الشِّعرُ والنَّثرُ.. لَكَ وحدَكَ
لا تَسأَلْ ما هيَ أَخباري..
لا شَيءَ مُهِمّاً.. إلّا أَنتَ..
فَإنَّكَ أَحلى أَخباري.
لا شَيءَ مُهِمّاً.. إلّا أَنتَ..
وكُلُّ العالَمِ بَعدَكَ ذَرّاتُ غُبارِ..
سُعاد
أَيا رَجُلاً.. يَتَجَوَّلُ بَينَ خَلايايَ
مِثلَ القَضاءِ.. ومِثلَ القَدَر..
سُعاد
لَم يَعُد عِندي مَكانٌ
بَعدَما استَعمرتَ كُلَّ الأَمكِنَة
لَم يَعُد عِندي زَمانٌ
بَعدَما صادَرتَ كُلَّ الأَزمِنَة
سُعاد
مُقدِّمة
أُحاوِلُ أَن أَتَعَلَّقَ بِعَرَبَةِ الفَرَحِ
فَيَضرِبُني السّائِقُ على أَصابِعي..
وأُحاوِلُ أَن أَتَعَلَّقَ بِحِبالِ الكَلِماتِ..
فَتَفلِتُ مِن يَدَيَّ..
وأُحاوِلُ أَن أَستَعيدَ زَمَنَكَ الجَميلَ،
المُطَرَّزَ بِالشَّمسِ والصَّحوِ فَيُهاجِمُني المَطَرُ..
وتَضرِبُني العاصِفَةُ.
هَذِهِ كَلِماتُ القَلَقِ.. والتَّوتُّرِ.. والزَّمَنِ الحَزينِ..
فَأَرجو أَن تُحِبَّ حُزني.
1
الشِّعرُ
والنَّثرُ.. لَكَ وحدَكَ
يا مَرفَئيَ الَّذي أَظَلُّ بِانتِظارِهِ..
بَعدَ أَيّامٍ..
أُغادِرُ لَندَن بَعدَ انتِظارٍ طَويلٍ..
بَعدَ أَيّامٍ أُغادِرُ Bear palace[1]
الَّذي كانَ فِردَوسي وسِجني في آنٍ واحِدٍ..
فِردَوسي لأنَّ مَكتَبَهُ وصالونَهُ وغُرَفَهُ
تُخَزِّنُ أَجمَلَ ذِكرَياتي..
وسِجني..
لأنَّني خِلالَ مُدَّةِ غيابِكَ مُحاصَرَةٌ
بِالثّالوثِ المُقَدَّسِ؛ أَنتَ، وأَولادكَ، وذِكرياتي..
لَم أَكُنْ وحدي بِالبَيتِ أَبَداً..
والحِراسَةُ لَم تَنقَطِع لا لَيلاً ولا نَهاراً..
عَيناكَ مَرسومَتانِ على البابِ، وابتِسامَتُكَ تُطِلُّ
مِن وراءِ السَّتائِرِ..
وصَوتُكَ يَتَرَدَّدُ في أَرجاءِ البَيتِ:
أُحِبُّكِ..
حُلُمٌ SHOPPING
أُعَلِّقُكَ، كَحَلَقِ الزُّمُرُّدِ، في أُذُنَيَّ
وأَدخُلُ بِكَ شَوارعَ لَندَنَ المُزدَحِمَةَ
وأَتَوكَّلُ على اللهِ
أُخَبِّئُكَ كالثَّوبِ الجَديدِ
في كيسِ مُشتَرَياتي
وأَقفِزُ مَعَكَ كَطِفلَةٍ
على السَّلالِمِ الكَهربائيَّةِ..
وأَتَمَسَّكُ بِذِراعِكَ
كَغَريقٍ في ساعَةِ الزِّحامِ
وأَتَوكَّـأ على ساعِدَيكَ
أَلبَسُكَ كَإِسوارَةِ الذَّهَبِ في مِعصَمي
وأَرتادُ مَعَكَ الأَماكِنَ المَزروعَةَ
بَينَ ريجينت ستريت.. و“نايتس بريدج”
هازِئَةً مِنَ المَطَرِ
هازِئَةً مِنَ البَشَرِ
وأَتَوكَّـأُ على الحُبِّ
أَذهَبُ مَعَكَ..
إِلى آخِرِ الدُّنيا.
وآَخُذُ إِجازَةً..
مِن تاريخِ العَرَبِ.
بارِدٌ مِن دونِكَ البَيتُ كَثيراً..
في ذِكرى زَواجِنا السّادِسَةِ والخَمسينَ (18 سبتمبر)
– 1 –
أَنا في حالَةِ حُبٍّ.. يا حَبيبي
رائِعٌ.. أَن تَجِدَ المَرأَةُ في جانِبِها
مَن تُناديهِ: حَبيبي
مُدهِشٌ.. أَن تَفتَحَ المَرأَةُ عَينَيها مَعَ الفَجرِ
لِتَلقى نَفسَها غارِقَةً في بَحرِ طيبِ
– 2 –
يا حَبيبي
بارِدٌ مِن دونِكَ البَيتُ كَثيراً
بارِدٌ مِن دونِكَ العُمرُ كَثيراً
أَنا إِنْ لَمْ أَتَكَوَّمْ تَحتَ كُرسيِّكَ..
فَلَن يُدفِئَني أَيُّ مَكان..
– 3 –
يا حَبيبي..
يا الَّذي شَكَّلَني بِالأَغاني..
واليَواقيتِ، وزَهرِ الأُقحوانِ
يا الَّذي بَلَّلَ أَعشابي بِأَمطارِ الحَنانِ
يا الَّذي أَوصَلَني بَرَّ الأَمانِ
أَنتَ لا تَعرِفُ مَعنى أَن تُحِسَّ امرَأَةٌ خائِفَةٌ
أَنَّها قَد وصَلَتْ بَرَّ الأَمانِ!
امرأةٌ.. في عُنُقِ الزُجاجَةِ..
– 1 –
مَلَلتُ الكَلامَ المُعادَ عَنِ الحُبِّ
فَلْنَختَرعْ، يا حَبيبي، كَلاماً جَديدا..
كَرِهتُ الإِقامَةَ في مُدُنِ المِلحِ..
فَلْنَكتَشِفْ، يا حَبيبي، مَكاناً بَعيدا
أُريدُ الذَّهابَ إِلى زَعتَرِ الأَوديَة
أُريدُ التَّحَرُّرَ مِن كُلِّ شَيءٍ..
ومِن أَيِّ شَيءٍ
أُريدُ الذَّهابَ إِلى آخِرِ الأُغنيَة..
– 2 –
أَنا، لا أَزالُ مُعَلَّقَةً يا حَبيبي
بِعُنقِ الزُّجاجَة
فَشِعري.. ونَثري.. وومضاتُ فِكري
تَمُرُّ جَميعاً… بِعُنقِ الزُّجاجَة
فَكَيفَ أُحِبُّكَ في ظِلِّ هَذا الحِصارِ الطَّويلِ؟
فَسَيفٌ يُحَدِّدُ وقتَ خُروجي
وسَيفٌ يُحَدِّدُ وقتَ دُخولي
تَمُرُّ الفُصولُ عَلَيَّ
ولا أَتَذَكَّرُ أَسماءَ كُلِّ الفُصولِ
فَلا شَهرُ نَيسانَ يَطرُقُ بابي
ولا غَيمُ أَيلولَ يَروي حُقولي
صَبَرتُ كَثيراً..
ويا لَيتَني كُنتُ أَملِكُ صَبرَ النَّخيلِ
أُلوفُ البَشاعاتِ تَصدُمُ عَيني
وما زِلتُ أَحلُمُ في كُلِّ شَيءٍ جَميلِ
أُريدُ التَّحَرُّرَ مِن كُلِّ شَيءٍ.. ومِن أَيِّ شَيءٍ
فَحَدِّدْ زَمانَ الرَّحيلِ، ووقتَ الرَّحيلِ..
وخُذني على ساعِدَيكَ القَويَّينِ.. خُذني
إِلى زَمَنِ الشِّعرِ.. والمُستَحيلِ..
– 3 –
كَرِهتُ حِوارَ المَرايا..
كَرِهتُ الجُلوسَ نَهاراً ولَيلاً، بِبَيتِ اللُّعَبْ
أُريدُ استِعادَةَ حَقِّ الصُّراخِ
وحَقِّ التَّحَدّي..
وحَقِّ الغَضَبْ
أُريدُ مَكاناً على الأَرضِ،
تَنبُتُ فيهِ القَصائِدُ مِثلَ دَوالي العِنَبْ
تَخَشَّبَ قَلبي، وأَصبَحتُ امرأةً مِن خَشَبْ
تَيَبَّسَ عَقلي، ولا أَتَصَوَّرُ عَقلي حَطَبْ
أُريدُ هَواءً نَظيفاً
وفِكراً نَظيفاً
وحُرّيَّةَ الرّيحِ بَينَ حُقولِ القَصَبْ..
– 4 –
كَرِهتُ استِدارَةَ وجهي..
ولَونَ عُيوني
كَرِهتُ قَناعَةَ كُلِّ الجَواري
كَرِهتُ طَعامَ السُّجونِ..
كَرِهتُ القَبيلَةَ..
حينَ تَكونُ القَبيلَةُ..
ضِدَّ الأُنوثَةِ والياسَمينِ..
كَرِهتُ ذُكورَ القَبيلَةِ
حينَ يَقولونَ أَحلى الكَلامِ..
لِكَي يأكُلوني..!
كَرِهتُ الخُرافاتِ تَنهَشُ لَحمي..
كَرِهتُ الحَليبَ الَّذي أَرضَعوني
خَرَجتُ على سُلطَةِ المَيِّتينَ..
وخالَفتُ كُلَّ الوصايا الَّتي عَلَّموني..
وقَفتُ بِوجهِ العَواصِفِ وحدي..
ولَم أَتَّخِذْ مِن صَديقٍ على الأَرضِ..
إِلّا جُنوني.
خُذني إلى الفَوضى والطُّفولَةِ..
خُذني إِلى أُنوثَتي..
خُذني إِلى حَقيقَتي
خُذني لِما وراءَ الوقتِ والأَيّام
خُذني لِما وراءَ البَوحِ والكَلام
فإنَّني أريدُ أَن أَنام..
ما أَجمَلَ السُّكنى مَعَكْ
على حُدودِ الضَّوءِ والسَّحابْ
أَو تَحتَ جَفنَي كلمةٍ
أَو دُفَّتَي كِتابْ
ما أَجمَلَ الهُروبَ في الفَجرِ مَعَكْ
مِن غَيرِ تَفكيرٍ.. ولا خَوفٍ..
