إِنَّ جِسْمي نَخْلةٌ تشْرَبُ مِنْ بحْرِ العَرَب
1
إِنَّني بِنْتُ الكُويتْ
بِنْتُ هَذا الشَّاطِئ النَّائِمِ فَوقَ الرَّمْلِ
كالظَّبْيِ الجَميلْ
في عُيوني تَتلاقَى
أَنْجُمُ اللَّيلِ، وأشْجارُ النَّخيلْ
مِنْ هُنا.. أَبحَرَ أجْدَادي جَميعاً
ثُمَّ عادُوا.. يَحْمِلونَ المسْتَحيلْ..
2
إِنَّني بنْتُ الكُويتْ
ومعَ اللُّؤلؤِ في البَحْرِ ترعْرَعْتُ،
ولملمْتُ مَحاراً ونُجُوما
آهِ.. كَمْ كانَ مَعي البَحْرُ حَنوناً وكَرِيما
ثمَّ جاءَ النِّفْطُ شَيطاناً رَجِيما
فانْبَطَحْنا عنْدَ رِجلَيهِ رِجالاً وَنِساءا
ورجوناه صَباحاً ومَساءا
ونَسينا خُلُقَ الصَّحراءِ.. والنَّخْوةَ.. والقَهْوةَ
والمهْباجَ.. والشِّعرَ القَديما..
وغرِقْنا في التَّفاهاتِ..
هدَمْنا كلَّ ما كانَ مُضيئاً..
وأَصيلاً.. وعَظِيما..
3
إنَّني بِنتُ الكُويتْ
غُرفَتي الشَّمسُ..
ومِنْ بعضِ أسْمائي الصَّباحْ
وجُدُودي اخترعُوا الأمواجَ.. والبَحرَ..
ومُوسيقى الرِّياحْ.
صَادقُوا الموتَ.. فلا الخَيلُ استراحَتْ
مِنْ أمَانِيهم..
ولا السَّيفُ اسْتراحْ..
*
ثُمَّ حلَّتْ نقمة النَّفطِ علَينا
فاسْتَبْحنا كلَّ ما ليس يُباحْ
فالبَساتِينُ فِراشٌ للهَوى
والنِّساءُ الأجْنبيَّاتُ..
يُعَطِّرْنَ لَيالينا المِلاحْ
والدَّنانيرُ على الأقْدامِ تُرْمى..
وعلى الأجْسادِ تصْطَفُّ القِداحْ
هكَذا يا وَطني..
تُرفَعُ راياتُ الكِفاحْ!!
هكَذا يَبْكي على الحَائِطِ سيفٌ
أثَرِيٌّ لأَبي..
هكَذا، مِنْ يأسِهِ، يبْكي السِّلاحْ..
4
وطَني.. أصبحْتُ لا أعرِفُهُ
هلْ هوَ البازارُ؟
والشِّكَّاتُ منْ غَيرِ رصيدٍ؟
ودَكاكِينُ القِمارْ؟
هل هُو الخَمسونَ (هَاموراً) يجوبونَ البِحارْ؟
هلْ هوَ الشَّعبُ الكُويتيُّ الذي
تذبحُهُ المافياتُ في ضَوءِ النَّهارْ؟
فاغضَبي أيَّتُها الأرضُ الّتي
ما شاركَتْ في الحَربِ إلّا بالصُّراخْ
والّتي ما أنجَبَتْ بعدَ مخَاضٍ مُوجِعٍ
غيرَ فُرسانِ (المَناخْ)..
5
اغْضَبي..
أيَّتُها الأرْضُ التي نامَتْ طَويلاً
في فِراشٍ من ذَهَبْ
اغْضَبي..
أيَّتُها الأرضُ التي تشْربُ بترولاً..
وتَبني عَرشَها فوقَ الحَطَبْ
اغْضَبي..
أيّتُها الأرضُ التي أسْكَرها المالُ..
وأعْمَاها البَطَرْ..
إنَّني أرْفُضُ أنْ أَعتبِرَ النِّفطَ قَدَرْ..
فأَنا لا أعبُدُ النّارَ..
