لا تقُلْها
لا.. لا تقُلْ لي أبداً : إنّي مُسافرٌ غدا
أتهجُر القلبَ الذي غيرَك ما تعوّدا؟
أتترُكُ العُصفُور في وَحدته مُقيّدا؟
وأنتَ من كُنتَ لهُ على الزّمانِ مُسعِدا
وأنتَ من كُنتَ لهُ من الحنانِ مَورِدا
فرشتَ في دُرُوبه لآلئاً وعَسجدا
سكبتَ في كُؤوسه ملاحماً، فغرّدا
جعلتَ من كُلِّ الفُصُولِ للرّبيعِ مولدا
كُنتَ لهُ أجملَ من أحلامِه وأبعَدا
كُنتَ لهُ خميلةً، ووطناً، ومعْبَدا..
لا.. لا تقُلْها أبداً.. إنّ غداً لن يُولدا
إنَّ غداً لن تشرقَ الشّمسُ عليهِ أبدا
سيلبسُ النُّورُ إذا غبتَ ستاراً أسودا
ويذبُلُ الرّوضُ، ولا يحتضنُ الزّهرُ النّدى
ويعُودُ الإعصارُ في سكرَتِه مُعربِدا
كأنّه من غضبِ اللهِ على اليومِ صَدى
يومئذٍ، أَهيمُ بالرُّوح على غير هُدى
أمُدُّ في ضراعتي للقدَر الآتي يدا
لعلّني ألقاكَ في بعض متاهاتِ المَدى
لعلَّ في الغيب لنا مع الرَّجاء موعدا
لعلّني أدنُو إليك.. يا أميري المُفْتدى
فيطلعُ البدرُ.. وتخشعُ النُّجُومُ سُجّدا
ويعبَقُ العطرُ.. ويرجعُ الربيعُ والنَّدى
ويصدحُ الشِّعرُ، ويصبحُ الزمانُ مُنشِدا
ولا تزالُ لي أنا، مدى الحياةِ، سيّدا.