ولا نَدامَةْ
يا لَيتَني أُقيمُ في صَدرِكَ..
كالحَمامَةْ
وبَعدَها فَلتَقُمِ القيامَةْ!
وليَبدَأِ الطّوفانْ..!
يا أَيُّها المُسافِرُ اللَّيليُّ في الشِّفاهِ
والأَحداقْ
يا أَيُّها الآكِلُ مِن فَواكِهِ البَحرِ..
ومِن حَشائِشِ الأَعماقْ
خُذني إِلى المَرافِئِ المَجهولَةْ
خُذني إِلى الفَوضى.. إِلى الطُّفولَةْ..
وخُذ تُراثي كُلَّهُ.. وحِكمَةَ القَبيلَةْ
يا أَيُّها الزّارِعُني شَمساً على
الآَفاق
خُذني إِلى أَيِّ مَكانٍ شِئت.
خُذني إِلى خَلفِ حُدودِ الوقت.
فَلَيسَ لي عَقلٌ مَعَكْ
ولَيسَ عِندي مَوقِفٌ آَخُذُهُ..
إِلّا مَعَكْ
خُذني بِلا تَرَدُّدٍ
لِلهِندِ.. أَو لِلسِّند
فَما أَنا شاعِرَةٌ بِالحَرّ
ولا أَنا شاعِرَةٌ بِالبَرد
ولا مَعي حَقائِبٌ..
ولا مَعي أَوراقْ
ولَيسَ عِندي وطَنٌ أَسكُنُهُ
إِلّا مَعَكْ
2
إِذا نادى الرَّجُلُ بِالمُساواةِ
فَتَأَكَّدْ أَنَّهُ مُصابٌ بِعِطرِ الأُنثى
عِندَما طالَبتُ بِحُقوقيَ المَشروعَةْ
أَقفَلتَ في وجهيَ أَبوابَ
شَرايينِكْ
الرَّجُلُ العَرَبيُّ مُصابٌ
بِفُقدانِ المَناعَةْ..
لِذَلِكَ فَهو يَدخُلُ “الكوما”
عِندَما يَشُمُّ عِطرَ الأُنثى.
كُلُّ قوَّةِ الرَّجُلِ
تَتَبَخَّرُ في أَحضانِ امرَأَةْ.
يَقولُ الرَّجُلُ لِلمَرأَةِ:
أُحِبُّك..
فَقَط عِندَما يَتَسَلَّقُ فَمَها
ثُمَّ يَنسى ما قالَ في رِحلَةِ الهُبوط.
فِكرُهُ يَختَرعُ حُدودَه
ولا يَتَوقَّفُ عَن سياسَةِ التَّوسُّع.
لا يَسمَحُ الرَّجُلُ لِلمَرأَةِ
بِأَن تُقاسِمَهُ كَعكَةَ الحُريَّة
خَوفاً عَليها مِنَ التُّخمَة!!
هُناكَ رِجالٌ
يَعتَبِرونَ المَرأَةَ وردَة..
لا مَكانَ لَها إِلّا في عُروةِ المِعطَف.
الرَّجُلُ بِطَبعِهِ استِعماريٌّ
مُستَبِدّ..
وما لَم تَقُمِ المَرأَةُ بِثَورَةٍ
فَسَيَظَلُّ اللَّيلُ طَويلاً..
بِنَزعَتِهِ الإِقطاعيَّة
يَستَولي على مَحاصيلِ المَرأَةْ
ويَعرِضُها في المَزادِ العَلَنيّ..
المَرأَةُ هيَ بِضاعَةُ
الرَّجُلِ الوحيدَةْ..
لِذَلِكَ يَحتَكِرُ السّوقْ
ويُلغي مِن مُفَكِّرَةِ ذاكِرَتِهِ
كُلَّ النساءِ
ويُبقي أُمَّه.
جَسَدُ المَرأَةِ..
يَحمِلُ بوليصَةَ تَأمينٍ ضِدَّ الشَّيخوخَةْ..
أَمّا جَسَدُ الرَّجُلِ..
فَلا تَقبَلُ شَرِكاتُ التَّأمينِ..
التَّعامُلَ مَعَه.
الرَّجُلُ الحَضاريُّ..
هو الَّذي يَتَعامَلُ..
مَعَ جَسَدِ المَرأَةِ بِحَضارَة.
لَستُ مُصابَةً بِعُقدَةِ الرَّجُلْ
ولَكِنَّني مُشفِقَةٌ عَليه
مِن عُقدَةِ التَّسَلُّط.
أَيُّها الرَّجُلْ..
تَرَجَّلْ عَن صَهوةِ غُرورِك..
واجلِسْ..
لِنُقيمَ حِواراً بَعيداً عَن ضَجيجِ الجَسَد.
أَنتَ لا تَرى في
مِرآَةِ الكَونِ
إِلّا نَفسَكْ
فَلِذا خَسِرتَ العالَم.
صَعبٌ أَن تُعامِلَني
كَأَرضٍ لِلفِلاحَة
في عَصرِ الإِصلاحِ الزِّراعيّ
ومُحارَبَةِ الإِقطاع.
أَنانيٌّ أَنتَ حَتّى العَظم..
ونَرجِسيٌّ أَنتَ حَتّى العَظم..
وساديٌّ أَنتَ حَتّى العَظم
وكُلُّ امرَأَةٍ عَرَفَتكْ..
هَرَبَتْ قَبلَ أَنْ
تُصابُ بِالانهيارِ العَصَبيّ.
أَوصاني أَبي
أَلّا أَثِقَ في رَجُلٍ
يَرضَعُ مِن ثَديِ السُّلطَة.
أَوصَتني أُمّي..
أَلّا أَحتَرِمَ رَجُلاً
لا يُقيمُ وزناً لِعَقلِ امرَأَة..
أَوصَتني أُمّي..
أَلّا أُقيمَ عَلاقَة..
مَعَ رَجُلٍ يُغَيِّرُ جِلدَه.
3
هَلِ الحُبُّ كِذبَةٌ
يُفَبرِكُها الإِنسانُ..
ثُمَّ
يُصَدِّقُها!
الحُبُّ.. هو اليَومُ القَوميُّ
لِكُلِّ البَشَر..
مِنهُ تُعلَنُ التَّعبِئَةُ العامَّة
والأَولَويَّةُ لِلحُقوقِ العاطِفيَّة
لا أَقِفُ عِندَ ميناءِ عَينَيكَ
طَويلاً..
فَهُناكَ بِحارٌ كَثيرَةٌ..
تَنتَظِرُ سُفُنُي.
عِندَما تملَأُ المَكانَ..
فَراشاتُ موسيقى “كليدرمان”..
أَنامُ على كَتِفِ قَلبِك..
كَطِفلٍ مُتعَب.
كُلُّ الشِّعاراتِ الَّتي رَفَعتها
تَساقَطَت.. كَأَشجارِ الخَريف..
إِلّا شِعارَ الحُبّ.
الحُبُّ وِلادَةٌ لا تَتَكَرَّر..
وجَعُ المَخاضِ فيها..
أَشَدُّ إيلاماً..
مِن تَشَقُّقِ البُرعُم..
ومِن وجَعِ جُرحِ المحارَة.
خَرَجَ القَمَرُ عارياً
مِن وراءِ جَبَلِ الثَّلج..
لِمُلاقاةِ نَجمَةْ..
تَدَثَّرتْ بِشالِ غَيمَةْ
في قَريَةٍ يولَدُ فيها الحُبُّ..
كُلَّ لَيلَةْ.
أَيّامُنا كالغاباتِ الاستِوائيَّة..
تُجَدِّدُ أَوراقَها..
وتُغَيِّرُ أَزهارَها..
ويَبقى حُبُّنا عُنواناً دائِماً
لِلعُشّاق..
تَعالَ نَعزِفْ سيمفونيَّةَ
عِشقِنا..
على خاصِرَةِ الجِبالِ والوِديان..
ومِن نَزيفِها..
نَجمَعُ ثِمارَ الأَلحان.
لَو لَم أَكُنْ أُحِبُّك..
لَما حَدَثَ هَذا الضَّجيجُ..
في دَمي.
لَو لَم تَكُنْ فَوضَويّاً..
لَما أَحدَثتَ هَذِهِ الزَّوابعَ..
في قَلبي.
لَو لَم أَكُن أُحِبُّك..
لَما حَدَثَ هَذا الضَّجيجُ
في رَأسي.
لأنَّني أُحِبُّك
فَأنا أمشي وحيدَةً
على ضِفافِ جُرحي
وأَنامُ على ذِراعِ..
دُموعي.
لأنَّني أُحِبُّك..
فَإنَّ الليلَ يَتَمَدَّدُ في عُيونِ النَّهار..
والشَّمسَ تَصنَعُ لي..
قَهوتي الصَّباحيَّة.
لأنَّني أُحِبُّك..
فَإنَّهُم يُعَلِّقونَ ليَ المَشانِقَ..
على مَداخِلِ المَدينَة.
لأنَّكَ رَجُلٌ مُتَفَرِّد..
واستِثنائيّ..
فَإنَّهُم يُطلِقونَ..
رَصاصَ الكَلِماتِ..
عَلَيك.
لَن أُحاكِمَكَ لأنَّكَ أَخَذتَ
شَظايايَ وبَنَيتَ بِها وطَناً..
فَيَكفي العُشّاقَ أَن تَكونَ
أَحزانُهُم مُدُناً لِلعَصافير.
تَسقُطُ كالصّاعِقَةْ..
وعِندَما تَرحَلُ..
أَكونُ..
قَد تَحَوَّلتُ إِلى ذَرّاتِ رَماد.
أَقسَمتُ أَن أَظَلَّ.. أُحِبُّك..
حَتّى يَجِفَّ الماءْ..
وتَنطَبِقَ الأَرضُ على السَّماءْ.
أَركَبُ النُّجومَ لِلوُصولِ إِلَيكْ
فَكُن فَجراً في أَهدابيَ المُرتَجِفَة
ولا تَهجُر حَنجَرَتي..
إنَّني كالسَّمَكَةِ الَّتي عَشِقَتْ
عُصفوراً
إِنْ جاءَها غَرِق..
وإِنْ ذَهَبَتْ إِلَيهِ..
ماتَتْ.
يا مَن يُحَوِّلُني في ثَوانٍ..
إِلى قَصيدَةِ شِعر..
وقارورَةِ عِطر..
