أَعْقَلُ المجَانِين
1
يَحكُونَ عنْ كُلِّ العُصورْ
عنْ رُوما..
وَأثينا..
وَفُلورنسا..
وقُرطُبةَ التي تَبْكي قِبابُها في اللّيل
بِدموعٍ عَربيّةْ..
يحكُونَ عنِ المعجِزاتِ السَّبعْ
وينسَونَ أنَّكَ مُعْجِزتي
وعنْ عصْرِ المأمونِ الذَّهَبيّ
وينسَونْ..
أنْ لا عصْرَ ذَهبيّاً إلّا عصرُكْ
ولا قيدَ أجِدُ فيهِ حُرّيتي
إلّا قَيدُكْ..
2
يتحدَّثونَ في الكُتُبِ القديمَةْ
عَنْ قادة كِبارْ
وعنْ عُشّاقٍ كِبارْ
ورسَّامينَ
ومُوسيقيّينَ
وشُعراءَ كِبارْ
ومُكتشِفينَ، ومُخترعينَ كِبارْ
ولا أحَدَ يتحدَّثُ عنكْ
يا الذي اكتشفْتَ أُنوثتي قبْلَ أنْ أكتشفَها..
واخترعْتَني..
قبْلَ اختِراعِ النَّارِ والشِّعرْ..
لا أحَدَ يعرِفُ مُعجزاتِكْ..
أيُّها الرَّجلُ الذي حوَّلني في ثَوانٍ
إلى قطْعَةِ شمسٍ..
وسَبيكةِ ذَهَبْ..
3
يَتحدَّثونَ كَثيراً عنْ مَجانينِ الهَوى
ومَجاذِيبِ العِشقْ
يتحدَّثونَ عنِ البَهاليلْ
الذين شَنقُوا أنفسَهُم على ضَفائرِ حَبيباتِهمْ
ودخلُوا إلى غَاباتِ الحُزنِ ولم يَعُودوا..
وقاتَلُوا في سَبيلِ امرأةٍ.. حتى قُتِلوا..
ودارُوا ملايينَ المرَّاتِ في فضاءِ الوَجدْ..
حتّى احترَقُوا..
قرأْتُ كَثيراً عنْ مَجانينِ الهَوى
عنْ قَيسِ بنِ الملوَّحْ
وعنْ ديكِ الجِنِّ الحمْصيّ
وعنْ فان غوخ
ولكنَّني لمْ أعرِفْ مجنوناً أعْقلَ منكْ
ولا عاقِلاً
أكثرَ منْكَ جُنوناً..
4
قرَأْتُ عنْ مُلوكٍ تَنازلُوا عنْ عُروشِهمْ
لِيحتفِظُوا بعَرشِ الحُبّ
يا الّذي علَّمَني أَبْجديّةَ الحنانْ..
وأَدخَلني جَامِعةَ الوَلَهْ..
لا تتنازَلْ أَبداً عنْ عرشِكْ
5
قرأْتُ كُلَّ معاجِمِ العِشقْ
وكُلَّ رسائلِ العاشِقينْ..
قرأتُ (طَوْق الحَمامةْ)..
و(نَشيد الإِنشَاد).. و(مَزامير سُليمانْ)..
قرأتُ (أُوفيد).. و(عُيون إِلزا)..
ولكنَّني لمْ أستوعِبْ حتَّى الآنْ
قصَّةً تستوعِبُ مُنَانا..
وقَصيدةً تتَّسِعُ لسُكْنانا..
ولُغةً تكْفي أنْ نتمدَّدَ فيها.. نحنُ الاثْنَين
لم أجِدْ.. يا حَبيبي..
في كلِّ المكتباتِ التي ذهبْتُ إليها..
وفي كُلِّ الكُتُبِ التي قرأْتُها
كلمةً.. تَستطيعُ أنْ تَقُولَني
أو مُفْردةً.. تَستطيعُ أنْ تَقُولَكْ
فيا تَاركي.. مجروحةً على زُجاجِ اللُّغةِ المستحيلَةْ..
أتوسَّلُ إليكْ..
أنْ ترفَع يدَيكَ عن ثَقافَتي..