منْ قتلَ الكويتْ
منْ قتلَ الكويتْ؟
ينفجرُ السؤالُ في عقلي، وفي قلبي..
كنهرٍ من لهبْ
كيفَ تموتُ وردةٌ بلا سببْ؟
كيفَ تموتُ نخلةُ بلا سببْ؟
هل أعجميٌّ يا ترى قاتلها؟
أم عربيٌّ جاء من أرضِ العربْ؟
من قتلَ الكويتْ؟
منْ ذبحَ الحمامةَ الجميلةَ البيضاءْ؟
منْ قتلَ القصيدةَ الشفافةَ الزرقاءْ؟
منْ سرقَ الكويتَ، من ذاكرةِ الأولادِ،
والياقوتَ من خواتم النساءْ
منْ سرقَ التاريخَ والجغرافيا..
واغتصبَ الزمانَ، والمكان،
والحياة، والأحياءْ؟
واقتلعَ الشعوبَ من مكانها
وغيرَ الوجوهَ، والعيونَ، والأسماءْ
منْ قتلَ الكويتَ؟
هل نزعةٌ سادية فينا إلى الخراب؟
أمْ شهوةُ الأعرابِ كي يفترسوا الأعرابْ؟
منْ قتلَ الكويتْ؟
منْ حكمَ النخيلَ بالإعدامْ؟
والقمرَ الأخضرَ بالإعدامْ؟
والكحلَ في عينِ الخليجياتِ بالإعدام؟
منْ قتلَ الكويتْ؟
لم يسقطِ القاتلُ من سحابةٍ
ولا أتى من عالم الأحلامْ.
أما اشتركنا كلنا في كورسِ النظامْ
أما هتفنا كلنا لسيدِ النظامْ؟
أما مسحنا دائماً بشعرنا..ونثرنا..
أحذيةَ الحكامْ؟
ألم نجمل دائماً أخطاءهمْ؟
بأعذبِ الكلامْ..
وأكذبِ الكلامْ..
ألم نسرْ في موكبِ الحجاجِ كالأغنامْ؟
هذا الذي قد قتلَ الكويتْ..
يا سادتي:
لم يأتِ من غياهبِ المجهولْ
فهو امتدادٌ مرعبٌ لفكرِ كربلاءْ..
وعنفِ كربلاءْ
ومقتلِ الحسين مغدوراً على رمالِ كربلاءْ..
قاتلها من منتجاتِ أرضنا
كالقمحِ، والشعير، والبقول..
قاتلها، ليس سوى مغامرٍ
سطا على عباءةِ الرسولْ..
هذا الذي قد قتلَ الكويتْ..
لم يأتِ من فراغْ..
وإنما جاء إلى الوجودِ من أرحامنا..
من وجهنا الشاحبِ.. من عاهاتنا..
من مكرنا.. وغدرنا.. وحبنا لذاتنا..
وعقدةِ السلطةِ في دمائنا..
هذا الذي قد قتل الكويتْ..
ليس بلا سلالة..
فإنه من دمنا ولحمنا
وإنه خلاصةٌ لكلِّ سيئاتنا..
هذا الذي قد قتل الكويتْ..
لم يأتِ من فراغْ..
وإنما نحنُ صنعناهُ على مقياسنا..
منْ قتلَ الكويتْ؟
كفى.. كفى.. نتهمُ القضاءَ والقدرْ..
بقتلها.. ونلعنُ الأشباحْ..
كفى.. كفى.. نجلس فوقَ قبرها
نمزقُ الثيابَ.. أو نستحضر الأرواحْ
كفى.. كفى.. نهربُ من ذنوبنا..
أليس في أحضاننا..
ترعرعَ السفاحْ؟
منْ قتلَ الكويتْ؟
من ذبحَ البحرَ من الوريد للوريدْ
من أرسلَ الأطفالَ للمجهولِ..
والنساءَ للشتاتْ؟
لا أحدٌ يجرؤُ أن يهربَ من وحشيةِ المأساةْ..
إن دمَ الكويتِ منثورٌ على ثيابنا..
أليستِ الشعوبُ أيضاً تصنعُ الطغاةْ؟
منْ حطم الكويتْ؟
حطمها.. تلك الدكاكينُ التي تبيعنا الوحدة والقومية..
حطمها عصرٌ من التلوثِ الخلقيَ، والتفسخِ القومي..
والتلفيقِ، والتصفيقِ، والشراءِ، والتصديرِ، والتنظير..
والكتابةِ الأمية..
حطمها الغرورُ والجنونُ، والأنظمةُ الفرديةْ..
وألفُ ألف حاكمٍ بأمره..
استبدلَ القرآنَ بالنازية
ومرسلونَ ما لهم رسالةْ..
وأنبياء ما لهم قضيةْ..
لم تسقطِ الكويتُ إلا عندما
تحولَ الفكرُ إلى زائدةٍ دودية
وأصبحتْ أحرفنا من خشب..
وأصبحتْ أفكارنا من خشب
وأصبحتْ شفاهنا ثلجيةْ
لم تسقط الكويتُ إلا عندما
تساقطت سنابلُ الحرية
وأصبحتْ دبابةٌ واحدة
قادرةً على أن تمضغَ القانونَ في دقائق..
وتأكلَ الشرعيةْ..
منْ قتلَ الكويت؟
لا أحدٌ يجرؤُ أن يقول: (لا)..
فكلنا شاركَ في جريمةِ القتلِ..
وفي تربيةِ الثعبانْ
وكلنا شاركَ في صناعة الشيطان
وكلنا صفقَ للطغاةِ والطغيانْ
فكيف نشكو الآنَ من أوثاننا..
ألم تكنْ حرفتنا أن ننحتَ الأوثانْ؟
منْ قتلَ الكويتْ؟
في زمنِ القتلِ الجماعي الذي نعيشهُ
لا توجد المصادفة..
في زمنِ الساديةِ العمياء..
والفاشيةِ السوداء..
واللصوصِ، والحكامِ.. والتجارِ.. والصيارفهْ..
لا توجدُ المصادفةْ..
في زمنٍ صارت به شعوبنا
أرانباً مذعورةً وخائفةْ
لا بيتَ للإنسان كي يسكنهُ
إلا بقلبِ العاصفةْ
ستبعث الكويتُ من رمادها.. كطائرِ الفينيقْ
وتبدأُ الرحلةَ منْ أولها..
ويرفعُ القلوعَ سندبادْ
وينبتُ العشبُ على دفاتر الأولادْ
وتصرخُ الأمواجُ في الخليجْ:
حيَّ على الجهادْ..
حيَّ على الجهادْ..
لا بدَّ في نهاية المطافْ
أن يثأرَ المقتولُ من قاتله
وأن يدورَ الحبلُ حولَ رقبةِ الجلادْ..