يا الَّذي اكتَشَفَ أُنوثَتي..
واختَرَعَني..
قَبلَ أَن يَختَرعَ الإِنسانُ
الصَّيدَ والنّارَ والحُبّ..
بَعدَ أَنِ انتَهى زَمَنُ المُعجِزاتْ..
أَنتَ مُعجِزَتي.
كُلُّ الرِّجالِ يَبدونَ لي
سَراباً في سَرابْ..
إِلّا رَجُلاً واحِداً..
هو الدُّنيا..
في الذَّهابِ.. والإيابْ.
يا وجَعَ الأَلَمِ حَتّى العَظمْ..
هَل تُمهِلُني وقتاً..
لأَستَرِدَّ فيهِ اسمي..
وشَهادَةَ ميلادي..
ولَونَ عَينَيّ.
أَيُّها المُتَغَلغِلُ في جَسَدي..
كَوجَعِ المَخاضْ..
ما أحلى وِلادَتَك!!
خَبَّأَ البَحرُ أَلوانَهُ..
في عَينيكْ..
واستَقالَ
كَي تَمنَحَ النّاسَ..
غُموضَك.
أَكتُبُكَ ضَوءاً على جَسَدِ السَّهَر..
بِلُغَةٍ لا يَعرِفُها سِواي.
وأَمشي ظِلّاً لأحزانِكْ
كَي أَكتُبَكَ سِرّاً على غَيمَة..
وأُعطيَها أَبجَديَّةَ المَطَر.
أَكتُبُكَ مَوجاً..
في مَرافِئِ العُمر..
وتَكتُبُني دَمعاً..
في عُيونِ الضَّجَر.
أَيُّها المُبحِرُ في أَيّامي
عُدْ.. عُدْ..
بِسُرعَةْ
فَإنَّ العالَمَ مِن دونِكَ لا يُسكَن
ونَحنُ مِن دونِكَ كَلامٌ غَيرُ مَقروء..
ماذا لَو..
سَهِرتَ مَعي في غُرفَةٍ صَغيرَة
في أَعلى جَبَل.
عِشقٌ وقَهوة
وكَثيرٌ مِن كَلام
ماذا لَو دَلَّلتَني..
كَسَّرتَني.. لَملمتَني..
داخِلَ صَدرِك.
وسَمَّيتَني السُّلطانَة.
ماذا لَو..
تَرَكتَني أَلعَبُ..
كالسِّنجابِ..
في البَرّيَّة.
ماذا لَو..
حَبستَني أَعواماً..
داخِلَ قَبضَتِكَ القَويَّة..
كَمحارَةٍ تُمضي ليلَها..
هَنيَّة.
ماذا لَو..
خَبَّأتَني في خُلجانِ يَدَيكْ..
ولَن أَطلُبَ الحُريَّة.
كانَ اللَّيلُ رَغيفاً مُحتَرِقاً
والقَمَرُ النّائِمُ على كَتِفِ غَيمَةْ..
يَتَوسَّلُ إِلَيهِ أَن يَرحَلَ..
ليَنامَ في حضنِ الفَجر.
أَتَهَجّى الطَّريقَ لِلوُصولِ إِلَيكْ
والشَّمسُ مُطفَأَةْ..
والأُفقُ ظَلامْ..
ماذا أَفعَلُ لِشَوقٍ
على الجُرحِ يَنامْ؟
والمَواعيدُ تَفتَحُ جُرحَ الرّيح..
لِتَبلُغَ عَينيك.
أَنتَظِرُ مِن غَيمِ سُؤالِكَ..
مَطَرا..
يَقولُ لي كَيفَ يرسُمُ
على ثَغرِكَ الزَّهرا..
شُكراً لَكَ فأنتَ أَوَّلُ الحاضِرين..
صَباحاً..
في مَرايا عَينَيّ.
أَينَما سَرَتْ يَسري اللَّيلُ وراءَها..
ويَتَعَرّى وجَعي مِنها..
كَي أَنام.
الوجَعُ يَلتَهِمُ الوجَع..
وعَيناكَ تَلتَهِمانِ
ما تَبَقّى مِنّي..
ووجهُكَ يُشْرِقُ
بغابَةٍ مِن ضَوءِ ابتِسامَتِك
أَنقِذْني..
أَنقِذْني.
القَهوةُ لَها نَكهَةُ جَسَدِك..
أَذوقُها بِأَنفي.
وأُلَملِمُ العَسَلَ مِن ذاكِرَتي..
لأُحَلّيَ بهِ قَهوةَ أَيّامي.
يا سَيِّدي..
اعْتَرِفْ بِحُبِّكَ لِهَذِهِ الغَيمَةِ الماطِرَة..
حَتّى تَخضَرَّ أَيّامي.
اقْطُفْ مِن حَديقَةِ الفِكرِ..
وردَةً في رَبيعِ العُمر.
واترُكْ لي شَيخوخَةَ القَلب.
يا سَيِّدَ الضَّوء..
إنَّني اختَرتُ هَذا المَكانْ..
ولصَوتِكَ شَكلُ الشَّفتَينْ..
في غابةِ الذّاكِرَة..
يا سَيِّدَ الأَمكِنَةْ..
ذابِلٌ صَباحُ هَذا الرَّبيعِ
على بُحيرَةِ الليمان[2]
والرّوحُ تتبعُكَ أَينَما سِرْت
وأَنتَ تَجمَعُ ما تَبَقَّى مِن صَبري..
أَقرَأُ في عَينيكَ..
كِتابَ الظَّلامْ..
بَعدَ أَن هاجَرتَ..
ماتَ الكَلامْ.
يَحيا الغيابُ..
ويُصبِحُ الغيابُ..
غيابَك.
خُذْ مِنَ البَيتِ عِطرَك
ورائِحَةَ سَجائِرِك..
يَومي لَيلٌ أُضيئُهُ بِالخَوفْ
فَفي الغياب..
أُبعَثُ..
حَيثُ مَكانُك.
أين أَنت أَيُّها الرَّجُلُ
الَّذي لا أَلتَقي بهِ..
إِلّا تحتَ أَشجارِ البُنّ..
ولا أَرى وجهَهُ..
إِلّا في نُقوشِ الفَناجين.
الولَهُ يَسكُنُك..
عِندَما لا تَكونُ قادِراً..
على السَّكَنِ بينَ ذِراعَيَّ
في مَدينَةِ حُبّي..
أَنتَ تحتَ الإِقامَةِ الجَبريَّة..
أَينَما هَرَبْت..
فَسَتَمنَعُكَ أَسوارُ قَلبي.
أَيا دَفتَرَ الحُزن..
عَيناهُ تِيهْ..
ووجهُهُ يَسرِقُ البوصَلةْ..
يا غَيمَةَ الفَرَحِ الطويلِ..
وأمطارَ الرّبيعِ المُقبِلَةْ..
انثُري عَلَيَّ الحنينَ
والحنانَ والأَسئِلَةْ..
واكتُبيني قصيدةً.. وسُنبُلَةْ.
رَأَيتُ طَيفَكَ بِثيابٍ بَيضاء..
يَتَجَوَّلُ..
في زَوايا الرّوح.
كَقَبيلَةٍ مِنَ العُشّاقْ
هَوسي..
يَجُرُّني إِلى دَربِ الجُنونْ..
مَن قالَ إنَّ الغارِقَ في بَحرِ الولَهِ لا يَختَنِق؟
عِندما أَسيرُ في الضَّوءِ..
يَتبَعُني ظِلّي..
وعِندما أَسيرُ في الظَّلامِ..
أَتبَعُ نورَ عَينيك.
في مَقهىً صَغير..
يَتَمَرجَـحُ على كَتِفِ جَبَل..
مُكَلَّلٍ بِالثَّلج..
جَلَستُ وحيدَةً..
إِلّا مِنك.
طَلَبتُ فِنجانَ قَهوتي
الَّتي تَعَوَّدتُ أَنْ أَشرَبَها مَعَكْ
وطَلَبتُ وجهَك..
لَكِنَّ الجَرسونَ لَم يُحضِركَ لي..
أَصابِعي العَشرَةُ تَبحَثُ عَنكْ..
وتَرفُضُ أَن تَحمِلَ إِلى فَمي الفِنجانَ بغيابِك!!
كَصَباحٍ مُشرِقْ..
تَتَمَرّى في فِنجانِ قَهوتي..
فَلا أَعرِفُ..
إِن كُنتُ شَرِبتُكَ..
أَنتَ!!
أَم شَرِبتُ قَهوتي.
اترُكْ مِظَلَّةَ حَنانِكَ
مَفتوحَةً فَوقَ رَأسي
كَي تَحميَني..
مِن أَمطارِ الحُزنِ..
الآتيَة.
لَكَ كُلُّ شَواطِئِ أَيّامي..
يا سَيِّدَ المُحيطات..
انتَشِلْني..
فما زالَ شَجَري مُكتَظّاً بِالثَّمَر..
وبَحّارَتي مُستَعِدّينَ لِلإِبحارِ مَعَك..
إِلى أَيِّ مَكان..
ولأيِّ زَمان..
وأَنباءُ الأَرصادِ مُطَمْئِنَةْ..
وبَعدَ كُلِّ سَنَواتِ الانتِظار..
تَرَكتَ على مرفَئي..
مِلحَ البَحرِ..
وسُفُناً مُحَطَّمَة.
أَرهَقَني الانتِظار..
فَلِماذا لا أَكونُ رياحاً..
تُسافِرُ حَولَ مَراكِبِك!!
أَرهَقَني الصَّبر..
فَلِماذا لا أُجَرِّبُ رُكوبَ الغُيومِ..
إِلى آخَرِ مَداراتِك!!
أَرهَقَتني الصَّحراءُ..
فَلِماذا لا أُجَرِّبُ
نَصبَ خَيمتي..
في راحَةِ كَفَّيك!!
ابتِسامَتُكَ تُزهِرُ..
في بُستانِ يَومي..
كُلَّ يَومٍ بِثَوبٍ جَديد.
البَحرُ قَدَماي..
كَيفَ أَستَطيعُ..
الوُصولَ إِلَيك..
مِن دونِ أَن أَغرَق
ومِن دونِ أَن تَعرِفَ بِوُجودي
أَسماكُ القِرش؟
بَعدَ رَحيلِك..
أَرضُنا قاحِلَة..
لا غَيمَ.. لا مَطَر..
لا عُشبَ يَنبُتُ على جَسَدي
ولا يُشرِقُ في عَينَيَّ قَمَر..
مَتعَبَةٌ أَنا..
