سلام عليك.. يا مصر
كشفت أزمة الخليج القناع عن وجوه الكثير من الرجال والزعماء والأنظمة في المنطقة العربية، كما كشفت عن صدق الصادقين، ونفاق المنافقين.
ففي حين نجحت مصر بامتياز في كل المواد التحريرية والشفهية للامتحان، نال البعض صفراً في المعلومات، وفي الثقافة السياسية العامة، وفي السلوك.
كان بإمكان مصر أن تكون مع الذئب ضد الحمل، ومع القاتل ضد القتيل، ومع الرصاصة ضد الوردة، ومع جنازير الدبابات ضد عظام الأطفال.. ولكنها بقيت مخلصة لتراثها الإنساني ولحضارتها التي أضاءت وجه العالم منذ خمسة آلاف سنة.
كان بإمكان الرئيس حسني مبارك أن يتملق شريكه في مجلس التعاون العربي صدام حسين، ويطبطب على كتفيه، ويهنئه على اغتصاب الكويت وتسجيلها في السجل العقاري باسمه.. وتحويل الشعب الكويتي إلى شعب من اللاجئين.
كان بإمكان الرئيس حسني مبارك أن يلبس ملابس الحرباء كما فعل سواه من محترفي النضال الكاذب، ولكنه تصرف كفارس حقيقي، فدافع عن الحمل.. وطلب من الذئب أن يعود من حيث أتى.
مصر كانت كبيرة بكل شيء، كبيرة بموقفها، وكبيرة بأخلاقها، وكبيرة بمناقبيتها، وكبيرة بقيمها العربية، ومُثُلها العليا.
فهي لم تنافق، ولم تساوم، ولم تغش في ورق اللعب، ولم تجامل الغني على حساب الفقير، ولا القوي على حساب الضعيف.
مصر لم تلعب على حبال النزاعات العربية، ولم تبع ولم تشتر من خلف الكواليس.. ولم تنط كبهلوانات السيرك بين الأبيض والأسود.. وبين الكذب والصدق، وبين الليل والنهار.. وبين النقيض والنقيض.
مصر تصرفت برقيّ وحضارة، كما تتصرف أية دولة راقية ومتحضرة، ولم تلجأ إلى الماكيافيلية والخداع، والتكتيكات السياسية الرخيصة، كما فعل البعض في مؤتمر القمة الذي انعقد في القاهرة.
مصر هي مصر التي نعرفها، ونحبها، ونحترمها، فهي –على فقرها- لم تقبض (كمسيوناً) من أحد ثمناً لتغيير موقفها المبدئي.
وهي -برغم متاعبها الاقتصادية- لم تقبض من أية جهة رشوة لقاء قلب الحق إلى باطل، والباطل إلى حق.
وهي –برغم استبعادها ذات يوم من العائلة- أثبتت أنها أكثر انتماء للعرب من مدّعي العروبة، وأكثر حرصاً على مصالح العائلة العربية، من كثير من المتشدقين والمزايدين والمتحدثين باسم العروبة.
إن الأصيل يبقى أصيلاً، والهجين يبقى هجيناً، كما أن الكبير يبقى كبيراً، والصعلوك السياسي يبقى دائماً صعلوكاً.
وربما كان من حسنات أزمة الخليج –إذا كان لها من حسنات- أنها كشفت عورات هؤلاء المهرجين والنصابين والانتهازيين، الذين يبيعون شرفهم القومي بعشرة دنانير عراقية.. ويبيعون العرب كلهم بقشرة بصلة.