بيروت كانت وردةً.. وأصبحت قضية
1
بيروتُ.. يا قصيدةَ القصائدْ.
يا وردةَ البحرِ.. ويا جزيرةَ الأحلامْ
يا عمريَ الجميلَ مكتوباً
على الرّمالِ، والأصدافِ والغَمَامْ
ويا مكاتيبَ الهوى ينقُلها الحَمَامْ..
يا شَعْريَ الطويلَ مَنثوراً
على (الرَوْشَةِ).. و(اليَرْزَةِ)..
والأشرعةِ البيضاءْ..
يا فَرَحي كطفلةٍ ضائعَةِ في (شارِعِ الحمراءْ)!!
2
آتي من الكويتِ..
مثلَ نخلةٍ مُتعبةٍ تريدُ أن تنامْ..
آتي إلى البيتِ الذي من خُبزِهِ أطْعَمَني
آتي إلى الثّدْي الذي أرْضَعَني.
آتي لكم مُشتاقَةً
كي أشكرَ الحرفَ الذي ثقَّفني..
وأشكرَ البحرَ الذي..
إلى حدود الشمْسِ قد أطْلَقَني..
3
أبحثُ في بيروتَ..
عن لونِ عينيَّ وطُولِ قامتي.
أبحثُ عن عمري.. وعن ذاكرتي.
أبحثُ عن رسائلي الأولى..
وعن علاقتي الأولى..
وعن وعودي الأولى..
وعن قصائدِ الحُبّ الذي ترفُضُها قبيلتي..
4
آتي إلى بيروتَ
كي أَلقى صديقي البَحرْ
آتي لكي ألقى صديقي الشِّعر
فعندما تغيبُ بيروتُ
فلا قصيدةً جميلةً نقرؤها
أو قطعةً من نثْرْ..
وعندما تغيبُ بيروتُ عن العينِ
يغيبُ العمْر.
5
أبحثُ في بيروت..
عن أشيائي الأولى التي تركتُها في غُرفتي..
عن كُتُبِ الشّعرِ التي تبكي على مكتبتي..
أبحثُ عن أمطارِ أيلولَ.. وعنْ مظلتي..
عن قِصَصِ الحُبِّ التي خبّأتُها بالسرِّ في حَقيبَتي..
فَمنْ تُرى يُعيدُ لي طُفولتي؟..
ومَنْ تُرى يُعيدُ لي ذاكرتي؟..
6
آتي إلى بيروت..
كي أبحثَ عن حبّي.. وعن أحبَّتي
أبحثُ عن (ترويقةِ) الفُولِ لدى (مَرُّوشْ)
عن باعةِ القهوةِ في الكورنيشِ
عن (منقوشةِ الزعترِ).. عن جريدتي..
7
بيروتُ، يا شفَّافةَ العينينِ..
يا لؤلؤةً بَحْريَّةْ
يا مُهرةً تَصهلُ في مَلاعَبِ الحريَّة..
يا وردةً قد تركتْ أوراقَها.. وعِطرَها..
وأصبَحتْ قضيَّة!!..
8
آتي إلى بيروت..
كي أبحثَ عن كرَّاسةِ الشِّعْر
التي خَرْبَشْتُها في سالفِ الأيَّامْ
أبحثُ عن دفاتري
في وطنٍ قد صادرَ الأوراقَ، والأفكارَ، والأقلامْ..
أبحثُ في بيروتَ عن كلامْ
أقُولُه، في وطنٍ يُحرِّمُ الكلامْ
يُحرِّمُ الحبَّ على أنواعِهِ..
يُحرِّمُ الشِّعْرَ على أنواعِهِ..
يُحرِّمُ الصلاةَ والصِّيامْ!!..
9
أبحثُ في بيروتَ
عن حريّةِ الحُبِّ.. وعن حرّيّتي
فليسَ من مدينةٍ تَليقُ بالشِّعرِ
سوى بيروتْ..
وليسَ من مدينةٍ تَليقُ بالحُبِّ
سوى بيروتْ
وليسَ من مدينةٍ تُشْبِهُني
من مُدُنِ الدُّنيا، سوى بيروتْ..
10
ما أروعَ الأيَّام في (شتُورةٍ)
و(زَحْلةٍ)..
حيثُ رنينُ الكاسِ لا يَنامْ
وأعينُ العُشَّاقِ لا تنامْ
الشِّعرُ حتى الفجرِ لا ينامْ
يا ليتني مثلَ العصافيرِ التي
تشتاقُ كلِّ لحظةٍ إلى بلاد الشامْ!!..
11
أُحِسُّ في بيروتَ.. أنّي امرأةٌ ثانيةٌ
في ذلك العصرِ الرّجوليِّ الذي
صادَرَ عقلي مرَّةً..
ومرّةً أُنوثتي..
آتي إلى بيروتَ.. كي أحيا ليومٍ واحدٍ
وألتَقي حُرّيّتي..
12
آتي إليكِ اليومَ، يا بـيروت
هاربةً من قلقي النفسِيِّ..
من تَوَجُّعي القوميِّ..
من أُكذوبةِ السَّلامْ..
آتي من التخلُّفِ الكبيرِ..
والتَّشَرذُمِ الكبير..
والتَّناثُرِ الكبيرِ..
آتي إليكِ من ثقافةِ الشراءِ.. والبَيْعِ..
ومن مُثّقفي الظَّلام!!..
13
آتي إليكِ اليومَ، يا بيروتْ
أمشي على حقلٍ من الألغامْ
هاربةً من مدنٍ قد أحرقتْ تاريخَها..
وطَلَّقَتْ مبادئ العروبَةْ
وطَلَّقَتْ مبادئَ الإسلامْ..
14
آتي إلى الجَنوبِ
حيثُ الأرضُ تُنبِتُ الليمونَ، والزيتونَ،
والأبطالْ
وتُنْبِتُ العزّةَ.. والنَّخْوةَ.. والرِّجالْ..
آتي إلى الجَنُوبِ
كي أُقبِّلَ السُّيُوفَ، والخيولَ، والنِّصالْ..
وفي فمي سؤالْ:
هل أصبحَ الجَنُوبُ وحدَه.. قاعدةَ النِّضالْ؟