دَعني أَتَكَوَّمْ على شاطِئِ صَدرِك..
كَقِطَّةٍ يَومَ وِلادَتِها..
أَصعَدُ إلى أَعلى نُقطَة..
في سُلَّم الفَرَح..
حَتّى ألتقيَ بك.
أَتَغَرغَرُ باسمِك..
فَتَنمو آلافُ الحَشائِش..
على شَواطِئِ فَمي.
أَيُّها الرَّجُلُ الَّذي يَسكُنُ..
كُلَّ المُدُن..
ويَسكُنُني..
دُلَّني على طَريقَةٍ
لا أشمُّ فيها رائحتَك..
دُلَّني على طَريقَةٍ..
أَتَحَرَّرُ فيها مِن أَشيائِكَ الصَّغيرَة.
4
حاولتُ أَن أَصرُخَ..
في وجهِ البَشاعَةِ..
كَي يَصيرَ ماءُ البَحرِ.. حُلواً
وتُصبِحَ
مُدُنُ المِلحِ.. جَمراً.
مَتى يَغيبُ..
ظَلامُ الظُّلم؟
ومَتى تُشرِقُ..
ابتِسامَةُ الحَقيقَة؟
مَتى يَبدَأُ
نَهارُ العَرَب؟
ومَتى يَنتَهي
لَيلُ الظّالِمين؟
الحُريَّةُ..
لا تُستَبدَل..
ولا تُقَلَّد.
نَحنُ شُعوبٌ..
مِن قَبيلَةِ الأَرانِبْ..
آهِ لَو تَحَرَّرنا..
يَوماً..
لَأرَينا..
العالَمَ العَجائِبْ.
الحُريَّةُ عِطري الخُصوصي..
وخَلخالٌ مِن ذَهَب..
أَنامُ على موسيقاه.
كُلَّما رَأَيتُ عُصفوراً
يُغَنّي..
أَلمَحُ وُجوهَ أَصدِقائي..
الَّذينَ غابوا مَعَ الشَّمس.
ذِكرَياتٌ كَثيرَة..
تَستَلقي على ظَهرِها..
فَتُحدِثُ الضَّوضاءْ
وتَخدِشُ صَمتَ المَرايا..
أَسيرُ خَلفَ صَوتِكَ بِبُطء..
أَقيسُ المَسافَةَ بَينَ وجهي..
وانعِكاسِ الضَّوء..
ها أَنتَ..
في السَّماءِ البَعيدَة.
يا قَلبي..
أَيُّها المُتَمَدِّدُ..
كالمَيِّتِ فَوقَ الخَشَبْ
طَرَّزتُ نَخلَكَ بيَدي..
وبَكَتْكَ..
عُذوقُ الرُّطَبْ
لا تَسأَلْ أَينَ أَنا؟
فالقَلَقُ هو مَكانُ إِقامَتي الدّائِمَة
إنَّني تائِهَةٌ في عالَمٍ مَجنون..
مُعَلَّقَةٌ في جُفونِ السَّحابِ الهارِب..
وفي أَذيالِ المَطَرِ الحَزين..
تُفَسِّرُني لُغَةُ البَرقِ والصَّواعِق.
تائِهَةٌ أَنا في أَرضِ الخَراب..
أَتَخَطّى عالَماً أَحرَقَهُ الحَسَد..
وأَفرِشُ سَجّادَةَ الشِّعرِ..
لأنام.
أَمشي على جِسرِ الدَّمعِ..
لأصِلَ إِلى ضِفافِ الوجَع.
أَنا لا أُحاكِمُ الأَيّام..
فالتّاريخُ يَسقُطُ في يَدي..
كَما تَسقُطُ الثِّمار.
صَدِئَتْ حَنجَرَتي
صَدِئَ الدَّمعُ في مُقلَتي
أَصرُخُ في ديارِ اللَّيلِ
والقَلَق
والطَّريقُ مُحاصَرٌ بِالجُنون
إِذا وجهُ البَيتِ تَخَربَش
فَغَداً تَرسُمُ وجهاً آخَرَ سِواه
ولَكِن إِذا ما القَلبُ
تَخَربَش
فَمِن أَينَ تَأتي بِقَلبٍ سِواه؟؟
مُسافِرَةٌ في مُدُنِ الإِسمِنتِ..
والغُبار..
لا شَمسَ.. لا قَمَر
ولا أَنت.
وجَعي كالبحر..
يُكَرِّرُ البَحرُ أَمواجَه..
مَوجَةً..
تَتبَعُها مَوجَة.
تَعَلَّمتُ مِنَ الحُزنِ
آدابَ البُكاء..
لَكِنَّهُ يُريدُ أَن يَنتَقِلَ
إِلى الدَّرسِ الثّاني
ليُعَلِّمَني آدابَ المَوت!!
يَمتَصُّني الولَهُ..
كَثَديِ أُمٍّ..
في فَم طِفلٍ جائِعٍ.
وأَنتَظِرُكَ كَطِفلٍ في ظَلامِ الرَّحِم..
يَنتَظِرُ النّور
نامَ الشَّوقُ على وِسادَتي..
بِانتِظارِ أَن تَحضُر.
تَأَخَّرتَ كَثيراً..
فَجاءَ الحُلُمُ بَديلاً عَنك.
بَكَيتُ..
لا لأبكي..
ولَكِن لأغسِلَ آثارَكَ..
مِن عَينَيّ.
أَشتاقُ شَوقي إِلَيك..
فَأُصبِحُ فَلّاحاً..
في بَساتينِ اللَّيلِ والنَّهار.
أَحصُدُ مِن أَيّامي مَعَك..
ذِكرى تُطفِئُ الشَّوق.
أَقطُرُ وجَعي..
وأَشرَبُ المُستَحيلْ.
ليَ القَمَرُ بَيتٌ..
واللَّيلُ طَويلٌ..
طَويلْ.
يَتَثاءَبُ الشَّوقُ تَحتَ جُفونِ
الكَلامْ.
هَلّا جَعَلتَ حُبَّكَ..
مِسكَ الخِتامْ؟
في نَفسي..
نُدوبُ حَزَنْ
وفي قَلبي رائِحَةُ
عَفَنْ!
طَويلاً أَمطَرَتْ سَمائي..
وبَلَّلَتني بِمَسٍّ مِن جُنون..
ابتِسامَتي بَقايا حَريق..
أَخطَأَ القِنديل..
وضَيَّعَ الطَّريق.
تيهٌ هيَ هذهِ الحَياة
بَينَ موتٍ ومَوت..
آتٍ مِن رُكامِ المُدُن..
كَيفَ أَلقاكَ في هَذا الحُطامْ
والقَلبُ يَلبَسُ نارَ الكَلامْ؟
أَيُّها الرَّجُلُ الَّذي يَخرُجُ..
مِن تَشَقُّقاتِ فِكري..
مِثلَ شَجَرَةِ بُرتُقال.
أَصبَحتُ أَخافُ الخُروجَ
وحدي..
حَتّى لا أَتَعَلَّقَ على..
حِبالِ دُموعي.
أَيّامي بَعدَكَ لا تَزدَهِر..
وتاريخي بَعدَكَ..
لا تاريخ..
وعُمري..
بِلا لَونٍ أَو طَعمٍ أَو رائِحَة..
قَلِّلْ ظُهورَكَ على شاشَةِ..
ذاكِرَتي.
لِلذّاكِرَةِ أَظافِر..
تُخَربِشُ القَلبْ.
بَكَيتُ مِنَ الشَّوق..
فابتَسَمَتِ السَّماء.
مِثلَ نَسمَةٍ مَكسورَةِ الخاطِر
أَبحَثُ عَنكْ
مَتى يَهطِلُ وجهُكَ
لأنتَصِرَ بهِ على الظَّلامْ..
وأَكتَشِفَ أَسرارَ الوُجود؟
ما زِلتُ أَقِفُ في سَهرَةِ الحُزن..
أَنتَظِرُك.
والمُحتَفِلونَ بِخَوفي يُطَوِّقونَني..
ويَقودونَ سَفينَتي إِلى المَجهول!!
البـَرقُ يَلمَـعُ في عُيونِ الشِّتاء..
طارَ النُّعاس..
والدُّروبُ أَضيَقُ مِن عَرَباتِ حُزني.
الأَيّامُ حُبلى بِالسُّكون..
يَلُفُّ بَطنَ السّاعاتِ وجَع
لا يَسمَحُ لِلدَّمعَةِ بأَنْ تَسرَح.
ضاقَتِ العَينُ بِالدُّموع..
تَراتيلُ الخَوفِ تَضِجُّ..
في كِتابِ العُمر..
لا قادِمٌ ببشارَةٍ..
يُشَتِّتُ الضَّجَر..
ويمسَحُ جُرحَ الحَنجَرَة..
لا قادِمٌ ببشارَةٍ
لا قادِمٌ ببشارَةٍ!
أُريدُ أَن أختَرعَ زَمَناً..
لا كَأَيّامي المُتَشابِهَةِ كَأَسنانِ المِشط..
فَأَنا أَكرَهُ الأَيّامَ..
الَّتي لا لَونَ لَها..
الَّتي لا تَكبُر..
ولا تَموت.
أُريدُ أَيّاماً..
لا تُشبِهُ الأَيّام.
غاضِبَةً كَأَمواجِ البَحر..
عاليَةً كَصَواري المَراكِبْ
فيها شَيءٌ مِن إيقاعِ المَطَرْ
فيها شَيءٌ مِن ضَوءِ القَمَرْ
فيها شَيءٌ مِن حُزنِ عَينَي حَبيبي..
وفيها شَيءٌ مِن وجَعِ الوِلادَة
أُريدُ أَن أَبنيَ لَكَ بِالكَلِماتِ
مَملَكَةً بِلا حُدود..
لَم يَعرِفِ التّاريخُ مِثلَها.
تدخلُ عَلَيَّ الشَّمسُ إِن دَخَلْت..
ويَرحَلُ الرَّبيعُ إِن رَحَلْت.
أُريدُ أَن أُسافِرَ بَعيداً
إِلى حُدودِ المُستَحيلْ
لأختَرعَ لَكَ لُغَةً
بِلَونِ قَوسِ قُزَح
تَستَوعِبُ ولَهي
وتُعَبِّرُ لَكَ عَن شَوقي
أُريدُ أَن أَستَقيلَ مِن مَملَكَةِ التُّراب..
وأَغطِسَ في البَحر..
وأَطيرَ في السَّماء..
لأبنيَ لَكَ عَرشاً..
مِن ريشِ العَصافير..
