قِراءةٌ
في كفِّ الوَطَن
سعاد محمد الصباح
يا أجمل الحروفِ في قصائدي
ياوطَــنَ الأوطــانْ
،،
عندما تكتبُ، فإنّك في الوقتِ ذاتِه ترسمُ ملامحَ
أعدائِك!
والأعداءُ لا يحبّون أن تُظهَر ملامحُهم
فيبدؤونَ رميَك بالحجارةِ قبلَ أن تكتملَ اللوحةُ فتفضحُهم!
،،
ولــدتُ حُــرّةً لأسرةٍ حُــرّةٍ،
وسأبقى حـُـرّةً، في وطنٍ حُــــرٍّ.
سعــاد
1
في البَدْء كانت الكلمة
،،
المرايا لا تستطيعُ أنْ ترى نفسَها، فالصورةُ الذاتيّةُ للكاتبِ لا يرسمُها هو، إنّما يرسمُها الآخرونَ له.
،،
الكلمةُ التي تجرحُني لا تقلُّ أهميةً عن الكلمة التي تُعانِقُني.
،،
كلُّ إنسانٍ عربيٍّ مثقَّفٍ يجبُ أنْ يوظِّفَ ثقافتَه لطردِ الخُرافاتِ التي تعشِّشُ في عقلِنا الباطِنِ كالعَنكبوت.
،،
القراءةُ بستانٌ بحجمِ البحـرِ.
،،
كلُّ إنسانٍ عربيٍّ مثقَّفٍ يجبُ أنْ يكونَ له صوتٌ في معركةِ التغيير.
،،
أجدُ نفسي -شئتُ أمْ أبَيتُ- مزروعةً في ضميرِ الزمنِ الذي أعيشُه، وملتزمةً التزاماً داخلياً بقضايا الإنسانِ حيثُ كان.
،،
الظمَأُ الثقافيُّ لا علاقةَ له بالتّصنيفاتِ الاجتماعيةِ، إنّه حاجةٌ روحيّةٌ تتفجَّرُ في داخلِنا بصرْفِ النظر عن موقعِنا وهويّتِنا، والصراعُ منْ أجلِ رفعِ المستوى الثقافيِّ لا يرتبطُ بالحاجةِ المادّيةِ أو بمَنْ نكون.
،،
الثقافةُ يجبُ أنْ تُوضَعَ تحتَ تصرُّفِ الآخرينَ.. وإلّا كانتْ ثقافةً فرديّةً وأنانيّةً.
،،
أنا مِنْ بيتٍ يتنفَّسُ القراءةَ، ويتمرّى في الكتُبِ كلَّ يوم.
،،
إنَّ المبدأَ الديكارتيَّ المشهورَ: «أفكِّرُ فأنا موجود».. يأخذُ بالنسبةِ لي صِيغةً أُخرى: «أكتبُ أنا، فأنا مَرجُومة».
،،
أحمِلُ الحزنَ المُضطَرِبَ في عينيَّ وأكتبُ إليكم..
،،
الكتابةُ على هذه الصحراءِ اللانهائيّةِ من العطشِ تبدو وكأنَّها انقلابٌ على طبيعةِ الأشياءِ، أو كأنَّها مطَرٌ لا تُعطيهِ وزاراتُ الداخليّةِ تصريحاً بالهطولِ على الأرضِ اليَباس.
،،
إنَّ الكتابةَ موتٌ في انتظارِ ميلادِ العصْرِ العربيِّ الجميلِ.
،،
بانتظارِ العصْرِ الجميلِ أنْ يأتيَ ويمحوَ قاموسَ الهِجاءِ الذي ازدادَتْ مفرداتُهُ وصفحاتُه حتّى أصبحَ موسوعةً أضخمَ منْ أكبرِ الموسوعاتِ.
،،
للمعرفةِ الدورُ الأكبرُ في بِناءِ المجتمعِ لأَنَّ المجتمعَ معرفةٌ، والمعرفةُ قوَّةٌ.
،،
أُفضِّلُ التزامَ الصَّمتِ عندما يكونُ الحوارُ حوارَ طُرشان.
،،
العصرُ الذي أنا فيهِ لا يهمُّ، المُهِمُّ هو قُدرتي على تَغييرِ عَصْري.
،،
لا أحدَ استطاعَ أنْ يصِلَ إلى جَوهرِ الحقيقةِ، حَسْبُ الإنسانِ أنْ يكونَ إنساناً قادراً على السُّؤالِ، لأنّهُ لا يموتُ إلّا عندما يتوقَّفُ عنْ طرح الأسئلة.
،،
وظيفةُ الكلمةِ في هذِه الأيَّامِ أنْ تكونَ سيفاً في وجْهِ البشاعةِ.. أو لا تكون.
،،
على الكلمةِ أنْ تُقاتِلَ بالأنيابِ والأظفارِ حتّى تُقنِعَ الإنسانَ العربيَّ البائسَ بأنَّ عصرَ البنفسجِ قادِمٌ.
،،
الكاتِبُ يكتُب ليغيِّرَ وجهَ الحياةِ ووجْهَ الإنسانِ، ولا خيرَ في كاتِب يتسلّى في الكتابةِ ولا يضعُها في خدمةِ وطنِه وخدمةِ الأسرَةِ البشريّةِ.
،،
الثقافةُ هيَ
السُّؤالُ..
والإنسانُ الذي لا يَسألُ يأخذُ شكلَ الحجر!
،،
السياسةُ شوَّهتْ
وجْهَ الإنسانيةِ.. والإبداعُ جمَّلهُ..
الثقافةُ هي آيةُ العقلِ وخُلاصةُ الحكمةِ..
والسياسةُ هيَ خُلاصةُ الميكيافيلية.
،،
النقدُ ممارسَةٌ حضاريّةٌ من الطرازِ الأوَّلِ، وحينَ يغيبُ عنصرُ الحضارةِ عن العملِ النقديِّ.. يتحوَّلُ إلى وليمةٍ همجيَّةٍ تُستعْمَلُ فيها المخالبُ والأنْياب!
،،
مِنْ أَسمى وظائفِ المُثقَّفِ: «زراعةُ الأملِ».
،،
الكتابُ إلى
أينَ؟
ما موقِعُه على الخَريطةِ العربيَّةِ؟ ما حاضِرُهُ ومستقبلُهُ؟
أسئلةٌ تحفِرُ العقلَ ليلَ نهارَ..
،،
الكتابُ العربيُّ والإنسانُ العربيُّ كائنانِ متشابهانِ!
،،
حاضِرُ الكتابِ
العربيِّ، لا يدعو إلى البهجةِ أبداً!
لأنّه يعيشُ حالةَ حصارٍ دائمٍ، ويُعامَل كما يُعامَل السجناءُ، والمعتقلون
السياسيّون!
،،
الكتابُ العربيُّ مصابٌ بشللِ الأطفال، ومتجمِّدٌ في مكانِه كسيّارةٍ سُحِبَتْ منها بطاريّتُها، يولَدُ ويموتُ في مكانِه، بعدَ أنْ كانَ قِدّيساً يعلِّمُ النَّاسَ الحكمة..
،،
كلُّ واحد منا يحمِل عصرَه والعصورَ التي سبقتْه، ولا أحدَ يستطيعُ محوَ موروثاتِه الثقافيّةِ في دقائق.
،،
في هذا العصرِ الذي يحتَرِفُ الجهلَ والجَهالةَ أصبحَ الكتابُ العربيُّ قاطِعَ طريقٍ، تُعلّقُ صورُه على جدرانِ المدينةِ، ويطلُبُ رجالُ الأمنِ رأسَه!
،،
بعدَ أنْ كانَ الكتابُ العربيُّ يتمتَّعُ بالحصاناتِ التي يتمتَّعُ بها الملوكُ والدبلوماسيون، أصبحَ مواطناً غيرَ شرعيٍّ سُحِبُ جوازُه، وأُسقِطتْ حقوقُه المدنيّةُ!
،،
إنّ مأزقَ
الكتابِ العربيِّ هو جزءٌ من المَأزقِ العامِّ، وهو صورةٌ طِبْقُ الأصلِ مِنْ
محيطِه وبيئتِه:
محاصرٌ!
أو مطارَدٌ!
أو مسجونٌ.. تملأُ وجهَه كدماتُ العَصْر..!
،،
الإنسانُ
العربيُّ يمرُّ بأزمَةِ تنفُّسٍ واختناقٍ.. الكتابُ كذلك يشكو العوارضَ ذاتَها..
ولا يُمكِنُ له أنْ ينمُوَ نموّاً طبيعياً في ظروفٍ غيرِ إنسانيّة!
،،
يجبُ أنْ نقولَ
ماذا نريدُ من الإعلامِ..
هلْ نريدُ له أنْ يكونَ جوقةَ تمجيدٍ للأشخاص؟
أمْ أنّنا نريدُه ِمنْبَرَ تثقيفٍ وعلمٍ وتحريرٍ للعقلِ والإنسان؟!
،،
بعدْ أن كانَ العقلُ العربيُّ في الماضي عقلاً جدَلياً ناقداً وخلّاقاً.. أصبحَ في أيّامِنا هذه -للأسف- عقلاً مذعناً، تابعاً ومقلِّداً..!
،،
الكتابةُ عندي ليستْ عملاً مجّانيّاً، أو عبثيّاً أو استعراضيّاً، إنّها عملٌ يستهدِفُ التغييرَ بالدرجةِ الأولى.. تغييرَ الإنسانِ العربيِّ عقلياً واجتماعياً و..
،،
في رحلةِ الحرْفِ
والشِّعْرِ والألَمِ..
حاولتُ أنْ أزرعَ عُشبةً صغيرةً في الأرضِ المالِحة.. لأجعلَ مساحةَ الحبِّ
أكبرَ.. ومساحةَ الكراهيّةِ أقلَّ..
هذا كلُّ ما في الأمْرِ.
،،
الكتابةُ لا
تقبَلُ أنْ تُكتَبَ بأصابِعَ مرتجِفةٍ..
والقلمُ لا يَرضى أنْ يتحدَّثَ بصوتٍ مختَنِقٍ!
الكتابةُ شجاعةٌ، والكاتِبُ ملعبُه العالَمُ، وحدودُه الشمس..
