القصيدة السوداء
1
كم غيَّرتني الحربُ.. يا صديقي
كم غيَّرتْ طبيعتي
وغيَّرت أنوثتي
وبعثرت في داخلي الأشياءْ
فلا الحوارُ مُمكنٌ
ولا الصراخُ مُمكنٌ
ولا الجنونُ ممكنٌ
فنحن محبوسانِ في قارورةِ البكاءْ..
2
قد كسّرتني الحربُ يا صديقي
ولخبطتْ خرائطَ الوجدانْ
وحطَّمتْ بوصلَة القلب،
فلا زَرْعٌ..
ولا ضَرْعٌ..
ولا عُشبٌ..
ولا ماءٌ..
ولا دفءٌ..
ولا حنانْ..
قد شوَّهتني الحربُ يا صديقي
والحربُ كم تُشَوِّهُ الإنسانْ..
فهل هناك فرصةٌ أخرى.. لكي تُحِبَّني؟
وليس في عينيَّ إلا مَطَرُ الأحزان..
3
يا سيَّدي:
ما عدتُ بعد الحربِ.. أدري منْ أنا؟
أقِطَّة ٌجريحةٌ؟
أم نجمةٌ ضائعةٌ؟
أم دمعةٌ خرساءْ؟
أم مركبٌ مِنْ ورقٍ
تَمْضغُهُ الأنواءْ؟
أين تُرَى سنلتقي؟
وبيننا مدائن محروقة ٌ
وأمَّةٌ مسحوقةٌ..
وبيننا داحِسُ والغَبْراءْ..
فهل هناك فرصةٌ أخرى
لكيْ تُحبنَّي..
من بعد ما حوَّلني الحزنُ إلى أجزاءْ..
قد سرقتني الحربُ مِنْ طفولتي
واغتالتْ ابتسامتي..
ومزَّقتْ براءتي
واقتلعت أشجاريَ الخضراءْ..
فلا أنا بقيت من فصيلة الزهور..
ولا أنا بقيتُ من فصيلةِ النساءْ..
فمن ترى يُقنِعُني؟
أنَّ السماءَ لم تَزَلْ زرقاءْ؟
وأنّنا..
في زمنِ التلوُّث الروحيِّ..
والفكريّ..
والقوميِّ..
يمكن أن نظلَّ أصدقاءْ؟
4
يا سيِّدي:
لستُ أنا جزيرةَ السَّلامْ
ولا أنا الأنثى التي كان على أجْفانها
يستوطِنُ الحَمَامْ..
ولا أنا..
نافورةُ الماء..
وسيمفونيَّةُ الرُّخامْ…
يا سيِّدي:
قد يَبسَ العُشْبُ على شفاهِنَا
وانكسَرَ الكلامْ..
فكيف نسترجعُ أيامَ الهوى؟
ونحنُ مدفونانِ..
تحت الوحلِ والرُّكامْ..
5
يا سيِّدي:
أنا التي غيرُ التي تعرفُها
ذاكرتي مثقوبةٌ
فلا التَّواريخُ على جدرانِها باقية ٌ
ولا العناوينُ..
ولا الوجوهُ..
والأسماءْ..
أين ترى نذهبُ، يا صديقي؟
وما هناكَ بوصةٌ واحدةٌ نملكُها
في عالمِ الأرضِ،
ولا في عالمِ السّماءْ..
وما الذي نفعلُ في بلادٍ؟
يَصْطَفُّ فيها الناسُ بالطابورِ..
كي يَسْتَنشِقُوا الهواءْ !!
6
يا سيِّدي:
لَكَمْ أنا أشعُرُ بالإحباطِ،
والدُّوار..
والإعياءْ..
فلا تؤاخذْني على كآبتي
إذا قرأتَ هذه القصيدةَ السَّوْداءْ..