ولُؤلُؤِ المحار.
أُريدُ أَن أَكتُبَ كَلاماً..
يُشبِهُ الأَحلامْ..
أُريدُ أَن أَرفُضَ القاموس..
وأَختَرعَ لُغَةً لا تُشبِهُ..
الكَلامْ.
أُريدُ أَن أَستَقيلَ مِن أَمسي
أَن أَستَقيلَ مِن يَومي
وأُفَصِّلَ لِغَدي ثَوباً
لَم تَلبَسْهُ غَيري مِنَ النِّساءْ
لألقاكَ في حضْنِ السَّماءْ.
أُريدُ أَن أَكتُبَ القَرار..
وأشَكِّلَ العالَمَ بِالكَلِمات..
كَما يَلعَبُ الطِّفلُ بِرَملِ البِحار..
لِتَكونَ المَرأَةُ سَيِّدَةَ الأَقمار.
5
أَكتُبُ على جِراحِ اللُّغَةِ..
بِحِبرِ اللّيلِ السّاهِرِ مَعَ العُشّاقِ
بَيتُكَ على ضِفافِ العَقل..
وبَيتي بَساتينُ الشِّعر..
تائِهَةٌ روحي..
بَينَ حِكمَتِكَ.. وجُنوني..
وتَتَمَزَّقُ في مَرايا..
عَينيَّ الصّور..
كَلِمَةٌ فَوقَ ماءِ الكَلامِ
طافيةْ
ذَهَبٌ يَدنو..
وقَدَمٌ حافيَةْ
في نَهارٍ مُشرِقٍ..
كَوجهِ حَبيبي..
يَجيءُ الشِّعرُ ويَذهَب..
كأنّما رَكِبَ جَوادَ الجُنون.
يا أَنت..
أَيُّها الغائِبُ..
الحاضِرُ فينا.
أَضرَبَتْ عَصافيرُ حَديقَتِنا..
عَنِ الكَلام..
ولَبِسَتِ الأَشجارُ ثيابَ..
الحِداد..
وقَرَّرَ الفَرَحُ أَن يَخرُجَ..
مِنَ البابِ الخَلفيّ..
ويَترُكَنا كالأَيتام..
نَبحَثُ عَنكْ
خَرَجَتْ مِنَ البَيتِ مُسرِعَة..
هارِبَةً مِنَ المَوت..
مَكانُ مَوعِدِهِ مَعَها..
في أَوَّلِ الشّارِع.
لا أَفهَمُ اللُّغَةَ الَّتي تُحَدِّثُني
بِها وأَنتَ ثائِر..
لَكِنْ عِندَما تَصمُت..
أَقرَؤُكَ..
بِكُلِّ اللُّغات.
صَمتُ عَينيكَ..
قاتِلٌ وقَتيل..
والقَمَرُ يَرسُمُ دَربَ
الشَّمسِ في رِحلَةِ
الغُروب.
وخُطاكَ تَمزُجُ دَمعَتَها..
بِجُدرانِ الزَّمَن..
أَطيرُ مِن فَزَعِ مَخالِبِكَ..
كالحُبارى..
أَنا الرَّحيلْ..
ونَسَماتُ الرَّبيعِ مَكاني
والمَوتُ لا يُجارى.
في الثَّرثَرةِ لا أَسمَعُ شَيئاً..
وأَسمَعُ في الصَّمتِ كُلَّ الكَلِمات..
لا أُحِبُّ الرَّجُلَ الثَّرثار..
فَعِندَما تَكونُ صامِتاً..
لا أَحتاجُ إِلى مُتَرجِم!
الصَّمتُ هو الرّادارُ
الَّذي أَقيسُ بهِ..
مَدى شَوقِك.
الدُّموعُ..
هيَ لُغَةُ الوجَعِ..
ولا جامِعَةٌ..
تَمنَحُ شَهادَةً لِلمُتَمَيِّزينَ بهذهِ اللُّغَة.
المَنفى في عَينَيهِ..
عَلَّمَني الكَلام.
الصَّمتُ..
هو اللُّغَةُ الوحيدَة
المُتَعارَفُ عَلَيها دوليّاً
قُلْ لي:
مَن أَنت؟
يا رَجُلاً يَلبَسُ لُغَتي..
ويُحاصِرُني بَينَ الحُروف
ويُعَلِّقُني بَينَ الكَلامِ والصَّمت.
مِن أَينَ أَتَيت؟
أَغَيمَةُ صَيفٍ أَنت!
أَم زَوبَعَةُ غُبار!
كَيفَ أُتَرجِمُك؟
يا لُغَةً..
سَرَقَت مِنّي اللُّغات.
لا تَشعُرُ بِحَلاوةِ الأَيّام..
إِلّا بَعدَ رَحيلِها..
وإِن تَمَرْجَحت..
بَينَ الضَّوءِ والضَّوء
تَسطُعُ الشَّمسُ..
وتَقرَعُ أَجراسَها..
حُزناً على الأَرض.
فَيَلُفُّ الغُبارُ..
أَبراجَ المَدينَة.
الفِراقُ يَدُقُّ أَوتادَ خَيمَتِهِ..
وأَنا عاريَةٌ إِلّا مِن غِلالَةِ..
الشَّوق.
سَأَبقى وحيدَةً في مواجَهَةِ..
جَيشِ المَلَلِ والفَراغ..
والمَوتِ والسُّكوت.
أَعشَقُ ذَلِكَ الجَبَلَ..
الَّذي يُلَملِمُ أَيّامَنا..
كَم صَرَخنا في واديهِ
وكَم عَلَّقنا على خاصِرَتِهِ رُؤانا!!
وكَم مِنَ الأَسرارِ في جَعبَتِهِ
وكَم سُؤالٍ عَن حالِنا
أَعشَقُ ذَلِكَ الجَبَلَ الصّامِتَ
الَّذي يَتَفَجَّرُ صُراخاً.
الثَّلجُ يَكتُبُ..
تاريخَ الجَبَل.
يَتَبَخَّرُ الزَّمَن..
والدَّمعَةُ..
سَيِّدَةُ اللَّحظَة.
قَدَمُ القَمَرِ..
تُلامِسُ شَجَرَ البُرتُقال
فَتَغارُ الزُّهور
ويَبدَأُ هَسيسُها..
ويُشرِقُ الشُّعاعُ مِن عُنُقِ صَخرَةٍ
تَتَمَرّى في وجهِ البُحَيرَة.
يَنحَني الهِلالُ..
في ظِلِّ الأَغصان..
وشَجَرَةُ لَيمونٍ تَحضُنُني..
بَينَما الغُيومُ تُطارِدُ الضَّوءَ..
وتُطارِدُني..
يا حَبيبي..
يا أَيُّها القَمَرُ القَريب
هَل في هَذا العالَمِ مَن يُجيب؟
يا أَوَّلَ الكَلام..
ويا آَخِرَ الكَلام..
أَنتَ في حَياتي..
النّورُ والظَّلام
والآخَرونَ
زَبَدٌ يَعبُرُ بَينَ الحُطام
يا أَوَّلَ العذابْ..
ويا آَخِرَ العذابْ..
دَربٌ كالهَواءِ..
ودَربٌ كالشِّتاءِ..
ووحشَةُ النَّجوى..
واشتياقُ الروح..
ولَهفَةُ الغيابْ..
ودَربُ الشَّقاءِ..
في أَرضِكَ اليَبابْ.
الوحدَةُ سَقفُ السِّجنِ..
وغُرفَتي مُعَلَّقَةٌ..
بَينَ السَّماءِ والأَرض..
قَلبي بِلا جِدارٍ..
والفَجرُ سَهمٌ
يَختَرِقُ روحَ اللَّيلْ
فَتُطِلُّ يا أَميري
مِن شُقوقِ ثَوبِ اللَّيل
لا أُصَدِّقُ..
أَنَّني أَراك..
أَمشي بَينَ النّورِ والظَّلام..
أُعانِقُ الشَّبَحَ..
ثُمَّ أَرتَمي.
تَتَّكِئُ النُّجومُ..
على صَدرِ قَمَرٍ..
يَحرُسُها..
في انتِظارِ الفَجر.
خُذْ قَلبي قَمَراً..
تَتَّكِئُ عَلَيهِ حَتّى
انبِلاجِ فَجرِك.
تَناثَرْ تَحتَ جِلدي..
كَحَقلِ قَمحْ..
فَمِساحَةُ قَلبي..
أَصغَرُ مِن بَراري أَحزاني..
والبَوحُ بَينَنا قاسِمٌ مُشتَرَك..
وأَنتَ بَعيد..
كان بَعضي يَترُكُ بَعضي.
والفَراغُ يَلُفُّ البَيت
واللَّيلُ مُتَّشِحٌ بِالمَطَر..
والرّيحُ تَفتَحُ..
أَشرِعَةَ السَّفَر.
مَتى أَقرَأُ أَوراقَ وقتِك..
يا أَميريَ السّاكِنُ..
في مُدُنِ الانتِظار..
مَطَرٌ.. مَطَر.
يَعزِفُ على حُزنِ النَّخيل..
صَعبٌ على أَوراقِ الوقتِ
أَن تَملَأه
أَصابِعي شَمعٌ..
ولُغَتَي خَزَف..
والنَّهارُ أَطفَأَ شَمسَهُ..
ليَدخُلَ كالخنجَرِ في قَلبِ اللَّيل..
أَنظُرُ إِلَيهِ فَلا يَراني..
أُضيءُ فَلا يَراني..
ذابَ الشَّمع..
وتَكَسَّرَتِ اللُّغَة.
تَتَطايَرُ أَوراقُ..
الوقتْ.
وأَنا أَسيرُ وحيدَةً..
إِلّا مِن أَفكاري
غيابُكَ أَورَثَني الصَّمتْ..
أَعِد لي تَوازُنَ روحي.
حُزني..
عُمرٌ مِنَ البُكاء
يَمتَدُّ بَينَ الأَرضِ والسَّماءْ
ويَحمِلُ الصَّلاةَ..
والدُّعاءْ..
واليَأسُ..
يَركَبُ صَهوةَ القَلبْ..
أَما آَنَ لِهَذا السّاديِّ
أَن يَتَرَجَّل!
قامَةُ الأَشجارِ..
مَكسورَةُ الظِّلِّ..
تَنتَظِرُ الشَّمسَ الكَسولَ
وهيَ تَخلَعُ فُستانَها
الورديَّ
بَعدَ نَومٍ طَويلٍ
في أَحضانِ اللَّيلْ
ويَدُ الأَرضِ..