،،
على الأديبِ أنْ
يعبِّرَ عن أمّته، لا يساومُ ولا يتاجِرُ بمعتقداتِه.. ولا يتخلّى عنْ مواقفِه
مهما كانَ الثمن.
فالأدبُ هو الاستشهادُ على ورقةِ الكتابةِ.
،،
في عالَمٍ عربيٍّ يتخبَّطُ بجراحاتِه وانقسامَاتِه وتناقضاتِه.. لا بدّ للكلمةِ أنْ تلعبَ دورَها في إضاءةِ الطريقِ، وإخراجِ المواطنِ العربيِّ من هذا النفَقِ المظلِمِ.
،،
الكلِمةُ موقِفٌ.. ولكلِّ موقِفٍ ثمَنٌ.
،،
إذا كانتْ مَهمَّةُ الأدبِ هي تغييرَ العالَم وتغييرَ الإنسان، فإنَّ موقعَ الأدب هو الخطوطُ الأولى في المعركة، ومكانتُه في خطِّ المواجهة المباشَر مع العالم.
،،
وبالثقافةِ وحدَها يمكِنُ أنْ نستردَّ مفاتيحَ الكَلامِ..
،،
دورُ المثقَّفين
كبيرٌ..
حين يكونُ المثقفون كباراً..
،،
ليست هناك كتابةٌ تقِفُ في الوسَط! إمّا أن يكونَ الكاتب مع الناس.. أو يكونَ ضدَّهم، ولا قيمةَ للكتابة إذا أصبحتْ عُضواً في مجموعةِ الحيادِ الإيجابيّ!
،،
الثقافةُ.. يجبُ أن تكونَ في خدمة كلِّ الموْءُودات..!
،،
الكتاب هو وجهةُ نظَر.. ومِنْ تعدُّدِ وجهات النظر تكونُ الثقافة.
،،
الكتابُ والإنسان.. كائنان يتشابهان تشابهاً عظيماً.. في بنيتهما.. ودورتِهما الدمويّةِ.
،،
أريدُ أن أزرَعَ
فكري
خارجَ التاريخِ والجُغْرافيا
وخارجَ الحُدود..
،،
ما دام الصحافيُّ يمارِس «الرقابة الذاتية» على كتاباته ويستلهِم وجدانَه القوميَّ والأخلاقيَّ، فلا خوفَ عليه من الانحراف.
،،
يستحيلُ على
الكِتاب أنْ يعيشَ في ظروفٍ غير إنسانية..
ويستحيلُ عليه أن يستمرَّ في البقاء إذا لم يحصلْ على الحدِّ الأدنى من الهواءِ
والماءِ وبروتيناتِ الحرية.
،،
إنّ الدولةَ، أيةَ دولةٍ، لا يمكِنُها أن تكونَ صديقةَ الكتابِ وعدوَّتَه في وقتٍ واحدٍ، والنظامُ الذي يخافُ خشخَشةَ الورقِ ولديهِ حساسيّةٌ من رائحةِ الحِبْرِ هو نظامٌ لا جذورَ له في الأرض.
،،
ديمقراطيّةُ الثقافةِ التي نفتقِدُها، تجعلُ كلَّ كتابٍ متهَماً حتى تثبُتَ براءتُه..
،،
أجواءُ الأدبِ
العربيِّ تشبِهُ أجواءَ المستشفياتِ، هدوءٌ مريبٌ مسيطِرٌ، لا يمكِنُنا فيه طرحُ
أيِّ سؤالٍ.. لا حركةَ..
بحيرةُ الأدبِ هادئِةٌ هدوءَ المرضى.. لا موجةٌ تخترِقُها، ولا تيّارٌ من تيارات
الأعماق.. يعكِّرُ صفوَها.
،،
أصبحتِ الحياة الأدبية حياةً رتيبةً متشابهة الأيام كأسنان المشط، لا تتعرّض للخضّاتِ الثقافية والاجتماعية إلا نادراً، وبكلّ حيادية أقول إنّ الشعرَ الكويتي لم يصل إلى أرض الدهشة ومرافئِ الغرابة بعد الشاعرِ محمد الفايز.
،،
لماذا لم تحدُثِ
الثورةُ الثقافيّةُ في الخليج؟ لأنّ المثقّفين الخليجيين كانوا قد غرِقُوا في لعبة
المقاولات والصفقات الكبرى. كان لدينا وقتٌ للثراء ولم يكن لدينا وقتٌ للقصيدة.
كان لدينا وقتٌ لمضاعفةِ دخْلِنا، ولم يكنْ لدينا وقتٌ لمضاعفةِ عددِ كتُبِنا.
كانت دائماً معاطِفُنا ثقيلةً.. وزجاجُ سيّاراتِنا مقفَلاً، لذلك لم يسقطْ مطرُ
الشعر علينا.
2
حوار الذات
،،
أنا نهرُ حنانٍ أحاوِلُ أنْ أفيضَ على الآخرين وأُسعِدَهم، وكلمةُ حبٍّ أحاوِلُ إيصالَها لمَن أعرفُهم.. ولا أعرفُهم، ومطرٌ أريدُ أنْ يسقطَ على كلِّ المعذَّبين في الأرض.
،،
وضعي الاجتماعيُّ لم يمنعْني من تغذية طموحي، فالوضع الاجتماعي ليس عقاراً نُورَّثُه، ولا قصراً نسكنُه، أو امتيازاً يُعفينا من المسؤولية.
،،
أحاول أن أضيءَ شمعةً في ليل التائهينَ والضائعينَ في الظلام، وأنْ أعيدَ للمرأةِ اعتبارَها كشريكةٍ أساسيّةٍ في بناء الوطن.
،،
أنا مواطِنةٌ عربيّةٌ كويتيّةٌ، اجتهدتْ وعملتْ، واختارتِ السفر في بحارِ المعرفة والعقل لإيمانِها أنَّ امرأةً لا عقلَ لها هي امرأةٌ مصابةٌ بالشلل الكلّي.. امرأة كالنباتات الطفيلية تعرقِل مسيرة المجتمع ومسيرة الحياة.
،،
إن كلَّ الكُتب يمكنُ أن ينتهي الإنسانُ منْ قراءتها.. إلا كتابَك..
،،
الطفولة هي رأسُ مالِنا الباقي، فإمّا أن نربحَ الجائزة الكبرى، وننقذَ آخرَ ما تبقّى من أشجارِ الوطنٍ الخضراء.. وإمّا أنْ نفشَلَ، فتحترق الغابةُ بكلّ ما فيها من شجر وعصافير.. ونحترق معها!
،،
الأمومةُ تحتّم
عليّ أحاوِل أن أعطيَ أولادي من العلم والثقافة والتجربة ما يسمحُ لهم بأنْ
يواجهوا عالمَهم بثقة وشجاعة.
أحاول أن أكتشفَ رغباتِهم وأحلامَهم وطموحاتِهم ومستلزماتِ عصرِهم.. وأجرِّبَ أن
أفهمَهم.. وأُقيمَ صداقةً حميمةً معهم..
أولادي أخذوا مني التعلُّق بالمُثُل العليا، والحرصَ على التماسك العائليّ، وفعلَ
ما يُمكِنُهم لإسعاد الآخرين..
،،
لا تزالُ الطفلةُ التي في داخلي ترفُض أن تكبُر، منذ أن كنتُ أنكشُ في الأصداف التي يقذفها بحر الكويت بحثاً عن لؤلؤة بلون الحلم، إلى نهاراتي المائيّة على ضفافِ شطّ العرب في “الزين” أتعلُّم في مدرسة الأسماك أبجديةَ الإبحار.. وأكتشِفُ بدايات اللون الأزرق.. وأستوعِبُ ثقافة الأرض.. إلى جامعة ساري في بريطانيا أحمِلُ تحت إبطي كتب الاقتصاد.
،،
إطلالةٌ في عُيون
أحفادي تبدِّدُ كلَّ وحدة وتبعث الأملَ والحياة..
دمي يتجدَّد كلَّ صباح مع شهقتي بأسماء
أحفادي..
ما أروعَ أن تكونَ المرأةُ جَدَّةً!
،،
عندي سلّةُ مهملاتٍ كبيرة.. أضعُ فيها الإشاعاتِ الصغيرة..!
،،
اللغةُ هي
الوثيقةُ الوحيدةُ التي نحمِلُها لإثبات هويتنا وإثباتِ انتمائِنا إلى أرضٍ ما..
وشعبٍ ما.. وحضارةٍ ما.
ومن دون هذه الهوية، سوف نكونُ كائناتٍ هلاميةً تسكن في العدم أو في الفراغ..
،،
كلُّ شُموسِ
الدنيا صناعيةٌ إلا شَمْسَك
كلُّ الأشجارِ لا تُثمر إلا شجرةَ حنانِك..
3
الطفولةُ.. بساطٌ أخضر
،،
الروابِطُ الأُسريّة أخذتْ بالاندثار، لا أحدَ يريد أن يساكنَ أحداً أو يطاعم أحداً أو يحتضن أحداً، كلّ من أفراد الأسرة صار جزيرة نائية لا علاقة لها بالجزر الأخرى، أو جمهورياتٍ مستقلةً لكلٍّ دستورُها وتقاليدُها وأساليبُ حياتها.
،،
الحبُّ هو الفيتامين الذي لولاه لأصابَنا فقرُ الدم.
،،
الطفولةُ الكتابُ الجميلُ الذي لا يُكتَب إلا مرَّةً واحدة.
،،
سقى الله زماناً كنا نغرفُ من حلَّة واحدة، وننام في غرفة واحدة، ونتغطى ببطانيّة واحدة.. سقى الله ذلك الزمانَ.. فلقد كانتْ فيه الشمسُ أكثر دفئاً، والقلبُ أكثر حرارة.
،،
البيتُ والأسرةُ كينونةُ الوجود.
،،
يقف المجتمعُ
بأكمله مع الولَد لحمله هويةَ الذكورية دون امتياز عقليّ أو شخصيّ، ويقفُ أبي
معي..
تقفُ القوانين ضدي كأنثى، ويقفُ أبي معي..
،،
لقد خذلَتْنا الحضارةُ، وسرقتْ منا أشياءَ كثيرةً؛ أهمُّها تلك الفرحة التي عرفناها صغاراً.
