أيها الأحباءُ الأحباء
أيها الأصدقاءُ الأصدقاء
تَعَّودتُ أن أجيءَ إلى بيروتَ حاملةً بعضَ همومِ الدنيا فإذا التقيتُ بَحرَها ضاعتِ الهمومُ وسكنَ الفرحُ قلبي.
هذه المرَّةَ أجيءُ إلى بيروتَ حاملةً بعضَ همومِها، ممسكةً في كفيَّ اليُمنى بالأملِ وفي اليُسرى بالخوف. الأملُ في أن يُثبتَ اللبنانيونَ استحقاَقهُم لبنانَ وطناً، والخوفُ من أن يتحَّولَ لبنانُ إلى دارٍ طاردةٍ تتحولُ يوماً بعد يوم إلى محطةِ سفر.
أقولُ لكم إِنني خائفةٌ عليكم وعلى لبنانَ الذي هو ليسَ لكم وحدَكُم، بل هُو لكلِ عاشقٍ للحريةِ منارة ولكلِ صاحبِ حرفٍ رسالة. لبنانُ هذا ليسَ وطناً لِلبنانيينِ وحدَهُم.. إنه وَطَنُنا نحنُ أيضاً لأننا فيهِ عَرفنا أسمى قيمِ الحياةِ وأجملَ أيامِها.. إنه وطَنُنا نحنُ أيضاً لأننا أحببناهُ بقدرِ ما تحبونَ ولن أقولَ أكثر.
أجيءُ إلى لبنانَ هذه المرةَ وقد عَلَت فيهِ نَبرةُ الكلامِ عن العيشِ المشترك، وأنا التي تَعرفُ كم هو شاسعٌ الفارق بين العيشِ المشتركِ والحياةِ الواحدة.
إن العيشَ المشتركَ ليسَ رمزاً للحياةِ بل لحالةٍ قابلةٍ للتبديلِ وللديمومةِ وللسقوطِ في آن. ترى أما حانَ الوقتُ للارتقاءِ إلى قيمِ الحياةِ الواحدةِ في الوطنِ الواحد، يشاركُ فيه كلُّ اللبنانيينَ بِصُنعِ قَرارِهِم وبصُنعِ مصيرِهِم.
يخَطُر لي في لحظاتٍ أن أتساءلَ إن كانَ اللبنانيونَ وهم المتفوقونَ بيننا عِلماً وثقافةً هم حقاً كذلك. وهل أنتم اليومَ حقاً بعضُ ورثةِ من خلقَ الحرفَ وعلَّم الدنيا الأبجديةَ وفتحَ البحارَ من صورَ إلى قِرطاج؟ هل أنتم حقاً أبناءُ هذه الأرضِ التي من حَضَارَتها شَرِبَ العالمُ أولى قطراتِ العلومِ ومن سواحِلها مَشت القوافِلُ تعبرُ المحيطاتِ وتُثَبِّتُ أعلامَ تاريخِها القديمِ على شطآنِ الأمم؟
وكُلّما خطَر في البالِ هذا التساؤلُ جاءني الجوابُ في لِقائِنا الذي يحملُ في مغزاهُ أسمى ما يَعنيهِ لبنان: الإبداعُ عِلماً وكَلمة. إن لقاءَنا السنويَ هذا هو عنوانُ لبنانَ الحقيقيُّ لأنهُ يُجسدُ أروعَ ما يعطيهِ لبنانُ للإنسان: المعرفةَ وليسَ فـي غيرِ المعرفةِ قوةٌ ولا من دونِها بناء.
أيها الأحباءُ الأحباء:
تُرى أما حانَ الوقتُ لساعةٍ ينتصرُ فيها الضميرُ بالسؤال: ما الذي أعطينا لبنانَ لا ما الذي سوفَ نأخذُه منه؟ أليسَ جديراً باللبنانيينَ أن يُمسِكوا بالعقلِ لا بالسيف، في حوارهِم مع ذَوَاتِهِم أَولاً قبلَ حوارِهم مع بعضِهمِ البعض ومعَ الآخر.
أملي كبيرٌ في انتصارِ العقلِ حتى يَستحقَّ اللبنانيونُ لُبناَنَهُم ولُبنانَنَا فيكونُ لنا في كلِ عامٍ لقاء، وفي كل يومٍ عهد على العملِ من أجلِ وطنٍ للحياةِ الكبيرةِ كانَ ويجب أن يكون.
شكراً لكم والأملُ باللقاءِ هو الرهان.