سعاد من أميرة إلى مقاتلة
بقلم : د.محمد الرميحي
معرفتي بالدكتورة الشيخة سعاد الصباح بدأت منذ منتصف العقد السابع من القرن الماضي، كانت تتردد على المنتديات العربية النشيطة وقتها، سواء في القاهرة أو بيروت، بيني وبين نفسي كنت أعجب لهذه السيدة التي تركت وثير العيش لتنغمس في أجواء ليست بالضرورة مريحة أو مجاملة، كانت الأجواء العربية في السبعينيات وما بعدها بالغة التشتت، بين قوى قومية ويسارية ودينية، ولكن الدكتورة سعاد كانت هناك في صلب النقاشات، ليس من أجل تمويل ودعم المؤسسات التي تؤمن بأهميتها في الثقافة ودعم الفكرة العروبية، ولكن -وهو المهم- حتى تقول رأيها في تلك الموضوعات الساخنة التي كان يتجنب الخوض فيها كبار المثقفين العرب طلباً للسلامة، ووضعت الدكتورة سعاد الكلام موضع الفعل المتميز، فموّلت عدداً من مراكز البحث العربية التي وجدت وقتها أنها تخدم الفكرة العربية والعروبة التي نشأت فيها ومعها؛ لكونها عاشت في كنف رجل سياسي هو الشيخ عبدالله المبارك الصباح طيب الله ثراه، وتنقلت معه في العواصم العربية والأوروبية وظهر اسمها مقروناً باسمه في تاريخ العرب الحديث، سواء في أحداث مختلفة وقعت في مصر أو سوريا أو لبنان، فعرفت هي عن قرب كيف تُمارس السياسة العربية وأبوابها الخلفية، كما عرفت عن قرب الأجواء الثقافية المحيطة، وذلك التوق العربي لدى النخب العربية، والذي كان يعترف بالإحباط، كما يتشوق إلى النهوض سواء في الحقبة الناصرية أو ما بعدها.
في الموضوع الفلسطيني لم تتأخر الدكتورة سعاد عن دعم القضية بكل ما أوتيت من معرفة وكل ما لديها من قدرة مالية، كانت تلك القضية هي قضيتها بامتياز، والتي سكبت في شعرها الكثير من الكلمات، كما رصدت معاناة شعبها في كلماتها المنثورة.
أما معرفتي بها الموثقة، والتي عنوت هذه المطالعة بها لكونها تحولت من (أميرة إلى مقاتلة) فقد ظهرت إبان الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، كُنت قد كُلفت من الإدارة الحكومية وقتها، (للتاريخ لابد ذكر من كلفني، وهما سمو الشيخ ناصر المحمد، وسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد. الأول كان وقتها وزير إعلام بالوكالة، والثاني كما يعرف الجميع كان وزيراً للخارجية)، في الأسابيع الأولى من الاحتلال من أجل إصدار جريدة باسم الكويت في لندن.
كان الوضع كارثياً، وكانت المؤسسات لا تعمل، فوجدت من الشيخة سعاد الصباح كل عون، والتي شمرت عن ساعد الجد لتخوض معركة وطنها، فهيأت لي وقتها السكن المناسب، كما أمدتني بالكثير من الأفكار الصالحة لإصدار جريدة، وهي (صوت الكويت) التي تحتفظ المكتبة العامة اليوم في الكويت بكل أعدادها. وقتها كانت الدكتورة سعاد شعلة لا تُطفأ نارها في الحركة بين المجاميع الكويتية والعربية من أجل نصرة وطنها، حيث غاب كل شيء في نظرها إلا الوطن.
كانت تتصل بمن تعرف من الكتاب والمثقفين العرب، كي يمتشقوا أقلامهم للدفاع عن الكويت الوطن والكويت الرسالة، قليل منهم استجاب، وكثير منهم سوَّفَ، واكتشفت الدكتورة سعاد أن حديث البحر الهادئ غير الحديث في البحر المتلاطم، وهي التي بذلت كل تلك الجهود في دعم الفكرة العربية، وجدتها عند النخبة مصلحة وخيالاً لا غير. امتشقت القلم وبين فترة وأخرى كانت ترسل مقالاً أو قصيدة تحتضنها صفحات صوت الكويت بحب وفهم، كانت كلماتها مشجعة وآملة في كويت أفضل، ومن يعد اليوم إلى تلك الصحيفة فسوف يجد ما كتبته الدكتورة، وقد كان بمثابة ذخيرة حية لإصرار الكويت، شعباً وحكومة على المقاومة ورفض الاحتلال.
أما عملها في تلك الأيام الصعبة، فقد كانت تنتقل من تجمع نسائي إلى تجمع شبابي إلى معالجات فكرية في الساحة العربية، إلى اتصالات شعبية لحشد الرأي العام من أجل قضية وطنها، كنتُ ألمحها بين الجموع تشجع وتعضد وتدعم وتحل المشكلات التي تعلق بين أبناء الكويت القاطنين في بريطانيا، كما كانت فاعلة في اللجنة العليا التي نظمها الشعب الكويتي تحت شعار (مواطنون من أجل كويت حرة)، واختصاراً كانت تعرف بـ FREE KUWAIT.
ربما تلك التجربة التي خلقت (الأميرة المقاتلة) بقيت في ذهن الدكتورة سعاد الصباح، فطوّرت من عملها الثقافي بإنشاء دار سعاد الصباح للنشر، الذي تشرفتُ بأن تنشر لي كتاب (الأعدقاء) الذي كان عبارة عن توثيق لمرحلة الغزو العراقي من وجهة نظر مراقب ومشارك في الأحداث، واستمرت تلك الدار حتى اليوم تنشر ما لا تنشره الدور الأخرى، وبخاصة في توثيق مسيرة الشخصيات الكويتية الوطنية، ولعلي أذكر مثالاً كتاب أستاذنا الدكتور صالح العجيري، الذي كرّمته الدار في مشروع كبير للاحتفاء بالمبدعين العرب الأحياء.
واليوم، أصبح من اللازم أن نوثّق ونحتفل بسيرة هذه المبدعة الوطنية المقاتلة والشجاعة الشيخة الدكتورة سعاد الصباح، فتحيّة لها ولجهدها الذي لن تنساه الأجيال القادمة. نشرت في مجلة الكويت 2018