،،
حين يكونُ المستقبلُ العربيُّ سراباً لا يُلمس بالأصابعِ فإنّ الإنسان العربي لا يجدُ أمامه سوى صدر طفولتِه يبكي عليه.
،،
لن أكذبَ فأقولَ إنني لم أمزّق ولم أخبّئ بعضاً من أوراقي، فكل أنثى من الخليج إلى المحيط واقعة تحت سيف الخوف أو سيف المجتمع أو سيفِ التاريخ.
،،
موتُ أمّي كسرَ شيئاً في داخلي، وعلى سطح طفولتي أكثرُ من دائرةٍ وأكثرُ من إشارة استفهام.
،،
ماذا سأكتبُ يا
أمي والكلماتُ مقطّعَةُ الجناحين؟
ماذا سأقول لأبي.. ماذا سأقولُ لأخي وموتُك ألغى جميعَ اللغات؟
إلى مَن أمدُّ يدي وأنا مكسورة
كإناءٍ من زجاج
أواجِهُ الموتَ وحدي؟
وألملِمُ شعرَك وحدي!
وأقبِّلُ وجهَك وحدي!
وأصرخُ كالمجنونةِ في المستشفى وحدي!
فكيف أواجِهُ الزمان؟
وقد خذلَني المكان..
،،
سأخبر صديقاتي عن
أمّي التي كانت كالمرايا نقاءً..
سأخبِرُهم عن سماءِ عينيها الذي أتمرّى فيه صباحاً ومساءً، وفي حنانِه ينام أبي.
،،
كلُّ شيء قابل للمحْوِ إلا ذكريات الطفولة، وكلُّ ما يأتي بعد ذلك هو حروفٌ مكتوبة على الماء، لا تلبَثُ أنْ تتلاشى مع مرور الزمن.
،،
كيف أصدِّق يا
نخلة عمري أنّك رحلتِ وحظّي قليل؟
ماذا سأقولُ لصديقاتي؟
ماذا أقولُ وقد أغرقَني الموتُ ببحر الذهول؟
ماذا أقول يا أمي.. ماذا أقول؟
غابتِ الملكةُ وتركتْ رعاياها يتامى..!
،،
كانتْ كالفراشات إذا مرَّت بالأرض تترك بقعةً من اللون هنا.. ونقطةً من الضوء هناك.
،،
علّمتْني
الصحراءُ فنَّ مراودةِ الأفق والتطلُّعَ إلى المستحيل، والتحديقَ في اللانهاية..
وعلّمتْني أنْ أكونَ قويّة كالريح، وصابرةً كالنخلة.
أمّا البحر فقد علّمني البحثَ عن المرافئ التي لا تأتي، والذهابَ إلى آخر المسافة،
وآخر الأشياء.
وهكذا يجتمعُ بي النقيضان؛ الصحراءُ بكلّ قسوتها وتقاليدها وأعرافها وسلفيّتها
وثباتها، والبحرُ بكلّ حركته وثورته وعنفه وجنونه.
،،
ليس لدي طفولة أُولى وطفولة ثانية، طفولتي حالةٌ مستمرة من الضحكة الأولى إلى الدمعة الأخيرة.. من الصرخةِ الأولى للحصول على قطرة حليب من ثديِ أمي.. إلى الصرخة الأخيرة للحصول على قطرة من ماء الحرّية في مجتمع الملح.
،،
حملتْني أمي نطفة في مهرجان الخلق، وأبدعتني إنسانياً وشكّلتني، وعلّمتني أن أكون بنتاً وولداً في الجوهر والفكر والإرادة.
،،
الطفولةُ هي حالةٌ ثورية، بل هي الحالة الثورية الوحيدة في حياة الإنسان، وعندما يكبُر الإنسان تتصلُّب مفاصلُه الثورية.
،،
الأمُّ هي الغابة الخضراء الوحيدة التي يمكن أن ننام تحت أشجار حنانها.
،،
الأمُّ هي الكتاب الذي يمنحُنا الإيمان والثقة وراحة النفس.
،،
الأمُّ هي المدرسة الأولى نتعلّم منها جميع ألوان المعرفة، ونأخذ عنها دروساً في اللغة والتاريخ، كما نأخذ عنها دروسَ الوطنية والانتماء.
،،
الأمُّ ليست مدرسةً بيولوجية أو عضوية، ولكنها مدرسةٌ سياسية كبرى يتخرج فيها كل الرجال الذين يحكمون.
،،
ليتنا نتعلّم في عيد الأم كيف نحبُّ بعضَنا، وكيف نعانق بعضَنا، وكيف نستمع لحوار بعضنا، وكيف نحترم بعضنا، وكيف نتعايش مع بعضنا ونحن ننامُ تحت سقف وطن واحد.
،،
الأبناء بدايةٌ ثانيةٌ لرحلة العمر، هذه الأجيال البازغة من الشباب هي حكايةُ العمر كلِّه، علينا أن نتعهدَها بالتربية والرعاية، لا بالوصاية والقهر.
،،
إنَّ حُلمي منذ طفولتي، هو أن أكونَ جدولاً صغيراً يفيض في فصل الربيع ويسقي الأعشاب والأزهار والنباتات الصغيرة التي تتجمع على ضفافه.
،،
هل توقّف الكلام بيننا وبين أولادنا وانكسر الحوار؟ هل أصبحتْ غرفُ البيت مجموعة من الكانتونات، لكل كانتون شخصية وسيادة وأفكار وميزانيّة؟
،،
شيءٌ مرعِبٌ هذا الذي يحدث في العائلة العربيّة، فمَن المسؤولُ عن هذا التشرذم، والتفكك، ودخول القلب العربيّ إلى الثلاجة؟!
،،
القُبلات التي نطبعُها على خدود أطفالنا قبل المدرسة نسيناها، وجباتُ الطعام التي نتناولها معهم ألغيناها، نعطيهم المصروف ونقول: دبّروا حالكم!
،،
هل صارت الأمومة
والأبوّة ألقاباً رسمية كألقاب البيك والباشا؟
هل نقلتْ إلينا أوروبا بلادتَها العاطفيّةَ أم أنَّ العالمَ كله أصبح بلا قلب؟
،،
هل انتقلتْ إلينا المجاعةُ العاطفية، فصرنا نبحث عن رغيف الحب فلا نجدُه؟
،،
الطفولة.. البساط الأخضر الذي أهرب إليه، كلما ضربتني رياح الحزن، وضايقتني مسؤولياتُ الحياة.
،،
أعتذِرُ لكَ يا
سيّدي..
أعتذِرُ لكَ عن طفولتي
التي مرّت بلا لونٍ.. ولا طعمٍ… ولا رائحة…
فما قرأتُ خطوط يديكَ جيّداً
،،
محاولةُ إخراج المرأة من أمومتِها، أو تشجيعُ تمرُّدها على أمومتِها هما من وسائلِ قتل أنوثتها، ومحاولةٌ أكيدة لشيطنتها..
،،
لا أعترفُ بثقافةٍ تُلغي دورَ الأمومة..
،،
أريدُ أن أضعَ عمري في صورةٍ يحتفظ بها أولادي وأحفادي، صورة طبق الأصل عني أرسمها بيدي قبل أن يرسمها غيري، فمن مشى الدربَ الطويلَ هو الأحقُّ بوصفه..
،،
الطفلُ العربيُّ هو الاستثمارُ الرابح الأكيد.. بقيّةُ استثماراتنا قابِلةٌ للربح والخسارة.
،،
ازرعْ طفلاً صحيحَ الجسد والروح.. وخذْ وطناً صحيح الجسد والروح.
،،
ليت للذاكرة مفتاحاً.. يستطيع به الإنسانُ أن يغلقَها لمدة شهر أو شهرين.
،،
في هذا العالَم المتخشِّبِ العواطف، النرجسيّ، الأناني.. تبقى الأمُّ هي ينبوع الحنان الذي نغتسِل بمياههِ.
،،
في العصر الذي تتضخَّم فيه عبادةُ الذات وعُقَد الأنانية والفردية.. لم يعد لدى الإنسان وقتٌ يمارس فيه أبوّته أو أمومته.
،،
الشعوبُ التي لا تهتمُّ بصناعة أطفالِها لا مستقبلَ لها.
،،
البناياتُ التي تبنى بالحب.. تزداد طوابقها ارتفاعاً مع الزمن.. وتزداد أساساتها قوة ومتانة..
،،
في هذا العالَمِ الماديّ الاستهلاكي، الراكضِ وراءَ منافعه وملذَّاته الأرضيّة.. تبقى الأمُّ هي الجزيرةَ الوحيدة التي تتعاطى زراعةَ الورد.
،،
ليتَ رجال السياسة يتعلّمون من أمهاتِهم كيف يمارسون الحكمَ بعدالة ورحمة وتجرُّد ومساواة..
،،
إذا لم يرضعِ الساسة الرجالُ حليبَ أمهاتهم جيداً، ولم يعرفوا الدفْء في أحضانهنّ.. فإنهم سيحكمون شعوبَهم بصورة شيطانية.
،،
الطفولةُ هي هذه الأرض الطيّبة التي يمكننا أن نزرعَ فيها كلّ الأحلام المستحيلة..
،،
الأطفالُ هم
الخيولُ الرابحة في سباق المسافات الطويلة..
4
ذاكرةٌ مُشتعلةٌ بالحنين
،،
أنا كشاعرةٍ حولي أهراماتٌ من المحرَّمات، وهناك من يصرخُ بوجهي: لا تقولي، لا تكتبي، لا تنشري، ولكن قدَري أن أكون امرأة غاضبة، وأن أمشيَ أمام القافلة، وأفضِّلُ أن أناطحَ الأهرامات حتى يدمى جبيني من أن أضع الكاميرا على كتفي وأتجوّل في وطني الكبير كالسياح..
،،
الإنسان هو المادة الأساسية لكل كتابة، وكل كتابة لا تنبع من الإنسان وتصب فيه هي عبث ومضيعة للوقت، ولابد للكاتب أن يتخذ موقفاً من قضايا العصر، وأن يكون مع الإنسان، وأن يكون ضدَّ الظلم وضد الابتزاز بكل أنواعه وإلا كان «شاهد ما شافش حاجة»!.
