتنا الثقافية وسبل التخاطب وأدوات حفظ الأعمال شأناً آخر غير الذي عرفناه بعد أن حمل نابليون بونابرت، تلك المطبعة الحديدية معه إلى مصر.
لقد تعرف العرب إلى الآلة العجيبة التي تعيد طباعة الأوراق بما حملت من نتاج الفكر، بعدما كانوا يعانون من عملية النسخ اليدوي الشاقة، والتي كانت تحد من انتشار المعارف وتجعل الثقافة حكراً على من استطاع إليها سبيلاً.
إن طباعة الحرف قد عجلت بحركة التقدم الفكري والأدبي والعلمي في الغرب، وكان حسناً انتقال هذه التقنية إلينا، لأننا كنا ولا نزال في أمس الحاجة إلى أدوات نشر الثقافة عموماً وفي مختلف ميادينها.
وهذا المعرض – المؤتمر شاهد على مدى ما تعنيه حركة الطباعة من أهمية بالنسبة لتاريخنا المعاصر.
يجيء هذا المعرض وبمبادرة نبيلة من مركز جمعة الماجد للتراث، لتلقي الضوء على تطور حركة الطباعة والنشر في عالمنا العربي خلال الأعوام المئتين المنصرمة، ولتشهد على ما حققه العمل الطباعي من عظيم الأثر في حفاظه على التراث وتسهيل الاطلاع والحصول عليه.
وما هذه النماذج الرائعة لتقديم العمل المطبوع سوى الإشارة لما يمكن للجهد الإنساني أن يحققه بفعل حيوية هذا المركز وصاحبه الأديب البحاثة الشيخ جمعة الماجد، ذلك فإن الملتقى يشهد لفاعلية المال العربي حين ينفق في السبيل القويم ويكون الاختيار لخدمة الأغراض الكبرى للإنسان العربي.
وإنني لأستذكر في هذه اللحظات ملوحة الأرض الثقافية العربية عندما بدأنا –زوجي الراحل الشيخ عبدالله المبارك الصباح وأنا– قبل ثماني سنوات، برنامجنا الثقافي لفتح آفاق العطاء للمبدعين من أبناء أمتنا العربية عبر جوائز الإبداع العربي في العلوم والفنون والآداب، ولهذا فإن سعادتي وأنا أقترب من مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث كبيرة لأنها تؤشر إلى ضرورة التواصل والتعاون بين المؤسسات الثقافية العربية الخاصة، والتي تنأى بمشاريعها عن الصراعات والخلافات المحطمة لكل عمل وجهد.
إن ضرورات الحياة تفرض على مؤسساتنا العمل المشترك وبأكبر قدر من التنسيق لضمان استمرار فعلها ودورها الإيجابي في خدمة الإنسان والثقافة العربيين.
لقد أدى استخدام الآلة الطباعية إلى تعريف العالم بعطاء الفكر العربي على مدى العصور، وأسهم ذلك في إثراء مجرى العلوم والآداب العالمية. وإنني أتطلع إلى دور ريادي مدروس، وأدعو إلى عقد ملتقى ثقافي تتم من خلاله دراسة سبل التعاون لتنسيق خطط وطموحات وأدوار مؤسسات العمل الثقافي الخاص، والتي نذر أصحابها أنفسهم للواجب القومي الكبير الذي يحملون، وفي طليعتهم صاحب دعوتنا وملتقانا الأخ الفاضل الشيخ جمعة الماجد؛ ذلك أن الثقافة هي الجسر القومي الوحيد الذي نستطيع أن ننأى به عن التبعية وعن الصراعات الضيقة وعن البشاعة.
إن الثقافة هي الدرع التي يمكننا بناؤها لحماية العقل العربي من التشنج ولحماية الطاقة العربية من الهدر حتى تتمكن أمتنا من اللحاق بموكب العصر والاستقرار في مكانها تحت الشمس، لأنه من غير الثقافة المنزهة من كل غرض آخر غير خدمة الإنسان والوطن سوف نبقى مهرولين وراء المطالب الدنيا عاجزين عن تغيير وجه التاريخ، هذا التاريخ الذي يصنعه الأحرار بالعقل الحر وبالإرادة الحرة.
باسمي وباسم ضيوف هذا الملتقى الثقافي أحيي البادرة العلمية هذه، وأدعو إلى اعتبارها بذرة في أرض طيبة، تنشد العلم وتسعى إلى توسيع آفاقه وتعميق التزام الفرد بالعمل من أجل حركة ثقافية عربية ذات حيوية عالية، لصاحب هذا الملتقى ولجميع الإخوة والأخوات الذين عملوا لإنجاز ما نرى من جليل الجهد، ولكم جميعاً عظيم التقدير والاحترام والإكبار والشكر الكريم.