تَبحَثُ عَن بُستانِ
ورد.
الغَيمَةُ تُلَملِمُ..
ماءَ السَّماءْ..
والأَرضُ تَحني..
رَأسَها لِلمَطَر..
6
مَهما هاجَرَتِ العَصافيرُ..
فَلا بُدَّ أَن تَحُطَّ..
على شَجَرَةِ الأُمومَة
تَحرُثُ الأمُّ الأَرضَ..
وتَزرَعُها..
كَي تَجمَعَ المَحاصيلَ..
امرَأَةٌ أخرى.
الأُمُّ حَرائِقُ..
دائِمَة.
والأَبُ..
جَمرٌ تَحتَ الرَّماد
الغَيمَةُ الكَبيرَةُ..
في عَينَي ابنَتي..
دَمعَةٌ تَرَكَتِ الرّوح..
ولَم تَصِلْ إِلى مَرفَأِ..
الوجَع..
مُحاولَةٌ مُستَحيلَةٌ..
لِلوُصولِ إِلى ميناءِ الضَّوء..
مُحاولَةٌ لِدَفنِ حُزنِها..
في نورِ أُمومَتي.
كَم بَريءٌ..
هَذا الطِّفل..
لا يَثِقُ إِلّا بِثَديِ
أُمِّهِ..
مَدَّت ليَ ابتسامَتُكَ..
يَدَها..
بَينَما غَيمَةٌ تُداعِبُ
وجهَ الشَّمسِ..
مِثلَ أُمٍّ تَحنو على طِفلِها..
فَأَيقَظَتْ في قَلبيَ اللَّحظَة.
عِندَما حَمَلتُكَ في بَطني..
أَعواماً..
وفي فِكري سِنينَ..
ظَنَنتُ أَنَّكَ سَتَذهَبُ بي..
إِلى الجَنَّة..
لَكِنَّكَ أَدخَلتَني النّار.
يُمَزِّقُني الشَّوقُ..
ويَرميني في وجَعٍ..
أَوسَعَ مِن باديَة..
وفي عَينيكَ أَرى أَبي..
مَرَّةً ثانيَةْ.
إِذا كُنتَ تَعرِفُ..
امرَأَةً تُحِبُّكَ..
أَكثَرَ مِنّي
فَدُلَّني عَلَيها
لِأُقَدِّمَ لَها شَهادَةَ التَفَوُّقِ
وأَنتَحِر.
اللَّيلُ ورَقي..
والمُنى أَقلامي..
غَريبَةٌ كالأَرضِ..
أَنا..
هارِبَةٌ بِنورِ أَحلامي.
أُلَملِمُ أَخطائي..
لا لِأُحاسِبَ نَفسي عَلَيها..
بَل لأنثُرَها في السَّماءِ..
فَتَضُيءُ طَريقي..
كَطِفلٍ أَضاعَ الطَّريق..
أُفَتِّشُ في ذاكِرَةِ الوقتِ..
عَن لِصٍّ..
سَرَقَ مِظَلَّتي..
ورَحَل.
أَتَفَقَّدُ الثَّلجَ الأَبيَضَ..
في شَعري..
وأشعِلُ ضَوءَ المَصابيح..
وأَفتَحُ نَوافِذَ العُمرِ..
لِتُضيء.
لكِنَّها تَهرُبُ إِلى الظَّلامِ..
مِثلَ جُرحٍ نازِفٍ..
يَبحَثُ عَن طَبيب.
كُلَّما وُلِدَ الهِلالُ..
في قَلبِ السَّماءِ..
أَيقَنتُ أَنَّني سَأَكبُرُ شَهراً
وأَرتَمي في حُضنِ قَلبِكَ دَهراً
أَيُّها الطِّفلُ الّذي كُنتَ..
أَنا.
تَقَدَّمْ..
وجهٌ غَريبٌ أَنت.
وبَيني وبَينَكَ..
جِبالٌ وسُهول..
وأَرضٌ تَنزعُ الفُصول..
أَيُّها الطِّفلُ..
تَقَدَّمْ..
لَيسَ لَدَيَّ ما أَقول.
البَدَوّيَةُ الَّتي تَسكُنُ
في صَحراءِ روحي..
لا تَعرِفُ..
أَينَ سَتَزرَعُ خَيمَتَها!!
مِن دَمِ الغُروبِ..
يَطلُعُ اللَّيلُ كالحِبر
يَشرَحُ لِلنُّجومِ
حالَ العُشّاقِ
وكيمياءَ الحُبّ.
ضائِعَةٌ أَنا..
مِنكَ إِلَيك.
كَيفَ أَسلَمُ مِن شَكّي ويَقيني؟
أَرجوكَ اقتُلني بِهُدوءٍ
ورَويَّة
الأَلَمُ عَزفٌ مُنفَرِدٌ..
على أَوتارِ النَّفس.
والفَرَحُ..
سيمفونيَّةٌ يَشتَرِكُ الجَميعُ في عَزفِها
هيَ امرَأَةٌ..
تَغارُ مِنها النُّجوم..
لأنَّها تَتَّكِئُ على كَتِفِ..
القَمَر.
لَو لَم تَكُن طِفلاً..
لَما كَسَرت بُؤبُؤَ..
عَيني.
أَنا وخَوفي..
ونَجمَةُ الصَّباحِ..
نَقِفُ على بابِ الفَجر..
نَرتَجِفُ
واللَّيلُ شالٌ مِنَ الدَّانتيل..
على كَتِفَي النَّهار
وأَنا أَنتَظِرُ..
عَلَّ أَميري..
يَظهَر!!
هاجَرَتْ يَدي
بَينَ يَدَيكَ..
كَي تُلَملِمَ الذِّكرَيات.
كَيفَ أَستَطيعُ تَهذيبَ
رَجُلٍ
لَم تَضرِبْهُ أُمُّه..؟
7
المَرأَةُ تَأكُلُ حِنطَتَها..
مِن أَرضٍ واحِدَةٍ.
والرَّجُلُ يَنثُرُ بُذورَهُ..
في كُلِّ أَرضٍ يَمُرُّ عَلَيها.
تُحِبُّ المَرأَةُ..
فَتَسبَحُ ضِدَّ التَّيّار..
ويَنتَظِرُها الرَّجُلُ..
على الشّاطِئِ..
وهو يُدَخِّنُ سيجارَتَهُ.
يَظَلُّ جَسَدُ المَرأَةِ..
سِرّاً..
حَتّى يَحمِلَ الرَّجُلُ تَذكَرَةً صالِحَةً
لِعُبورِ بَوّاباتِه.
جَسَدُ المَرأَةِ كِتابٌ..
ومِنَ الرِّجالِ..
أُمّيُّونَ لا يَعرِفونَ حُروفَ
الهِجاء
طوفانٌ..
طوفانْ..
وأَوراقي لا تَكفيها..
أَقلامُ الأَشجار..
ولا مِدادُ البِحار.
أَعيروني أَعماراً..
مَع عُمري لِأُهديَها..
إِلى الواحِدِ المُتَجَذِّرِ..
في الوجدان.
مَغسولَةٌ أَيَّامي..
بِمياهِ الأَسى..
سَكرى حَتّى الثُّمالَة.
يا رَجُلَ المُستَحيلِ..
أَجمَعُ آَهاتي في لَيالي..
الوجدِ..
وأَبحَثُ عَنكَ في ذاكِرَةِ..
الزَّمَن.
هُنا أَنتَظِرُ..
لا أَعمَلُ شَيئاً..
غَيرَ كِتابَتِك..
هُنا أَنتَظِرُ..
لا أَفعَلُ شَيئاً..
غَيرَ قِراءَتِك..
هُنا أَنتَظِرُ..
لا أَصنَعُ شَيئاً..
غَيرَ رَسمِك..
على وجهِ الثَّلج..
هُنا.. في المَقهى الصَّغيرِ
البَعيدِ..
لا أَفعَلُ شَيئاً..
غَيرَ قِراءَةِ فِنجانٍ..
يُخبِرني عَن طَعمِ شفتيك.
دَعني أَتَكَثَّفْ في حضنِك..
بَينَ اليَقَظَةِ والمَنام..
أَتَكَوَّر كَقِطَّةٍ مَذعورَةٍ..
تَنامُ بَينَ الوسائِدِ والفِراش.
قَلبي حَديقَةٌ..
موصدَةُ الأَبواب.
أَتعَبَني الانتِظار..
قُلتُ كَلاماً كَثيراً.
رَسَمتُ لِقدمَيكَ الطَّريق..
النُّعاسُ المُعَلَّقُ في سَقفِ غُرفَتي..
بَدَأَ يتَلاشى..
أَيُّها الرَّجُلُ..
لِماذا تَأخُذُ الوقتَ مَعَك؟
أَيُّها الهادِئُ كَزَيتِ الماءِ..
قَلِّل مَشيَكَ..
في لَيالي حُزني
لا أُريدُ أَن أَسمَعَ..
تَساقُطَ شَيءٍ..
مِن أَعصابِ القَلَمْ.
صَوتي بِلا صَدىً..
نَبضٌ مَلموسٌ في فَراغِ الحِبر..
الدَّواةُ تَصرُخُ مِنَ الضَّجَر..
تَتَنَفَّسُ كَسَمَكَةٍ مَيِّتَة.
النَّهارُ يَجري خارِجاً
لَو أَنَّ اللَّيلَ يَتَراجَعُ
إِلى بدايَتَه!
هذهِ السَّماءُ لا تَحتَمِلُ
سِوى غَيمَةْ
ماذا سَيَجري في العَتمَةْ
يا امرَأَةَ المُستَحيلِ..
يا أَيَّتُها المُكتَظَّةُ بِالشِّعرِ..
والمحتشِدَةُ بِالحُبِّ والجُنونِ..
والمَسكونَةُ بِصَوتِ..
فَيروز.
أَيَّتُها المُتَجَوِّلَةُ في ذاكِرَةِ
الفُقَراءِ
والسّاكِنَةُ في عُيونِ الأطفالِ
عَمَّ تَسأَلين؟
الرَّجُلُ يا سَيِّدَتي يُتقِنُ لُعبَةَ
المَرايا..
والمَرأَةُ تُتقِنُ تِلقائيَّةَ
الحِوار.
الرَّجُلُ يَتَعامَلُ بِلُغَةِ الإِقطاعْ..
والمَرأَةُ تَتَعامَلُ بِلُغَةِ التَّسامُحْ.
لا القَواميسُ بِأَبجَديَّتِها..
ولا اللُّغاتُ بِمُفرَداتِها..