،،
كلما رأيتُ
عصفوراً يغنّي..
لمحتُ وجوه أصدقائي الذين غابوا مع الشمس!
،،
تعلّمتُ من الحزن
آداب البكاء
لكنه يريد أن ينتقل إلى الدرس الثاني
ليعلِّمَني آداب الموت!
،،
والنتيجةُ الطبيعية من هذا الصراع المصيري على امتلاك المعرفة أن عقل الإنسان سيصدأ لقلة الاستعمال، وعقلَ الكمبيوتر سيزدهر لكثرة الممارسة!
،،
أرجوك.. لا تخرجْ من دمي.. حتى لا أصابَ بفقر الدم.
،،
حلوٌ هذا السباق بين محرّكات الطائرة، ومحرّكات القلب!.. تنطفئ كل أضواء المطارات، ولا يبقى سوى أضواء عينيك البعيدتين!!
،،
تزدادُ سرعة الطائرة،
ويزدادُ شوقي إليك.. سرعة الطائرة وصلت
إلى النهاية.. وكذلك حنيني إليك.. أشعرُ بأنّ أشواقي تسبقُ الطائرة!
5
عبدالله المبارك
،،
شكراً لأنّك فينا ومعنا.. ومن غدِه الذي يطلع بفضل تعاليمه نتجدّد.
،،
المبدعون يُشبهون الأشجارَ الضخمة التي لا تتوقّفُ جذورها عن الامتداد، ولا أغصانُها عن النموّ، ولا أوراقُها عن التفتُّح.
،،
ولأنَّ عبدَالله كان شجرةً باسقةً في تراب الكويت، فلسوف نكون دائماً في انتظاره كلما جاء موسمُ الربيع.. وعادت أمواج العصافير.. وامتلأت الحقولُ بالورد والنرجس وشقائق النعمان.
،،
إنّه حصانٌ عربيٌّ أصيلٌ.. والخيول الأصيلة لا تشيخ..
،،
الرجال الممتلئون بالقضايا الكبيرة لا يذبُلون.. ولا ينحنُون.. ولا يقدّمون استقالتَهم للتاريخ.. إنّهم كالمنارات البحرية، تهدي المراكبَ الآتية، والمراكبَ التي سوف تأتي..
،،
كان مدرسةً في الأخلاق السياسية في زمن صارت فيه الأخلاقُ السياسية موضةً قديمة.
،،
أَحبَّ زوجي وطنَه حبّاً صوفياً، جعل من كلامِه عنه.. قصائدَ حبٍّ فيه.
،،
الحبُّ الصادق هو الذي يُهدي للصادقين هداياه.
،،
15 يونيو تمرُّ الذكرى السنوية لرحيل «آخرالسيوف» صديقِ العمر سمو الشيخ عبدالله مبارك الصباح رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان..
،،
سلاماً يا جبلاً
من الكبرياء…
سلاماً يا أيُّها الرجل الذي اختصرَ العالم.
،،
لم يكن حضورُ
صديقِ الزمن الجميل الشيخ عبدالله المبارك عابراً في الكويت والوطن العربيِّ..
فما زالتْ بصماتُه على الأرضِ وفي النفوسِ والقلوبُ تتحدَّث عنه.
،،
ساهم الشيخُ عبدالله مبارك الصباح في صناعة وطن جميل آمِنٍ، سابَقَ الزمنَ لينهضَ ببلاده ويقيمَ فيها مؤسسات المجتمع المدني.
،،
مدّ علاقاتِه في الخريطة العالمية، وكسب احترام الحكومات والشعوب، وأعطى للعروبة مكانةً خاصة، واعتمد في مراسلات الدولة عبارة (الكويت بلاد العرب).
،،
بعدما أدّى
المَهمَّة كاملة.. قرّر الشيخ عبدالله مبارك الصباح الابتعادَ بكل هدوء، واستقال
من جميع مناصبه..
لم يساومْ ولم يناورْ..
،،
التفتَ إلى أسرته وبنى في بيته وطناً جميلاً مكوّناً من زوجة مُحبّة وأبناءٍ وبناتٍ ربّاهم على الإسلامِ وحبّ العلم والعطاء للوطن والوفاء للإنسان.
،،
بصماتُك مازالت واضحةً في سماء الكويت أيُّها الرجل الكبير.. فـ «قدر الكبير بأن يظلّ كبيرا»
،،
ديوانية الشيخ عبد الله المبارك.. كانت هي المدرسةَ الأولى التي تعلمتُ فيها كلَّ صنوف المعرفة.
،،
هذه حالة جميلة
جداً أمرُّ بها.. تؤكّد لي أنّك أصبحت أكثرَ بكثيرٍ من حبيبٍ وزوج..
أكثرَ بكثير من وطن..
أكثرَ بكثير من انتماء…
،،
سلامٌ عليك أيُّها الملك.. سلامٌ عليك أيها الفارس.. سلامٌ عليك.. يا قصيدتي المكتوبة بماء الذهب.. ودم القلب
،،
تموتُ كلُّ الاتجاهات.. ولا يبقى سوى اتجاهك..
،،
هل هناك رجل تتبعُه الأزمنة حيثما ذهَب.. وتركضُ وراءه الأمكنة حيث تحرّك؟ نعم.. هذا الرجل هو أنت.
،،
إنّ مجرد التفكير بأنك لنا.. ومعنا في كلّ تفاصيل حياتِنا، يجعلُ العمر أقلَّ قسوة، ويعطينا القدرةَ على اختراع الورد والسنابلِ.. واللون الأخضر.
،،
هُم صادروا زمني.. فأصبحتَ أنتَ الزّمن.
،،
ذاكرتي لا تتذكّرُ رجلاً غيرَك، ولا تعرفُ من التاريخ.. غيرَ تاريخك.. ولا تعرف من الجغرافيا غير مساحةِ يديك!
،،
قل لي يا سيدي: ماذا أفعلُ بهذه التركة الثقيلة من الذكريات التي تركتَها على كتفيّ؟
،،
يا الذي لا يشبِه رجلاً ولا يشبِهُهُ رجل..
،،
يا سيد هذا
العالم.. أصبحتُ أستحيي منك إذا قلتُ لك:
«أحبك»، فهذا تعبير صغير جداً على رجل أصبح يحتلُّ مساحة الكون ويحتلني..
6
على أجنحة الحرية
،،
الصحافةُ.. هي النوافذُ الواسعة التي نطلُّ منها على العالم، ويطلُّ علينا العالمُ من خلالها.
،،
إن شعوبنا ناضجة، ولكنّ بعضَ أنظمتنا هي التي لا تزال في طَور المراهقة.
،،
العدلُ الاجتماعي قضيّة، والحرية قضيّة، والدفاعُ عن كرامة الإنسان قضيّة، فليس هناك كتابة لا قضيّة لها، أمّا الحب فهو قضيّة القضايا.
،،
يكادُ قلبي ينفرط
نجوماً من لؤلؤ
حين يضيقُ حزني بحزني.
،،
التعصُّب هو عدوُّ حرية الرأي..
،،
الكتابةُ عملٌ انقلابيٌّ يستهدِف تغييرَ الكون وتغييرَ الإنسان، وحين يتعلَّق الأمر بدولنا فإن الثورة بالكتابة ومِن داخل الكتابة تصبحُ حتميةً كالتغذية والتعليم والتصنيع والتسلح.
،،
العالَمُ الثالث لا يستطيع تحمُّل (الترف الكتابي)، لا يستطيعُ تحمُّل كتابةٍ غايتُها التجميل.
،،
العملُ الإبداعيُّ غيرُ منفصِل عن العمل الثوري، وكلُّ كلمة يزرعُها الكاتبُ على الورقِ يجب أن تكونَ لُغماً موقوتاً تحت قطار التخلّف.
،،
على الإنسانِ العربيّ أن يعرفَ ما له وما عليه، لا أن يمرّوا على كرامتِه كما يمرُّون على سَجّادةٍ عميقة.
،،
إن القيمةَ الأساسيّةَ للإنسان هي في قدرتِه على العطاءِ ومشاركةِ الآخرين في أفراحِهم وأحزانهم.
،،
ستخرجُ الحرية من
غياهب الزنزانات لتُعلِنَ ولادة الشمس.. وتنطلقَ الأصواتُ من فوق أسوار السجن:
حيَّ على الحرية..
حيَّ على الحرية..
هل يمكن لأحد أن يسجنَ الشمس؟
هل يمكن لأحد أن يحبسَ أمواجَ البحر في زجاجة؟
هل يمكن لأحد أن يُطفئَ نار البرق؟
،،
على الذين يحبسون البشر في زنزاناتهم كأسماك السردين أن يتذكَّروا أنَّ البحر عندما يغضبُ.. لن يقفَ في طريقه شيء.
،،
الصوتُ العالي يزعِجُ الآخرين ولا يُسمَع.
،،
بيتي مزيجٌ من الصحراء والبحر، وفي طبيعتي شيءٌ من شمسِ الصحراء ولهيبها، وشيءٌ من طموح البحر وحركته وعنفوانه.
،،
الحرّيةُ تحاول أنْ تصلَ بالسفينةِ إلى الشاطئ، والفوضى تحاولُ إغراق السفينة.
،،
إنَّ حتميةَ التحوُّل نحو الديمقراطية في الوطن العربي أمرٌ مفروغٌ منه، فمن نتائج الثورتين التكنولوجيةِ والسياسيةِ اللتين يعاصِرُهما عالمُنا يصبح من المستحيل تحويطُ نتائجهما بحيث تقتصرُ على شعب بذاتِه أو منطقةٍ بذاتها.
،،
إنّ الثورة التكنولوجية يمكن اعتبارها الضمانَ المقبل على انتقال الثورة السياسية العارمة التي ستدمِّر في طريقها الأنظمة والأيديولوجياتِ اللاديمقراطية وتؤكّد أنّه لا بديلَ عن الحرية الحقيقية.
،،
نحن ديمقراطيون؛ بدليلِ أننا نسألُ ونجيبُ دون رقيب سوى ضمائرِنا التي تحكُم أفعالَنا وأقوالَنا وأحلامَنا.
