في طائرة الموت
صاحَ بي طِفلي المٌفدَّى وهو مخنوقُ الأنينِ
وَيكِ أُمِّي أدْركيني.. ويْكِ أمِّي أنقذيني..
أسعفيني بهواءٍ من صِمامِ الأُوكسِجين
وخُذيني في ذِراعيكِ لأرتاحَ.. خُذيني..
قَرِّبيني.. قبِّليني.. عَانقيني.. أدْفِئيني..
إنَّني أشعرُ بالرّعشةِ تَسرِي في وَتِيني
أخرجِي الحبَّةَ من جَيبي، فقد كَلَّتْ يَميِني
وضَعِيها في فَمِي، علِّي أُشفَى بعدَ حينِ..
وانزَعي ربطةَ صَدري، إنها قيدُ سجينِ
الضَّنى فوقَ احتمالي، فأعينِيني. أعيني..
قَالها، ثمَّ ارتمَى في الأرضِ كالفَرخِ الطَّعينِ
فارتَمى قَلبي عَليهِ في ارتياعٍ وحنينِ
ولدي.. يا كنزَ أيامي ويا حُلمَ سِنيني
يا شبابًا كُلمَّا حدَّقتُ فيهِ يَزْدَهِيني
ليتَ آلامكَ كَانتْ في كِيانِي تَعتَريِني
آهِ من طائرةِ الموتِ التي هزَّت يَقيني
قلتُ للقُبطانِ عُدْ للأرضِ.. دَعها تَحتويني..
علَّني أظفرُ فيها بطَبيبٍ أو مُعينِ
ومن الموتِ يقيهِ، ومنَ الهَوْلِ يَقيني
إنني أغرقُ في بحرٍ من الدَّمعِ السَّخينِ
إنني أصرخُ من نَاري، وأهْذِي في أنِيني
بعدَ أنْ جُنَّ جُنوني، وغَدا اليأسُ خَدِيني
كم تضرَّعتُ إلى اللهِ بإيماني ودِيني
أن يرُدَّ المَوتَ عمَّن هُو تاجٌ لجبيني
وهو في حِضنِي يُداري اليأسَ في عَطفٍ ولينِ
وادعًا يستقبلُ الموتَ بقلبٍ مُسْتكينِ
إيهِ يا دُنياي.. زيديني شَجىً وامتحِنيني
لم يعدْ لي في المُنى ما أشْتهي أن تمنحينِي
بعد ما انهدَّ الذي شيَّدْتُ من حصنٍ حَصِينِ
كان في مُستقبلي غَايةَ مأوايَ الأمينِ
كان نُوري، وعَزائِي، مِن دُجَى لَيلي الغَبينِ
كانَ مالي وثَرائي كانَ أحلامَ السِّنينِ..