تُعيدُ العَصافيرَ إِلى لِساني..
إِلّا (صَباحَ الخَيرِ يا أَميرَتي).
سافَرتُ.. وسافَرتُ..
على أَمواجِ البَحر..
وعَبَرتُ البحارَ الحَمراءَ..
والبَيضاءَ والسَّوداءَ..
وكُلَّ بُحورِ الشِّعرِ..
وأَجنِحَةِ النَّثرِ..
وامتَطَيتُ السَّحابَ..
لألقاك.
واكتَشَفتُ أَنّي أَدورُ في..
فَلَكِك.
ضَجيجٌ في دَمي
يُنبِئُني..
وسُرَعَةُ إيقاعِ قَلبي..
تُنبِئُني
أَنَّ خُيولَكَ دَخَلَت..
مَدينتي
واقتَحَمَتْ مَراكِزَ المُقاومَة..
مُبارَكٌ أَنتَ يا أَبا مُبارَك
يَنشَقُّ الفَجرُ في عَينيكَ
نَهرَ حَنانْ
وتَحتَشِدُ فيهما اليَنابيع..
وخَيطٌ سِرّيٌّ مِنَ النّورِ..
في عَتمَةِ الأَيّامِ
يُلامِسُ قَلبي
أَرتَجِفُ كَطِفلٍ بلَّلَهُ الحُبّ..
فَتُضيءُ الأَيّامُ المَهجورَة..
وتَخضَرُّ الأشجار..
ويَأتي العالَمُ..
ويَجلِسُ في أَحضانِ يَدَيَّ.
قالَتِ الورَقَةُ لِقَطَراتِ النَّدى:
تَمَهَّلي..
اقرَئيني حَرفاً.. حَرفاً..
قالَتِ الورَقَةُ لِلرّيحِ:
تَمَهَّلْ لا تَطرُدْ قطراتِ النَّدى..
فَإنَّني أَشرَبُ الحَياةَ مِن ثَغرِها.
وتَتَساقَطُ دُموعُ الغَيمَةِ على الأَرضِ..
لا لِترويَها..
بَل لِتَلثُمَ التُّرابَ مِن تَحتِ أَقدامِ الشَّجَر.
وغَيمَةٌ أخرى تُلَملِمُ ماءَ السَّماءِ
والأَرضُ تَحني رأسَها لِلمَطَر..
تَعالَ مَعي..
عَلِّمني..
وأُعَلِّمُك.
اتبَعني..
وأَتبَعُك..
نُحارِب الخُرافَة.
تَعالَ مَعي..
نَعمُر جزيرةً..
حِجارَتُها مِن ذَهَبِ الكَلام..
وأَشجارُها مِن ذَهَبِ الغَرام..
نَمنَح فيها اللُّجوءَ السّياسيَّ..
لِحامِلي تَأشيرَةِ الحُبّ.
أَيُّها اللَّيلُ الواقِفُ..
في ثَغرِ الفَجرِ..
ارحَلْ.
فإنّي مُستَعِدَّةٌ لِفَجرٍ جَديد..
أُعَلِّمُهُ كَيفَ يَستَفِزُّني..
ويَسكُبُ الفَرَحَ في روحي..
فَجرٌ أُدَرِّبُهُ على جُنوني
وأَنفُخُ في روحِهِ
فَجراً آَخَر.
لَكِنَّ الأَيّامَ تَتَساقَطُ في حضني..
كَأَوراقِ الخَريف.
في كُلِّ ورَقَةٍ شَمسٌ انطَفَأَتْ
وطِفلٌ غابْ.
في سَفَري مَعَ الحُزنِ..
أَكتَشِفُ في داخِلي..
قارّاتٍ ومَجَرّاتٍ وسَماواتٍ..
ورَملاً وبِحاراً.
أَسأَلُ نَفسي:
هَل أَخرُجُ مِنكَ؟
أَم أَدخُلُ فيكْ؟
ولا أَجِدُ لِلكَلامِ ذاكِرَة!
سَأَتَوضَّأُ مِنَ الحُزنِ..
وأَبدَأُ صَباحاً لامِعاً..
كَوجهِ المَرايا.
سَأَغسِلُ كَلِماتي مِنَ المِلحِ..
وأَرتَدي فَساتينَ الشَّجَر.
أَصابِعُكَ العَشَرَة..
شُموعٌ تُضيءُ غُرفَتي..
مَساءٌ بِلَونِ البُرتُقالْ..
فَرحٌ بإطلالَةِ اللَّيلْ..
ووجهُكَ يَقطُرُ..
بَهجَةً..
على كَتِفِ اللَّيلِ..
المُطِلِّ على خاصِرَةِ الجَبَلْ..
هَذا مُجَرَّدُ مَساءٍ..
جَميلْ.
الوقتُ استَهلَكَني..
سَأَنامُ..
لأترُكَ القَمَرَ..
يَسهَرُ مَعَك.
أَقرَأُ دَفتَرَ المَطَر..
هَل يا تُرى يَعرِفُ الشَّجَر؟
والماءُ يُقَبِّلُ وجهَ الثَّمَر..!
مَطَرٌ
مَطَرٌ
مَطَرٌ
وحَياتُنا فَراغٌ مُمتَدٌّ..
تَملَؤُهُ الحُفَر.
قالَ: هَذِهِ الصّور..
لا تَزالُ كَما كانَت في سَنَواتِ العُمُرِ الأولى..
الهُروبُ إِلَيها سَراب..
والدُّروبُ إِلَيها شَجَن..
صَباحَ الحُزنِ..
أَيُّها الجُرحُ المَدفونُ في عُمقِ العُمقْ..
لَملَمتُ أَشِعَّةَ الشَّمسِ..
وأَوصَدْتُ حَديقَةَ القَلب..
فَوجَدتُكَ مَعي..
تَمَنَّيتُ لَو أَنَّ النَّهارَ لَيلٌ
كَي أَتَوضَّأَ بِضَوءِ وجهِك
تَمَنَّيتُ أَن يَنقَلِبَ لَيلاً
كَي آَويَ إِلى دِفءِ صَدرِك
صَباحَ الحُبِّ
أَيَّتُها النَّجمَةُ الآَتيَةُ مِنَ الأَزمنةِ البَعيدَةْ
قُلْ لي:
مَن أَعطى عَينَيهِ الحَقَّ
أَن تَكونا نُقطَةَ ارتِكازِ الأَرضْ؟!
مِن أَينَ تولَدُ شَجَرَةُ القَلب؟
وعَيناكَ مَركَزُ الأَرض..
والشَّوقُ مَركَبُ الصَّباح.
السَّماءُ تُمَشِّطُ شَعرَها الأَسود..
وسَحابَةٌ كَبيرَةٌ
تُكَلِّمُ الأَشجار
وتَضرِبُ النَّهرَ بِحَجَر..
يَتَعَرّى الغَيمُ.. وسَطَ الحُقولِ
بِانتِظارِ المَطَر
أَيُّها الوقتُ المُتَلَوِّنُ بالمَواعيدِ
تَفَضَّلْ عَلَيَّ
بِتَذكَرَةِ سَفَر..
أَنتَظِرُكَ..
تَحتَ سَقفِ اللَّيلِ..
أَرتدي لَكَ ثَوباً..
مِنَ النُّجومِ والكَواكِب..
هَل هيَ فِكرَةٌ حَمقاءُ
أَن أُطَرِّزَ السَّماءَ بِفُستاني!!
هَل لَدَيكَ طَريقَةٌ أُخرى
أَتَغَلَّبُ بِها على فَزَعِ اللَّيلِ
الطَّويلِ..
وأَشواقي العاريَة..
وأَنتَ وراءَ اللَّيلِ..
في العالَمِ الآَخَر؟
كُلَّما غَفَوتُ..
ارتَطَمَ الواقِعُ بِالحُلُم..
فَتَدَلَّت صورَتُكَ..
مِنَ السَّماءِ..
بَينَ النُّجومِ والكَواكِب
وانسَكَبَ الحِبرُ الفِضّيُّ
على وجهي..
لا توقِظِ الحُلُم..
ولا تُغَيِّرِ الواقِع..
فالانتِظارُ موحِشٌ..
واللَّيلُ يُقَشِّرُ النَّهار..
وأَنا أَطيرُ بَينَ ذَرّاتِ المَطَر..
أَبحَثُ عَن فَرحَةِ قَلبيَ..
المَرسومَةِ على وجهِك.
أُحِبُّكَ لأنَّكَ..
أَعطَيتَ دُنيايَ..
مَعنى وهَدَفاً..
وفِكريَ بُعداً..
وأَعطَيتَني مَفاتيحَ المَمالِك.
أُحِبُّكَ لأنَّكَ..
فَجَّرتَ يَنابيعَ أُنوثَتي..
ووضَعتَ يَدَكَ الحَنونَةَ..
على رَمادِ القَلبِ.
فَتَحَوَّلَ إِلى فَراشاتٍ مُلَوَّنَة..
وقَوسِ قُزَح.
أَشكُرُكَ لأنَّكَ..
أَخرَجتَني مِن نَفَقِ اليُتمِ..
إِلى نورِ الحُبّ.
أَشكُرُكَ..
لأنّي مَعَكَ اكتَشَفتُ نَفسي.
فَقَبلَكَ كانَ الحُبُّ افتَراضاً..
وأُنوثَتي افتِراضاً..
أَشكُرُكَ يا أَبي.. ومُعَلِّمي.. وحَبيبي..
لا أَحَدَ غاصَ بأَعماقي..
ليَعرِفَ مَن أَنا..
إِلّا أنت
المَقهى..
المُتَّكِئُ على جِدارِ الذِّكرى..
هَل يَحِنُّ إِلَينا؟
طالَ انتِظارُ الفَناجينِ..
وسَرَتْ في جَسَدِها..
رَعشَةُ يَدَينا..
أَتُراني غُباراً..
وخَيليَ ريحاً
ضَلَّ الطَّريقَ
وجُرحي دَماً سائِلاً؟
أَتَأَرجَحُ بَينَ حَضارَتِكَ..
وجاهِليَّـتي.
ولا أَعرِفُ كَيفَ أَتَعامَلُ
مَع شَفتَيك
هَل أَدخُلُ عَليهما
وفي يَدي سُنبُلَةُ قَمح؟
أَم أَدخُلُ عَليهما..
وفي يَدي عُلبَةُ كِبريت؟
هَل أُعاقِبُ نَفسي..
لأنَّني أُحِبُّك..
أَم أعاقِبُها..