،،
أبكي كلَّما شعرتُ أنّ إنساناً يَسحَقُ حرّيةَ إنسانٍ آخر، وكلّما شعرت أنّ الديمقراطية في بلد ما أصبحتْ تتسوَّلُ على الرصيف.
،،
الحرّية رغيفُ خبز ساخن يقتسِمُه الرجلُ والمرأة.
،،
إنّني مع الحرية دون تحفُّظ، ولكنني مع الحرية المسؤولةِ لا حرية التخريب.
،،
الحرّية المسؤولة تحاولُ إيصال السفينة إلى شاطئ السلامة، وحرّية التخريبِ تحاول إغراقَ السفينة بمن فيها.
،،
حين دقّت قبضاتُ
أطفال الحجارة بابَ مَن طاردوا أهلَ الكهوفِ..
كانوا تحتَ أغطيتِهم الصوفيّة، يحلُمون..
وكانوا فوق وسائدِهم يشخرون..
،،
كلُّ شيء كان
بارداً كالموت.. وصامتاً كالمقابر..
لم يكن هناك زرع.. ولا ضَرع.. ولا شجر..
ولا قمر.. ولا مطر.
،،
كان هناك مشروعُ
أمّةٍ عربيةٍ.. تنتظر ولادتَها.
ومنذ سنتين.. حصلَ المخاض..
وبشّر اللهُ هذه الأمة العربّية الصابرةَ
بغلامٍ اسمه يحيى[1]..
،،
مهما طال ليلُ الانحطاط، ومهما امتدتِ الجاهلية الجديدة.. فإنّني مؤمنةٌ بأنّ زمن الورد قادم، وأنّ شمسَ الحرية لن تنطفِئَ، وأشجارَ الأملِ لنْ تيبَسَ.
،،
المعاصرةُ الاجتماعيّة هي أنْ نعيشَ المعقولَ دون قيود أو تفلُّت، نمارسَ حرياتِنا دون تبذُّل، ولنا صداقاتٌ تُغنينا وتعينُنا على اكتفاء جمالِ الحياة وروعتها.
،،
لا بدّ أن نخترعَ فجراً جديداً في هذه العتمة، ولا بد أن نزرعَ وروداً في الأرض المالحة.. ونكتبَ عن الحلم والحرية وإنْ كنا في أعماق البئر!
،،
الحرّية التي نطلبُها هي حرية البناء والإنجاز.. لا حريةَ التعطيل والتكسير..
،،
سوف أبقى دائماً.. أنتظرُ الورد الذي يطلع من تحت الخراب..!
،،
الحرّية يمكن أن تصحِّحَ دائماً ذاتها.. أمّا العبودية فهي قنٌّ (لا يسكنُه إلا الدجاج)..
،،
إذا كانت كل أنواع الحرّية على حقٍّ.. فهذا لا يعني أننا مع حرّية الانفلات، والتسيُّب والتخريب..
،،
كلُّ محاولة للنيلِ من حرّية الرأي.. محاولة فاشلة للخروج عن النص!
،،
ما أطولَ زمنَ
المحبوسين في زجاجة الأنظمة الفرديّة..
زمنُ الخشبِ.. لا يتقدّم، ولا يتأخّرُ، ولا يشيخ!!
7
الوردة السوداء
،،
الحزنُ وردةٌ سوداء هي أندرُ وأجمل وردة في العالم. وكلُّ أزهار العالم تبدو أزهاراً عادية واصطناعية أمامَ وردة الألم.
،،
إنني لا أعرف عملاً فنياً عظيماً لم يكن مضرّجاً بالدمع والفجيعة.
،،
الفرح زهرة من ورق لا رائحةَ لها، أما شجرة الحزن فهي دائمة التجدُّد.
،،
ونحنُ العربَ نولدُ على ضفاف الجرح ونموتُ على ضفاف الجرح.
،،
شعوري كسفينةٍ أتعبها الصراعُ مع الرياح والأمواج.
،،
تقلّصتْ خريطةُ
الفرح واتسعت خريطة الحزن، وصارت حدود الوطن عند المواطن العربيّ هي جوازُ السفر
الذي يسافر به.. وأصبحتْ درجة حرارة الفكر الوحدوي صفراً.
8
في جنة الحب
،،
الحبُّ بمفهومه الواسع كلمة سامية ومظلّة للحنان، فلنلجأْ إليها في زمننا المضطربِ لنكسرَ حدة الخلاف، فالمشاعرُ الإنسانية لا يمكن إلغاؤها بل تهذيبها.
،،
مازلتَ في عيني كما أنت، لكنّك في قلبي كبرتَ كثيراً.
،،
إذا كان الحبُّ
جَنّةً.. فلا مطلبَ لي إلا دخول جنتك…
وإذا كان الحبُّ استشهاداً.. فإنّني مستعدّة لأنْ استغنيَ عن حياتي في سبيل
حياتك..
،،
أنا مطارُ الجنون وأنتَ مطارُ الحكمةِ والهدوء والغفران، قلْ لبرج المراقبة يسمحْ لي بالهبوط.. لم يعدْ عندي وقودٌ يكفي للطيران حول مطارِك المُضْرِب عن الحب!
،،
شكراً لحبك..
الذي كشفَ عن بصري وبصيرتي…
إنّه الشرارةُ السماوية التي أضاءتْ ليلَنا..
يا الذي يحشرنُي في 45 سنتيمتراً من مساحة الشوق..
،،
ما أحلى اعتقالَك
بين الهدب والهدب.. وبين الشفتينِ..
ما أحلى احتلالَك من جهاتِك الأربعِ…
التصقْ بي أكثر لنسمعَ الأخبار…
،،
ادخلْ في حياتي أكثرَ وانعجنْ بيَ أكثر.. فأنتَ جزيرةُ
السلام الوحيدة التي بقيتْ في بحر
الجريمة والقتل والإرهاب.
،،
الجديدُ في
تفكيري ، أنّني لا أستطيع أن أتصورَمستقبلاً لا تكونُ فيه، ولا أستطيع أنْ أتعايشَ
مع مكان لا تكون موجوداً فيه..
بل لا أستطيع أن أحدّدَ خياراتي إلّا في حضورك…
،،
لم يعد عندي نشيد قوميُّ أغنّيه.. غير نشيدك.. لم يعد عندي مطامعُ إقليميّة سوى البكاء على كتفَيك..!
،،
يا صانعَ
طيّاراتِ الورق.. يا من تسافرُ من هاويةٍ إلى هاوية..
يا من تتسلّى بكسرِ وتجميعِ أجزائي
توقَّف قليلاً عن هوايتك الخطرة
،،
أيُّها الممثِّل الكبير الذي قتلَتْه نجوميتُه ليس لديّ أمل حتى في الحصول على توقيعكَ.. فأنا أصلُ دائماً بعد أن تسقطَ الستارةُ وتُطفأَ الأنوارُ وينصرفَ المتفرِّجونَ..
،،
أريدُ أن أتّكئَ على حنان كَلِماتِك حتى لا أبقى في العَرَاء.. وأريدُ أن أدخلَ في شرايينِ يَدَيكَ حتى لا أظلَّ في المنفى.
،،
لقد حاولتُ أكثرَ من مرّة أن أتخلّصَ منك.. ومنها.. ولكنني خجلتُ من بيع تاريخي.. وبيعِ مشاعري.. وبيعِ ضفائري في المزاد العلني!
،،
لستُ أفكِّر في تأديبِك أو تهذيبِك.. لو هذّبتَ الطفلَ الطائشَ فيك.. فماذا يبقى منك؟
،،
يا أيها المتدثِّرُ بعباءةِ الصمت.. لا وقارَ في حضرة الحب.. تغرغرْ باسمي.. واستولدْني طفلةً تلعب على ضفاف الفرح..
،،
هل يمكنُ لامرأةٍ أن تنتحرَ برسائلِ حبِّها؟ هل يمكنُ أن ترميَ بنفسها.. تحت عجلات الأحرفِ الساحرة.. والكلمات المجنونة؟!
،،
اكسرْ زجاجَ الوقت.. وتمدَّدْ على شواطئ العمر.. فبيني وبينك تاريخٌ لا يعرِفُ التكرار..
،،
لماذا يصبحُ العالَم دون مَعنى حين نفترق..؟ لماذا يصبحُ كلُّ مَن حولنا غرباءَ وابتساماتُهم من شمع.. وكلامُهم سقيماً مُملّاً..؟!
،،
طالما طرحتُ على نفسي أسئلةً طفوليّةً لا جوابَ لها: هل أنا حبيبتُك؟ أم أنا أمُّك؟ هل أنا مليكتُك أم مملوكتُك؟ هل أنا.. أنا؟ أم أنا أنتَ؟!
،،
أحبّك.. حتى التهوّرِ حتى التبخُّرِ.. حتى التقمُّصِ فيك.. وحتى فنائي!
،،
لا تؤاخذْ جنوني.. فإني بدائيّة النزواتِ.. وعشقي مثلي بدائي.
،،
صوتُك شالٌ من الصوف.. ألبِسُه في ليالي البردِ والصقيع.. صوتُك.. مظلّةٌ.. وغمامةٌ.
،،
ما الذي تتمنّاه العاشقةُ الطالعة على الدنيا أكثرَ من عاشقٍ تهربُ من عينيه إلى عينيه؟
،،
يا مَن يكتبُ قصائدَ العشق على تضاريس أيامي.. قلبي فاكهةٌ تنتظرُ القطاف.
،،
صوتُك.. بيتي..!
،،
أعتذرُ لك عن كل الرسائل التي كتبتُها إليك قبل ولادتي.. ولم أسلِّمها إليك.
،،
أعتذر لك عن كل سنتيمتر من شَعْري.. لم يدخلْ في قائمة ممتلكاتك.
،،
أزهارُ قلبي مستنفرَةٌ.. وطيوري، وأسماكي.. وأبراجُ فكري مستنفرَةٌ.. فترجلْ عن حصانك.. يا سيّدي وقاسمْني لحظاتِ الشِّعر ولحظاتِ الجنون!
