حاضر أنت فينا يا سيدي
عام مضى يا سيدي، وكأننا في حلمه أو يقظته نطوف متذكرين أنك كنت بيننا الأمير الفارس، والقائد الذي يغير وجه تاريخنا ويصنع للكويت مجدها الجديد.
عام مضى يا سيدي، يا صاحب السمو أمير الوطن الجليل، ونحن نسأل أنفسنا أحياناً: هل صحيح أنك لم تعد سيد دسمان وسيد بيان وسيد الوطن في هذا الزمان؟ لقد افتقدناك يا صاحب السمو بقدر ما حمدنا لك عظيم فعلك وجليل مآثرك، وبقدر ما نحن الراضون وأصحاب الحمد أن أنعم الله علينا بعدك بمن اصطفيت أخاً ومعيناً في الزمن الصعب الذي مر بنا، في أيام لم تخل من قسوة ومن امتحان لقدرتنا على احتمال الأذى.
نذكرك اليوم يا جابر الأحمد، وما أصعب الذكرى إذ أسأل النفس: هل هو عام مضى على الغياب، أم هو يوم واحد حزين طويل طويل؟ لا أكاد أصدق يا سيدي أن عاماً يفصل بين يومنا وبين ذاك اليوم الذي ألقى بظله الأسود الثقيل على الكويت، فبكتك القلوب وحزنت لغيابك الأرواح وسكنت في النفوس حسرة، لولا الإيمان بالله وبحقه علينا في استرداد وديعته، لكانت كالمصيبة لا ترد.
ولكن لله أمره في عباده حين يشاء، ولعباده الصالحين يهيئ أسباب الرحمة في مساكن الصدّيقين، ولعباده هؤلاء يترك في قلوب الناس ذكراهم حية لا تموت، إن الكويتيات والكويتيين، وملايين العرب والمسلمين يذكرونك يا سيدي بالخير، ويرفعون للسماء أيديهم بالدعوات الصالحات، لأنك كنت أمير الأرض التي عرفوا فيها خير دنياهم وأبعدت عنهم الغوائل، وحميت لهم بيوتاً وأبناء وبنات، وشيباً وشباباً. فكيف يعود علينا هذا اليوم دون أن نذكرك بما فعلت لوطننا الصغير من عز، وما بنيت للكويت الغالية من مؤسسات ترسخ للعلم مكاناً، وتوفر للوطن ولأجياله المولودة النعم، ومثلها لأجيال لم تولد بعد.
جابر الأحمد هنا يا سيدي في كل مدماك عمارة وفي كل مؤسسة مستقبلية تسعى لتعزيز العلم وتكريس دوره في حياة الشعوب وتقدمها، وأنت هنا يا سيدي في منارات الكويت المضيئة.
على البحر مدينة جديدة قامت ثابتة الأركان ولو في الماء، وراسخة البنيان راسمة لبحرها شاطئاً جديداً من الضوء والأمان. وأنت هنا يا سيدي تقيم مؤسسات تحفظ لرجالنا ولنسائنا حياتهم الكريمة بعد أن يعطوا الوطن ما يستطيعون من عمل في خدمته فيستحقون الاطمئنان إلى مصيرهم، وإلى أن ما يبقى من عمرهم لن يزيدهم إلا أماناً وتنعماً بخير الله على وطنهم وخير وطنهم عليهم.
وكيف يكتب للمرأة في هذا الوطن تاريخ لو لم تمهر بخاتم حكمتك وإصرارك على وثيقة أعادت لها حقوقها السياسية، وهي بعض ما لها من حقوق في دنيا لا تبخل فيها المرأة بالعطاء ولا تنتقص من حقوقها ولادتها بأمر الله في عديد النساء، توأماً للرجل ومثيلاً له.
وسوف تذكر المرأة عمرها، قبل جابر الأحمد وبعد جابر الأحمد هذا الاسم الذي يشكل الحد الفاصل بين تاريخين واسمين وعنوانين وحياتين.
في هذه الساعة المبكرة من الصباح نذكرك يا سيدي ونحزن، وعزاؤنا بعدك أن من حمل المشعل كان رفيق الدرب ورفيق العمر ورفيق الحلم ورفيق القرار، أخاك صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، الذي تعرف الدار أن حضوره يكمل المسيرة، وأن حكمته سوف تضيف إلى ما تركت مزيداً من الأمان ومن العدل والرخاء والمنعة ومزيداً من العمل في سبيل وطن يستحق كل قطرة دم في عروقنا وكل ذرة فداء.
د.سعاد محمد الصباح