أجمل سجين في العالم
لو أن مسابقة دولية تجرى لاختيار أجمل وأقدم سجين في العالم لفاز بها المناضل الأفريقي نيلسون مانديلا.
فبعد سبعة وعشرين عاماً، خرج هذا الديك الأسود من غياهب زنزانته، ليعلن ولادة الشمس.. وليصبح فوق أسوار السجن:
“حيَّ على الحرية..”
“حيَّ على الحرية..”
هل يمكن لأحد أن يسجن الشمس سبعة وعشرين عاماً؟
هل يمكن لأحد أن يحبس أمواج البحر في زجاجة؟
هل يمكن لأحد أن يطفئ نار البرق؟
لقد تصورت حكومة جنوب أفريقيا العنصرية أنها تستطيع اعتقال الشمس، ثم اضطرت بعد ربع قرن إلى الاعتراف بأن اعتقال الشمس مهمة مستحيلة، وتصورت أن بإمكانها إلغاء اللون الأسود في الأقلام والأوراق، والكتب، والصحف، وآلات الطباعة، دون أن تدري أن اللون الأسود لون أساسي في جميع الفنون التشكيلية..
فالليل أسود.
والحبر أسود.
والكحل أسود.
والمنشورات السرية تطبع كلها باللون الأسود.
سبعة وعشرون عاماً كان فيها نيلسون مانديلا أكبر من سجانيه!
كان إذا نهض من سريره يخيفهم..
وإذا سعل في الليل يخيفهم..
وإذا تمشى في ساحة السجن يخيفهم..
وإذا دخل الحمام يخيفهم..
وإذا أشعل “لفافة” يخيفهم..
وإذا قرأ الكتاب المقدس يخيفهم..
فهل رأيتم مسجوناً يسجنُ سجانيه..
ويُقلقهم.. ويرهُقهم.. ويسبب لهم الانهيار العصبي، أكثر من نيلسون مانديلا؟
العالم كله في عيد..
والنواقيس تضرب..
والحمائم البيضاء تطير..
والفقراء يرقصون في جميع ساحات العالم.
والسلاسل المعدنية التي ربط بها الرجل الأبيض أقدام الأسود..
تناثرت مليون قطعة.
حتى ساحة (الطرف الأغر) في لندن التي كانت ذات يوم رمزاً للاستعمار البريطاني تحولت إلى عرس للحرية..
ومارغريت تاتشر، المرأة الحديدية، تخلت عن وقارها الإنجليزي، ودمها البارد، وصرخت! كم أنا سعيدة، والرئيس الأميركي جورج بوش، أعطى مفاتيح البيت الأبيض للطاووس الأفريقي الجميل وقال له: “أهلاً وسهلاً بك، باسم محرر العبيد، إبراهام لنكولن”، وإذاعات العالم وتلفزيوناته، قطعت برامجها لتروي قصة الديك الأسود الذي خرج منتصب القامة من سجنه، وهو يتكئ على ذراع زوجته.
وجميع السجناء السياسيين في العالم، بدؤوا يحلقون ذقونهم ويغيرون ثيابهم، وينتظرون سقوط الأسوار.. إن عاصفة الحرية تزمجر في كل مكان..
وعلى الذين لا يزالون يُخشخشونبمفاتيح سجونهم، أن يعرفوا أن شمس الحرية لا بد أن تطلع ولو بعد سبعة وعشرين عاماً أو سبعمئة عام.. أو سبعة آلاف عام.. أو سبعة ملايين عام..
على الذين يحبسون البشر في زنزاناتهم كأسماك السردين، أن يتذكروا أن البحر عندما يغضب.. فلن يقف في طريقه شيء.
د.سعاد محمد الصباح