،،
هل انتقلتْ إلينا المجاعة العاطفية الرهيبة، فأصبحْنا نبحثُ عن رغيف الحب.. فلا نجدُه؟
،،
أيّها المختبئ في أهْداب غمامة.. فلتهمرْ روعةَ أمطارك.. فأيّامي تتشقَّقُ عطشاً..
،،
مَن المسؤولُ عن هذا العصرِ الجليديِّ الذي دخلْنا فيه، فلا كلمةَ حبٍّ، ولا همسةَ شوقٍ ولا لمسةَ حنانٍ؟!
،،
أيّها المتآمر مع كتبي.. وأوراقي.. ورائحة القهوة ضدّي.. ليتك تأخذ إجازتَك..
،،
وما قيمةُ العشقِ يا سيّدي.. إذا لم يسافرْ ببحرِ الجُنون؟! الحب الكبير ليس مناقضاً للقيم العليا، والأخلاق.. إنّه حقٌّ مشروع لا يختلف عن حقّ الأمواج في التكسُّر، والرعود في التفجُّر، والعصافير في الغناء.
،،
مِرآتي أنتَ.. فما أجملَ وَجهي.
،،
أتوسَّلُ إليك.. ألّا تقفَ بين
مرآتي.. ووجهي!!
،،
أستحضِرُك في ذاكرتي مبلّلاً كالبنفسج، فيتساقطُ ذهب الشمس من صوتك، ويعلو صوتُ البلابل ويتحوّل الفجرُ الأنانيُّ إلى معرِض أزهار.
،،
لك الشكرُ يا سيّدي.. فمنكَ تعلمتُ كيف أثقّفُ ذوقي.. ومنك تعلمت كيف أثقّفُ عقلي وكيف يكونُ كلامي على مستواك.. وشكلي على مستواك..
،،
كيف أتفاهمُ مع هذه المدينة التي رأتْني دائماً أتعثَّرُ جانبَك كالحجَلة.. وأتعلّقُ كالتفاحة بذراعِك اليسرى.. وترفضُ الآن أنْ تعترِفَ بي وحدي!
،،
إذا كنتُ لا أستطيعُ أن أتسكَّعَ معك بغير هدفٍ.. فلماذا وُجدتِ الشوارع؟!
،،
عندما أودِّعُكَ في المطار ويغيبُ وجهُك في المجهول تنتشِرُ رائحةُ حنيني إليك، ويشمُّ الناسُ في قاعة المسافرين رائحةً غريبةً؛ رائحةَ امرأةٍ تحترِقُ!
،،
يطارِدُني حبُّك.. يطارِدُني فوق الماء، وتحت الماء، يختار نقاط الضعف في أنوثتي ويضرِبُني بلا هوادة.
،،
أنتَ يا أيُّها الغارقُ ببحر الصمت.. هل تسمحُ لسفينتي باختراقِ ميناء صمتِك؟
،،
هل تزعلُ عندما أقول لك إنّ الزمن الذي قضيْتَه قبلي هو زمن مسروق مني؟ هل تعرفُ أنني فكّرتُ أنْ أقيمَ عليك دعوى بتهمةِ أنّك كنتَ لغيري قبل أن ترتبطَ بي؟
،،
الزّمنُ لا يأخذ
شكله النهائيَّ..
إلا عندما يمرّ من بين أصابعك..
،،
أصرَخُ حتى
ينغرسَ صوتي بصوتِكْ
وتنغرسَ جذوري في ترابِك..
وأصبحَ جزءاً من دورتكَ الدمويَّة!
،،
من مئةِ عام..
وأنت تعيشُ في ذاكرتِي
كما لو كانتْ شَقَّتَكَ الخُصوصيّة!
،،
اخرُجْ من تحت
جِلْدي
حتّى أعيشَ حياتي بصورةٍ طبيعيَّة!
،،
ارسمْني على
صورتك..
فأنا لا أعترف بأيّة صورةٍ لي
لا تحملُ توقيعَك.
،،
لأنّكَ
تُحبُّني..
فإنَّ العالمَ صارَ أكبرَ..
والسّماءَ أوسعَ
والعصافيرَ أكثرَ حرّيّة
وأنا ألفَ مرّةٍ أجمل.
،،
أتغطّى بشراشفِ
صوتِك القمَريّ
كما تحتضنُ طفلةٌ لُعبتَها
في ليلةِ العيد..
،،
صوتُكَ مظلّةٌ..
وغمامةٌ..
وديوانُ شعر..
،،
أريدُ أن أصعدَ
إلى ظهر سفينتِك
التي لا تعترِفُ بالمرافئ..
ولا تعترِفُ بالجُزر..
ولا ترسو في أيِّ مكان.
،،
أريدُ أن أخبّئك
في فكري
عندما تشتدُّ الريح
وتعصفُ العاصفة
فإمّا أن أنجوَ معك..
وإمّا أن أغرقَ معك..
،،
أيها الغامض كالأساطير والمترجرِجُ كالزئبق.. ليس مُهمّاً أن تتجسّد، فأنا أمضغُك في أحلامي كحبّة الفاكهة فيسيلُ السُّكَّرُ على جدران ذاكرتي!
،،
هذه أنا من يومِ
أنْ عشقتُ
أشرعتي مفتوحةٌ
ضفائري مفتوحةٌ
أوردتي مفتوحةٌ
لا تقِفْ مرتبِكاً وذاهلاً
أمام إعصاري
إنّي امرأةٌ
ليس لما تُريدُه حُدود
،،
أنت وحدك تشغَلُني عنك فتابعْ رحلتك في الدورة الدموية، وحين تتوقّفُ عند القلب نادِني لأعرفَ أنّك وصلتَ إليه.. للمرّة الألفِ بعدَ الألفِ.. بعدَ الألفِ.
،،
«أُحبُّكَ»
أربعةُ أحرف فقط، تساوي كلّ الأبجديات، وكلّ الكتب، والمكتبات.
«أحبُّكَ» مكتوبة في كلّ مكان قبل أن تكون الكتابة.
،،
إن إبداعاتِك في
الحبّ شيء يتجاوزُ العقل.
كنتُ أتصوّرُ نفسي ملكةً على جميع مُدن الحب، ولكنّني اكتشفتُ أنني صفرٌ في الحب.
أنتَ عَزلتَني.. وأنزلتَني عن العرش.. وصادرتَ كل ممتلكاتي.
،،
أحبّك.. ولا
أستأذِنُك.. ولا أستشيرُك..
ولا أطلبُ من أيّ سلطة تأشيرةَ الدخول إليك..
فأنتَ البلادُ التي وُلِدْتُ فيها..
وأريدُ أن أموتَ على ترابِها
فهل تقبلُني لاجئةً سياسيّةً إلى عينيك؟
،،
طموحي، هو أن
أسمعَ في الهاتفِ صوتك..
عندما يسكُنني الحزن..
وَيُبكيني الضَجَر..
،،
يا سيدي يا الذي
دوماً يُعيدُ ترتيبَ أيامي
وتشكيل أنوثتي..
أريد أن أتكئ على حنانِ كَلِماتك
،،
الساعةُ تدقُّ
وأجراسُ أحزاني تدقُّ معها
ورياحُ الألب تنزعُ قُّبَّعةَ الصوفِ عن رأسي..
والثلجُ يحرقُني بناره.
وأنتَ تمرُّ في شراييني.
،،
مُشْكلتي معكَ،
لا عَلاقَة لها بقلبي
بل بذاكرتي…
هذه الذاكرةُ التي تحتلُّها احتلالاً قَسْريَّاً
منذُ مئةِ عام…
دُونَ رضايَ..
ودُونَ إرادتي..
ودُونَ أن يكونَ معَكَ عَقدٌ للإيجار…
،،
كيف أقتلعُكَ من
ذاكرتي
وأنت متشبّثٌ بها
كما تتشبثُ الشُّعَبُ المرجانية
بصخورِ البحر الأحمر؟..
،،
إنّني كنتُ في
بحر بلادي لؤلؤةً
ثم ألقاني الهوى بين يديكَ
فأنا الآن فتافيتُ امرأة..
،،
قلبكُ مَسْرحٌ مكتملُ المقاعد أيّها الرجُلُ الهاربُ من حقائبه وجوازِ سفرهِ.. أيُّها الهاربُ من كلِّ العناوين.. إنّني أُحبُّك..
،،
تعالَ أوقِّعْ معكَ اتفاقَ سلام، أستعيدُ به أيامي الواقعةَ تحت سلطتك.. وتستعيدُ أنت بموجبِه رائحتَك المسافرةَ تحت جِلْدي!
،،
تُؤوي عشّاقَ العالم، تعلِّمُهم أبجديّة الحبِّ، حتى صارَ الجندولُ باعترافِ مَن درسوا العشقَ فينسيا جامعةٍ أهمَّ من جامعةِ هارفرد.
،،
عِشقي لك ليس أعمى! إنّه حبٌّ مُبصرٌ، ولمّاحٌ، وحضاريٌّ جداً.. حبّي لك رؤيةٌ إنسانيّةٌ وجماليّةٌ وثقافيّةٌ وحضاريّةٌ.. فهو صادِقٌ في الزمانِ والمكانِ.
،،
عندما أحبُّك.. أتجاوزُ حدودَ العلاقة الخاصّةِ لأدخلَ في علاقةِ حبٍّ.. مع العالَمِ كلِّه!
،،
إنّني أحبُّك بكلّ عصبيّة البحر وحماقاتِه.. بكلّ جُنونِه وانقلاباتِه.. فلا تتضايقْ إذا كسرْتُ جدارَ وقارِك..!
،،
كيف أقولُ بأنّني أنثى.. إذا لم أخبِّئْكَ تحت الجفون!!
،،
لم أكنْ أعرِفُ
أنَّ الإنسانَ
يمكِنُ أن يعيشَ إذا قرأَ رسالةَ حُبّ..
ويمكنُ أن يموتَ إذا أعادَ قراءَتَها!!..
،،
طلبتُ وجهك..
لكنّ الجرسون لم يحضرْك لي
أصابعي العشرة تبحثُ عنك
وترفضُ أن تحمل إلى فمي الفنجان في غيابك..!
،،
خَـفّفْ ظُهورَك على شاشةِ ذاكرتي..
،،
يهاجِمني صوتُك في وحدتي كذئبٍ مشتعلِ العينين يتركُ جرحاً في الرقبة وجرحاً في الذاكرة وطعنةً في خاصرتي.