ولا أرْمي بأطْفالي طَعاماً للهَبْ
يا بِلادي..
اخْرُجي منْ نشْرةِ العُملاتِ.. والأسْهُمِ..
وانْضمِّي إلى جيشِ العَربْ..
إنَّ في لبنانَ أطفالاً يَموتونَ،
وعِرضاً يُغتَصَبْ..
اغْضَبي أيَّتُها الأرضُ،
فإنَّ الأرضَ لا يفلَحُها إلّا الغَضبْ..
6
كُلّما أبصرْتُ في الحُلْم صَلاح الدينِ..
يَستجدِي فُتاتَ الخُبزِ في القُدْسِ،
ويستَعْطي على بابِ السُّيوفِ العربيَّةْ
كُلَّما شاهدْتُهُ..
تائِهاً، يسألُ في الصَّحراءِ عنْ أحياءِ طَيٍّ
وتَميمٍ، وغُزَيّةْ..
كُلّما شاهدْتُه في مَركزِ البوليس،
مرْمِيّاً على الحائطِ من غيرِ كفيلٍ أو هويَّةْ
صِحْتُ منْ أعماقِ جرْحِي:
أيُّها العصْرُ الشُّعوبيُّ الذي
صارَ فيهِ السَّيفُ يحتاجُ لإبرازِ الهويَّةْ..
7
إنَّني بنْتُ الكُويتْ
كُلَّما مَرَّ بِبالي، عَرَبُ اليَومِ، بكَيتْ..
كلَّما فَكَّرتُ في حالِ قُريشٍ،
بعدَ أنْ ماتَ رَسولُ اللهِ،
خَانَتْني دُموعي، فبَكَيتْ..
كُلَّما أبْصرْتُ هذا الوَطنَ الممْتدَّ
بينَ القَهْرِ والقَهْرِ.. بكيتْ
كُلَّما حدَّقْتُ في خَارطةِ الأمسِ
وفي خَارطةِ اليومِ..
بَكيتْ..
كُلّما شاهدْتُ عُصفوراً بِروما
أو بِباريسَ.. يُغَنّي
دُوْنَ أنْ يشعُرَ بالخَوفِ.. بكَيتْ
كُلَّما شاهدْتُ طِفلاً عَربِيّاً
يشْرَبُ البغْضاءَ من ثَدْيِ الإذاعاتِ..
بَكَيتْ..
كُلَّما شاهدْتُ جَيشاً عربِيّاً
يُطْلِقُ النَّارَ على الشَّعْبِ.. بكَيتْ
كُلَّما حدَّثَني الحَاكِمُ عن عشْقِ الجَماهيرِ لهُ
وعَنِ الشُّورى.. وعنْ حُرّيةِ الرَّأيِ.. بكَيتْ
كُلَّما استجْوَبَني بوليسُ قُطْرٍ عَربيٍّ
عنْ تَفاصِيلِ جَوازي..
عُدْتُ مِنْ حيثُ أَتيتْ..
8
إِنَّني بنْتُ الكويتْ
هلْ منَ المُمكنِ أنْ يُصبحَ قَلْبي
يابِساً.. مثلَ حِصانٍ منْ خشَبْ؟
بارداً..
مثلَ حِصانٍ منْ خَشبْ؟
هلْ منَ المُمكِنِ إلغاءُ انتِمائي للعَربْ؟
إنَّ جسْمي نَخلةٌ تشْربُ من بحْرِ العَربْ
وعلى صَفْحةِ نفْسي ارتسَمَتْ
كلُّ أخْطاءِ، وأحزانِ،
وآمالِ العَربْ..
سوفَ أبْقى دَائماً..
أنتظِرُ المهديَّ يأْتِينا
وفي عينَيهِ عُصفورٌ يُغنّي..
وقَمَرْ..
وتَباشيرُ مطَرْ..
سوفَ أبْقى دَائماً..
أبحثُ عنْ صَفصافَةٍ.. عنْ نجْمةٍ..
عنْ جنَّةٍ خلْفَ السَّرابْ..
سوفَ أبْقى دائِماً..
أنتظِرُ الورْدَ الذي
يطلُعُ منْ تحْتِ الخَرابْ..