لأنَّني لَم أَتفرَّغْ نِهائيّاً
لِقَطفِ الموسيقى
مِن بَساتينِ صَوتِك؟
هَل أُعاقِبُ نَفسي..
على رَجاحَةِ عَقلي؟
أَم أَشكُرُها على نِعمَةِ..
الجُنون؟
في طُفولَتي..
أَرى أَبي يَقطِفُ وردَةً..
مِن حَديقَةِ البَيت.
فَأَشعُرُ أَنَّه يَقطِفُ
ابتِسامَةَ أُمّي.
8
كُلُّ احتِلالٍ.. يَأتي بِلا عَقلٍ
ويَتَصَرَّفُ بِلا مَنطِق.
هُم يُدافِعونَ عَن مَصالِحِهِم بِالسِّلاح
ونَحنُ
نُدافِعُ عَن أَوطانِنا بِالأَقلام
أَنا امرَأَةٌ احتَرفَتِ..
الحُريَّةَ
في أَوطانٍ نَشعُرُ فيها
بأنَّ السَّماءَ صارَت
أَضيَقْ..
والهَواءَ صارَ..
مُلَوَّثاً..
والأَشجارَ الخَضراءَ صارَت
أَقَلّ.
أُريدُ أَنْ أَشعُرَ بِحُريَّةِ أَصابِعي
وهيَ تَتحرَّكُ على الورَقةِ..
لَيلاً ونَهاراً.
في الأَوطانِ الإِسمِنتيَّة..
لا تَضيقُ اللُّغَة..
ولَكِنَّ مِساحَةَ الحُريَّةِ..
هيَ الّتي تَضيق..
فَتُصبحُ الكِتابَةُ ضَرباً مِنَ المُستَحيل..
ويُصبحُ إِحداثُ ثُقوبٍ في الجِدارِ الإِسمِنتيِّ..
أَمراً ضَروريّاً
فالكِتابَةُ ضَروريَّةٌ
كالتَّعليمِ والصِّحَّةِ والتَّسليحِ لِلدِّفاعِ عَنِ الوطَن.
غابَةٌ مِنَ اليَأسِ والإِحباطِ..
أَنا.
أَحضَرتُ لِوطَني إِكليلاً
مِن الفَرَح.
فَردّوها لي صُراخاً
وظَلاماً
كَيفَ نَبني مُستَقبَلاً
مِن فَتافيتِ الكَلام؟
نَحنُ شُعوبُ المَقابِرِ
الِمثاليَّةِ
نَضَعُ المُبدِعينَ على قائِمةِ المَوتِ
لِكَي نُكرِمَهُم
لِلوجَعِ الفِلِسطينيِّ
قَلبٌ لا يَنبُضُ..
إِلّا وهو يَنزف.
وفي خَلاياهُ تَختَبِئُ
الحُريَّة..
أَلا يَتَّسِعُ رَحِمُ هَذا العالَمِ
لِلأَحرار؟
أَرسُمُهُ ضَوءاً يَكسِرُ لَيلَ الوقت..
فَيَدخُلُ عَلَيَّ لابِساً..
عَباءَةَ الغُموضْ..
تُفَسِّرُهُ كَلِماتٌ تَتنزَّهُ بَينَ شَفتَيهِ..
وعَيناهُ تومِضانِ بأسرارِهِ..
هو جُرحٌ في قَلبِ العالَم..
هو الحُلُمُ.. والجُرح..
هو العَرَبيُّ الذي يَنتظِرُ التّاريخَ
مُتعلِّقاً بأذيالِ المُستَقبَل.
9
المَوتُ هو النُّقطَةُ..
في آَخِرِ السَّطر
في آَخِرِ العُمُرِ..
طَرَقَ المَوتُ البابْ..
وأَقفَلَ الكِتابْ..
وكانَتِ النِّهايَة..
وأَنا مِن تَحتِ التُّرابْ..
أَهمِسُ:
هذهِ رِحلَةُ البِدايَة.
رَحَلَ..
مَن رَحَلْ
وأَحلامي تَدخُلُ..
في شُقوقِ العَتمَةِ..
تَجُرُّ عَرَبَةً مِن رَماد.
جَبَلٌ أَبيَضُ..
وقَمَرٌ فضّيٌّ..
وحَبيبي يَغتَسِلُ في ضَوئِهِ
فَيَتَساقطُ في حضني..
رُطَباً شَهيّاً.
عُدتُ إِلى صَومَعَتي..
بِثَوبٍ أَبيَضَ
وقِنديلٍ مُرتَجِفٍ..
يَدُقُّ بابَ الرّيح..
أَتوقُ إِلى المَنفى البَعيدِ
إِلَيكَ حَيثُ كُنت..
وعَبرَ المَسافاتِ..
أَرى شَبَحاً يُنادي:
ارجِعي..
مِن حَيثُ أَتَيتِ..
الأَيّامُ في بدايَتِها..
والطَّريقُ يُزهِرُ بالأحفادْ..
أَدمَنْتِ الألَم..
وأَوجَعْتِ قَلبَ السَّماء..
عودي
كُلُّ البُيوتِ تَبكي..
ودُموعي تَمحو الأسى..
عودي
يا أَيقونَةَ البَيتِ..
بَعَدَكِ الأَطفالُ..
أَشباحٌ.
والمَكانُ فَراغٌ..
في فَراغ.
أَنا في مَكاني..
وسيمفونيَّةُ العِطرِ المُتَساقِطِ
مِن غابَةِ الذّاكِرَةِ
تُمَزِّقُني..
تلصِقُني..
تَحمِلُني إِلى الأَعلى..
تَحُطُّني على غَمامَةٍ بَنَفسجيَّةٍ..
وأَنا في مَكاني..
أُراقِبُ سيمفونيَّةَ المَوتِ
في مَدِّها..
وجَزرِها.
عِندَما تَكونُ الدُّنيا كَفَناً
يَلُفُّ أَحلامَنا..
يُصبِحُ المَوتُ صَديقَنا
الّذي نُفَتِّشُ عَنهُ في كُلِّ الزَّوايا
عِندَما تَكونُ أَحلامُنا..
كالغُبارِ المُسافِرِ..
من صَحراءَ إِلى صَحراءْ..
تُصبحُ الدُّنيا..
بلا مَعنى.
عِندَما تَجِفُّ آَبارُ الآَمالْ..
نُصبحُ شَجَراً يابِساً..
يَستَحِقُّ الحَرقْ.
عِندَما يَسكُنُ اليَأسُ عُقولَنا..
تُصبحُ الرُّؤى سَراباً..
لا يُنال.
يَلبَسُ المَوتُ..
عَباءَتَهُ السَّوداءَ..
ويَأتيني زائِراً..
يُحيطُ بي مِن كُلِّ جانِبٍ..
ويَعقِدُ مُعاهَدَةَ السَّلامْ..
ليَقتُلَ كُلَّ زَهرَةٍ تَنبُتُ في بَساتيني..
ويَغتالَ كُلَّ عُصفورٍ..
يُغنّي داخِلَ نَفسيَ الحزينَة.
ها أَنا أَستَقبِلُهُ..
ولا أَتَذَكَّرُ عَدَدَ المَرّاتِ..
الَّتي شَرَّفَني بها..
فَأنا رَقَمٌ..
مِن بينِ الأَرقامِ
الّتي يَمُرُّ عَلَيها.
كُلَّ مَرَّةٍ يَأتيني..
يَحتارُ بالطَّريقَةِ الَّتي..
يُعَذِّبُني بها
وبنَوعِ السِّلاحِ..
الَّذي يوجِّهُهُ إلى صَدري..
وكمّيَّةِ السُّمِّ..
الَّتي يُقَدِّمُها لي..!!
أَراكَ جَميلاً
أَيُّها المَوتُ
عِندَما تَأتي
لِتَأخُذَني مَعَك.
ولكِنَّني أَجِدُكَ قَبيحاً
لِدرَجةِ المَوتِ
إِذا امتَدَّت يَدُكَ إِلى بَساتيني
ليلي عاشِقٌ..
كَطِفلٍ يَرسُمُ على الحائِطِ..
أولى كَلِماتِه.
لَيلي نَرجِسيٌّ
يَغارُ مِنَ القَمَرِ والنُّجوم
لَيلي يُعانِدُ لَيلي.
اللَّيلُ سائِلٌ في عَينَيَّ
وأَنتَ أَعرَفُ بي مِنّي
وذِكراكَ أَقرَبُ إليَّ مِنّي
وأَنفاسُكَ تحرِقُني
وأَنتَ بَعيدٌ عَنّي
وأَنا في غُرفَتي..
أَقرَأُ كِتابَ وجهِكَ
وأَنتَ بالغَيبِ..
بَعيدٌ عَنّي.
اقتَرِبْ أَيُّها اللَّيلُ..
واسكُنْ في قَبرِ صَدريَ
الضَّيِّق.
وارسُمْ على دَفتَرِ السَّماءِ..
ظِلّي وظِلَّ حَبيبي
اصعَدْ فَوقَ صَباحِ..
وجَعي.
وارفَعْ ثِقَلَ المَوتِ عَنّي.
غَريبَةٌ في وطَني..
أَبحَثُ عَن أَميري!!
تَبخَّرَ العِطرُ..
مِن قارورَةِ يَومي.
والنَّهارُ ما زالَ..
يُلَملِمُ ثَوبَ المَساءِ.
واللّيلُ يَتَثاءَبُ..
مِن وراءِ الجَبَل.
ما أَقسى لَياليَ الشَّمال..
والأَشجارُ عاريَةٌ..
إِلّا مِن غِلالَةٍ بَيضاءْ.
والغُيومُ تَتَكاثَفُ..
تَحتَ جُفوني.
والظَّلامُ جُرحٌ نازِفٌ..
يُبَعثِرُ أَوراقي.
ذاكِرَتي تَسيرُ..
على قَدمَيها تَتبعُك.
كِلانا يَقرَأُ الآخَرَ..
حيرَتي حارَت.
هَل آخِرُ نَهاريَ..
اللَّيلُ.
وآخِرُ لَيليَ..
النَّهارْ؟
الوجَعُ يُشَكِّلُ الزَّمَن..
والقَلَقُ سَيِّدُ المَكان.
والحُبُّ يَجلِسُ..
على طَرَفِ السَّرير.
يَبحَثُ عَن أَيّامِهِ الماضيَةْ!
اقرَأِ النُّصوصَ مَرَّةً أُخرى
حَتّى تَستَوعِبَ حُزني..
[1] بيتنا في الريف البريطاني
[2] بحيرة في مدينة جنيف.