،،
أعتذرُ لك عن سنوات اليُتم العاطفيِّ.. التي عشتُها.. قبل أن تكون سيّدي.. وَمَليكِي.
،،
يا سيِّدي: لا تخشَ أمواجي.. ولا عواصفي.. ألا تُحبُّ امرأةً ليس لها سواحِل؟..
،،
إنّني لا ألومُكَ على كلّ هذا الخراب الجميل الذي أحدثتَهُ في حياتي، ولكنَّني.. ألومُ أمومَتي..!
،،
نحنُ العاشقانِ
اللّا ثالثَ لهما..
ننفخُ على الحجَر
فنحوّله إلى وردة
وننفخُ على الوردة
فنحوّلها إلى امرأة!
وننفخُ على المرأة..
فنحولّها إلى قصيدةِ شعر!
9
قَدَري أنْ أكتُب
،،
المطلوبُ من
الشاعر أن يقرأَ ويتعرَّفَ على التراثِ الشعريّ، وأنْ يُطلَّ على العالم من نافذة
الشعر عند الشعوبِ الأخرى، وأنْ يمُدَّ جسوراً إلى الثقافة المعاصرة مهما كان
لونُها أو جنسُها.
وعلى الفنانِ أنْ يفتحَ جميعَ حواسّه لاستقبالِ ثقافاتِ العالم المعاصرة، فهمُّ
الفنان هو همٌّ إنسانيٌّ، والمعاناةُ الإنسانيّةُ توحِّدُ وجدان الفنان.
،،
الكاتبُ هو
ترجمانُ عصره، ووجدانُ أمته، وهو الذي يلتقط الذبذباتِ النفسيّةَ والاجتماعيّة
والسياسيّة. والكاتبُ الذي
لا يُحس بحركةِ التاريخ مِن حولِه شاهِدُ زُورٍ.
،،
على الشاعرِ أن يوحِّد ضرباتِ قلبه مع ضرباتِ قلب الجمهور حتى يصبحَ الشاعرُ وجمهوره قطعة موسيقيّة واحدة.
،،
حين أكونُ على
المنبر تذوبُ المسافة بيني وبين الجمهور، وأصبحُ قطعة من لحمِهم ومن أعصابهم ومن
دورتهم الدموية. إنني أفرحُ بجمهوري كما تفرحُ السفُن العائدة إلى مينائها
للتزوُّد بالماء والحب.
والشاعر الذي يفقد البوصلة، ولا يتّجِهُ إلى ميناء الجمهور يبتلِعُه البحر.
،،
أنا وقصيدتي واحدٌ، ومن يرِدْ أن يعرفني فعليه أن يقرأ قصائدي.. أنا امرأة خليجيّة قدَرُها أن تكتبَ شعراً.. والشعرُ وحده هو جوازُ سفَري إلى العالم.
،،
لأنّني أكتبُ الشعر فإنني قادرة على كسر رتابة الأشياء ورتابةِ الزمن، بالخلْق، بالقصيدةِ أكسِرُ الروتينَ اليومي، وأهربُ من قبضة الكهف، وأؤسِّسُ مملكةً ديمقراطيةً تتمتَّعُ فيها النساءُ بحرّيةِ القول وحرّية الفكر.
،،
الشعرُ هوايتي التي رافقتْني، فهو الجدولُ الذي يريد أن يتدفقَ في كلِّ الاتجاهات. إنَّ العطاءَ حالة شعرية، وما دام الماءُ موجوداً في أعماقي فلماذا لا أرشُّ الدنيا بماء محبّتي، وأزرعُ أشجارَ الشِّعرِ في كلّ زاوية. إنّ كتابةَ الشعر ليست عملاً عبثياً أو لعبةً لغويةً، ولكنّها التزامٌ نحو الإنسانيّة وحركةٌ باتجاه الخيرِ والعدل والحرّية والمُثُل العليا.
،،
الشعرُ شمسُ هذه الدنيا وقلبُها، ولن تسقطَ دولةُ الشعر أمام دولةِ (المخابرات) أو دولة التكنولوجيا..
،،
القصائدُ التي لم أكتبْها أولادٌ.. أجلس في صالة القادمين لاستقبالهم، والقصائدُ المنشورة أولادٌ سافروا وتركوني بانتظار القادمين..
،،
لا توقيتَ للقصائد.. فهي تأتي متى تريد وتذهبُ متى تريد.
،،
يذهب الشعرُ
أحياناً في إجازة،
لكنّه فجأة يرسل لي Email، ويقول إنني قادم يا حبيبتي!
أفرِشُ له وجداني سجادةً حمراءَ.
،،
الشاعرُ اليومَ
هو عقلٌ موسوعيٌّ..
ولم تعدِ المعرفة بأوزان الخليلِ كافيةً لدخول القرنِ الواحد والعشرين.
،،
الشاعرُ دائماً على حقٍّ لأنه طفل، والأطفال لا يُعاقَبون بسبب خروجهم على القانون.
،،
شاعرُ اليوم هو جزءٌ من حركة الكون، وجزءٌ من العقل الكوزموبوليتاني، وجزءٌ من الكشوفاتِ الطبّية، وجزءٌ من الأقمار الصناعيّة والاستعداداتِ العسكرية لغزوِ العالم.
،،
قابلتُ بالشعر
كلَّ القُبح في حياتنا،
وكان الغزوُ أكثرَها بشاعةً وإيلاماً.
،،
حينَ تتراكمُ
المادّيات يختنِقُ الإنسان،
ولكن حينَ تتراكَمُ القصائدُ على الورق يبدأ الربيعُ الحقيقيُّ.
،،
الشعرُ يُشعِرني بالطمأنينة، وهو يعطيني امتيازاً لا يُعطيني إيّاه أيُّ شيء آخر.
،،
القصيدةُ لها
تكتيك غيرُ تكتيك الرواية..
فالروايةُ تحتلُّ النفس البشرية كجنود المشاة، والقصيدةُ تحتلُّها على طريقة
المظلّيين.
،،
يؤكِّد الشعر وجوده في الأدب، حين يكون صادقاً ويكونُ إلى جانب الإنسان.
،،
الشهرة هي مكافأة الشعبُ لمبدعيه، وهي مسؤوليةٌ والتزامٌ، والذي لا يحترم شهرتَه ينطفئُ نورُه كما ينطفئ نور الشمعة، فالخالدون من الشعراء هم الذين يتجاوزون عصرَهم إلى العصورِ الأخرى، ويكونُ تراثُهم مُلْكاً للإنسانيةِ جمعاء.
،،
الشِّعرُ الذي أُحِبُّه هو الشعر الذي يحمل لي الدهشةَ ويضيف إلى حياتي شيئاً جديداً.. هو الشعرُ الذي يطرحُ الأسئلة ويثير القلق.
،،
الكاتبُ / الشاعرُ هو ضميرُ أمته، فهو منتمٍ شاءَ أم أبى إلى قضية كبرى، ومنحازٌ إلى الحق والعدل والإنسانية..
،،
شِعرُ هذه الأيامِ «سوبر ماركت» كبيرٌ تتشابهُ فيه البضائعُ والماركاتُ والألوانُ وطريقةُ العرضِ، فلا يعرِف قارئ الشعر ماذا يشتري.
،،
كيف يأتي الشعر؟ لا جوابَ لهذا السؤالِ لأنَّ الشاعرَ عندما يداهِمُه بحرُ الشعر، يجِدُ نفسه غارقاً في البحر ولا يجدُ مفرّاً من حصار الماءِ له.
،،
الشعرُ بوليصةُ التأمين ضدَّ شيخوخةِ الأشياء وضدَّ جفاف الشجر وجفاف البشر.
،،
عندما نكتبُ الشعر فإننا ندافع عن أنفسنا ضدَّ الاندثار. إنّه الملح الذي نرشُّه على عواطفِنا حتى لا تتفسَّخ.
،،
القصيدةُ هي الرئة التي أتنفَس بها، وأنفّس بها عن همومي وأحزاني وحرائقي.. ولولا القصيدةُ لاختنقتُ منذ زمن.
،،
القصيدةُ هي وسيلتي للاحتجاج والصراخ وإدانةِ هذا العالم الغارقِ في ساديّته، ووحشيّته، وجرائمِه، والقصيدةُ هي صمامُ الأمانِ الذي يحميني من انفجاراتي الداخلية.
،،
لا يستطيعُ الشعرُ أنْ يبقى متفرِّجاً على هذه المسرحيةِ، ولا يمكنُ للشعر أن يرفعَ يدَه بالموافقةِ على نظام الرِّقِّ والسُّخرة المطبَّقِ على الشعب العربي، وعلى الاستفتاءاتِ الكاذبةِ والديمقراطياتِ الكاذبة والشعارات الكاذبةِ.
،،
أكتبُ وأكتبُ وحالةُ عدمِ الرِّضى ترافِقُني دائماً، فأنا دائماً أبحثُ عن القصيدة المستحيلة، أمَّا القصائدُ التي فرغتُ منها فإذا رأيتُها أتظاهرُ بأنّني لا أعرِفُها.
،،
الشِّعرُ هو هذا الوعاءُ الذي نسكُب فيه أحاسيسَنا ودموعَنا وانفعالاتِنا. هو دفتر المذكَّراتِ الذي نسجّل فيه دقائقَ حياتنا، وخلاصةَ عمرنا.
،،
لا يستطيعُ الشِّعر أن يكونَ شاهداً على البشاعة والعنف والقسوة والساديّة والشعوبيّة.
،،
لا يستطيعُ الشِّعر أن يخترعَ شمساً صناعية في هذا الضبابِ الرماديِّ، ولا أنْ يستخرجَ وردةً من هذه الأرضِ المالحة، ولا أنْ يرشَّ الوردَ على سيوف القتلة. لا يستطيعُ الشعر أن يرقصَ في هذه الجنازةِ العربيّة الطويلة على مدار أيّام الأسبوع.
،،
القصيدةُ هي اللغةُ المتحضّرة التي أتفاهَمُ بها مع الآخرينَ في زمنٍ سقطتْ فيه اللغات، وسُدّتِ الأبوابُ بين الإنسان والإنسان. والقصيدةُ هي دموعي السوداءُ التي تأخذُ على الورقِ شكلَ الحروف.
