العجيري.. رزنامة عُمْر
عندما تقف أمام بيت كبير متعدد الأبواب، لابد أن تفكر قليلاً لتتخذ القرار: من أي الأبواب تدخل . . ؟
وكذلك هو الوقوف أمام قامة إنسانية كبيرة مثل د. صالح محمد العجيري . . لابد للقلم أن يوقف نزف المداد قليلاً ليَعْبُر حيرة الاختيار : أي الجوانب نبدأ منها الحديث عن هذا الرجل العصامي الكبير الذي يحمل ملامح تاريخ بلد صنعه تمازج ملح البحر برمل الصحراء . .؟
فمن فرادة هذا الرجل أن كل العلماء ينسبون أنفسهم إلى جامعات . . أو مدارس أو معاهد نالوا منها الشهادات، لكنه ظهر كشجرة مقدسة بلا مقومات واضحة لحياة علمية كبيرة في زمنه، فلم يحصل على شهادته من جامعة، ولم يتلق تعليماً من جهة عالمية، بل علٌم نفسه بنفسه، قرأ، وبحث، وسافر، وتكبّد المشقة . . في سبيل المعرفة، غايته الأسمى .
وعندما تضع التقارير الإخبارية التي تتناول الكويت صور: البحر، الأبراج، مجلس الأمة، قصر السيف، برج الاتصالات، كمعالم عن الكويت . . تغفل أن تضع صورة هذا الرجل . . النادر كمعلم مهم من معالم الكويت . . تتمثل في وجهه وصورته وحضوره طيبة أرض الكويت، وبساطة أهلها، وتآلف قلوبها . .
وإن لم تفعل التقارير الإخبارية ذلك، فإن تقارير التاريخ حتماً . . ستضع د. صالح العجيري في قائمة من صنعوا تاريخها الرائع الناصع.
وعندما كان الكويتيـون . . يختارون إما البـر أو البحـر . . لكسب الرزق، اختار د. صالح جهة ثالثة هي ” السماء” . .
فكأنه منذ البداية جعل علوم السماء . . تمهيداً لمعرفة علوم الأرض .
وما أنبل وأجمل وأروع أن تتعامل مع السماء . . مع غيمها، مطرها، نجومها، ليلها، هوائها . . عواصفها، ورعودها . .
فكأن العجيري الذي شكلته طينة الكويت . . كان للسماء أيضاً دور في تشكيل قلبه. . فتميز بما يميز العلماء . . من نقاء فطري، طهارة نفس، وروح مُحبَّة للجميع . . زاد على ذلك جمال حديثه، وفكاهة فكرته، وحضور بديهته . .
وما هذا التكريم إلا محاولة للتعبير عن الامتنان تجاه رجل كان دوماً ضيفاً على كل بيت . .
فهو بشارة كل عيد . . ومباركة كل رمضان ، وإطلالة كل ربيع . .
وإذا كانت الدول تكرم رجالها بوضع صورهم في طوابع البريد، فإننا منذ زمن طويل وضعنا رزنامته في صدارة بيوتنا . . واحترامه في صدارة قلوبنا . .
تحية لك أيها الرجل النبيل. .
د. سعاد محمد الصباح
الطبعة الأولى 2013