،،
الخَلْقُ الشعريُّ.. أقربُ صورةٍ لهذا العذاب هو عذابُ اللؤلؤة عندما تخرجُ من المحارة، وعذابُ البرعم في لحظة التشقُّق، وعذابُ الأمِّ في لحظة التكوين.
،،
أجمعُ في راحة يدي قصيدةَ الشعر ونظريةَ الاقتصاد، ومن نعمةِ الله عليَّ أنني أستطيعُ خلال دقائق أن أهربَ من صحراء المعادلات الاقتصادية إلى بساتينِ الشعر، ومن جفافِ الأرقام والخطوط البيانيّة إلى أنهار الجنان، ومن منطقِ الحساب وموضوعيته إلى جنون المشاعر والانفعالات.
،،
أمّا الكلماتُ التي لا تقولُ رأياً، ولا تعلنُ موقفاً، فهي ليستْ أكثرَ من قشور موز على ناصيةِ تاريخ الأدب.
،،
كلُّ إنسانٍ عربيٍّ مثقَّفٍ يجبُ أن يصرخَ بطريقته الخاصة.
،،
كلُّ إنسانٍ عربيٍّ مثقَّفٍ يجبُ أن يُطلقَ النارَ على عصور الانحطاط.
،،
أعطِني عصراً ذهبياً.. سأعطيك شعراً ذهبياً رائعاً، فالشعرُ لا ينفصِلُ أبداً عن الظرفِ السياسيِّ والقوميِّ والحضاريِّ للأمّة، فحين يكونُ العربُ أقوياءَ وعظماءَ ومتألِّقين يكون شعرُهم قوياً وعظيماً.
،،
ألجأُ إلى الشِّعرِ لأنّه يمنحنُي الدفءَ الإنسانيَّ الذي لا تمنحُه بقيةُ الأشياء.. فالأساورُ والثيابُ الفرنسيّة تعطينا فرحاً كاذباً ومؤقتاً.
،،
ألجأُ إلى الشِّعرِ لأتحرّرَ من الخوفِ الذي تشعرُ به الأنثى في هذه المنطقة. ألجأُ إليه لأنه يحميني ويقوّيني ويستمعُ بقلبٍ كبيرٍ إلى أسراري الصغيرة.
،،
شِعرُنا دخلَ في مرحلة الكسوف، يومَ دخل العرب مرحلةَ الكسوف.. فالشعرُ هو مرآتُنا التي نتمرّى بها، ففي العصور العظيمة كان هناك شعرٌ عظيمٌ، وفي عصور الانحطاط كان الشِّعر منحطّاً.
،،
شِعري هو عملٌ تحريضيٌّ باللغة لكسر الخرافة، ونزعِ الأختام الحمراء عن شفاهِ النساء العربيات.
،،
«الشعر».. مَلِكٌ.. لا أحد يستطيع أن يعزِلَه، أو يدبّرَ انقلاباً عليه..
،،
إنَّ الطمأنينةَ ليستْ من مطالب الشعر، والوصول الى المرافئ المعروفة لا يهمّني بقدْر ما يهمّني البحثُ عن المرافئ المستحيلة..
،،
إنَّ كلَّ قصيدةٍ لا تصدُم عصرَها، ولا تكسِره، ولا تعيد تركيبَه.. تتحوّل إلى إسطوانة مشروخة..
،،
الشّعر.. هو البساطُ السحريُّ الذي طِرْتُ به إلى متعة المجهول..
،،
.. والوطنُ العربيُّ ليس في حاجة إلى مزيد من المشعوذين والدجّالين ومسّاحي الجوخ ومرتزقة الشعر..
،،
الحياةُ أجملُ، وأنبلُ.. بالشّعر.
،،
كثُرَ الشعراءُ..
لكنَّ المشكلةَ ليست في كثرة الشعراء..
بل في هُلاميّة الهدف!
،،
أردأُ أنواعِ
الحبّ هو الحبّ الوسط..
وأجبنُ القصائد هي التي تُمسك العصا من الوسط..
،،
كلُّ إنسانٍ عربيٍّ يولَدُ وفي دمه جرثومةُ الشعر.. وربما كان الشعبُ العربيُّ هو الشعبَ الوحيدَ الذي تشكّلتْ أنسجته تشكيلاً شعرياً!
،،
الشعرُ هو مرآةُ الزمن الذي نعيشُه، والشاعر هو الضميرُ لما يحدُث في بلاده.
،،
الشعرُ في الأساس هو سلاحٌ تحريضيٌّ من أجل الثورة والعدل والحرية والمساواة.
،،
الحياةُ العربية بكلِّ أبعادها السياسية والقومية والاجتماعية والعاطفية، نجدُها مسجلة على شريط الشعر العربي.. فالشعرُ هو الخزانة التي أودعَ الإنسانُ العربي فيها كلَّ مشاعره وذكرياته وطموحاته وآماله، حتى استحقَّ أن يكون «ديوانَ العرب».
،،
عندما يزورُني مولاي الشعرُ تتحوّل غرفتي إلى أنقاض، وأتحوّل أنا إلى غَمامة بلون الورد..
،،
الشعرُ انفجار لا
توقيتَ له، فهو الذي يختار الزمان والمكان.. ولا يتقيّدُ بمواعيده أبداً.. إنه
ضيفٌ فوضويٌّ غريبُ الأطوار والطبائع؛ يعطيك موعداً في الكويت ثم ينتظرُك في
جنيف..
ويؤكّد أنه سيجيء في الصيف.. ثم لا يأتي إلّا مع موسم الثلوج والأمطار..
،،
الشعرُ هو آخرُ المطافِ عندما تضيقُ بي أسوارُ الدنيا، فالشعرُ الملجأ للحزن والفرح.
،،
عندما يأتي الشعر لا يحِقُّ لنا أنْ نسألَه: لماذا جئتَ؟ وكيف جئتَ ومن أين أتيتَ؟ مثل هذه الأسئلةِ يمكن أن تستجوب معظمَ الفنون والعلوم الأخرى.. أمّا الشعر فلا يمكنُ أن يُسأل: متى تخرُج القصيدةُ للوجود؟ لأنّه هو السلطة التي تفرض مراسيمَها على الشاعر..
،،
القصيدةُ تخرج من تشقُّقات الفكر وتشقُّقات الإنسان في اصطدامه اليوميِّ مع رموز التخلُّف والجاهلية.
،،
الشعرُ والطفولة
متلازمان..
ولأن الطفل لا يعترف بآدابِ السلوك والبروتوكلات والألقاب.. فإنَّ الشعرَ بدوره
يكرهُ الإقامةَ الجبريّة في معتقل الألقاب.. فكلُّ الألقاب الاجتماعية هي ملابسُ
تنكُّرية.
،،
أطلبُ من القصيدة في الدرجة الأولى أن تحرِّضَني، وتشعلَني، وتخضَّني، وتشبِهَني.. تكسرَني ثم تلملمَني، وتنقلَني إلى حالة اللا حالة، وتغيّر شرطيَ الإنساني. أمّا القصيدة التي تمرُّ كركّابِ الترانزيت في حياتي فلا أكترِثُ بها.. لكنّني لا أشترطُ على القصيدة شكلاً محدداً لأنَّ الجمال فوق الأشكال والأطر.
،،
كلُّنا مررنا بمرحلة الشعر العموديّ في مراحل متقدمة ثم حاولنا الانقلاب، حتى أساتذتُنا، لكنّ الهرب من الذاكرة لم يكن نهائياً. إنّ الشكلَ صديقي.. أذهبُ إلى لقائه كلّما اشتقتُ إليه، وقد لا أزورُه لمدّة طويلة، فلا هو يعاتِبُني إذا تغيّبتُ، ولا أنا أستطيعُ أن أنقطعَ عنه انقطاعاً نهائياً. إنَّ الشكلَ صديقٌ جيّد يفهم مشكلاتي وظروفي، كما أنّه يتفهّم متطلباتِ العصر.
،،
أحسنُ ما يفعله الشاعرُ هو أن يكتب شعراً، هذه مَهمَّتُه الأساسيّةُ، وليستْ مهمته أن يفسّرَ أو ينظّر أو يشرح. فلذلك تبدو كلُّ الأسئلة حول الشعر هوامشَ على جوهر الشعر، فالشعرُ هو جنوننا الجميل.
،،
الشعرُ هو الذي اختارَني ولستُ أنا التي اخترتُ الشعر.
،،
إنّ كوني من (عائلة حاكمة) لا يعطيني امتيازاً ثقافياً أو شعرياً. فالعائلةُ تعطيك جواز سفر تسافِر به حولَ العالم، ولكنها لا تعطيك الموهبةَ التي تسافِر بها في وجدان الآخرين.
،،
الشعر محاولةٌ لتغيير العالم وجعلِ الإنسان يستحقُّ إنسانيته.
،،
كلُّ شاعر مزروع شاء أم أبى في رحم التاريخ والأرض، ولا يستطيعُ أن ينفصلَ عن موروثه التاريخي والثقافي والاجتماعي والقومي، فهو بلا وعي ملتزم بقضايا عصره ومتفاعل مع كل الهزّاتِ السياسيةِ التي تنفجِرُ حوله.
،،
القصيدةُ السياسيّة لها دورٌ رئيسي في التحريض والتوعية وإشعال الغضب الشعبي، ورغم أن الجماهيرَ العربيّةَ حزينةٌ ومكسورةٌ.. ورغم أنّها أصيبتْ بموت الأحاسيس من بشاعة ما كان يحدثُ على المسرح السياسي، لكنّ القصيدة الجيدة لم تفقد دورها.
،،
لم تأكلِ الثورةُ الصناعية في القرنِ الثامنَ عشرَ في أوروبا الشعرَ ولا الشعراءَ، بدليلِ أنّه بعد الثورة الصناعية جاء بودلير، فاليري، راجو، أراغون، ت. س. إليوت وغيرُهم. ولا أظنُّ أن ثورة التكنولوجيا بكل ما أوتيتْ من قوة تستطيعُ أن تكتبَ شعراً على طريقة مجنون ليلى.
،،
أيُّ شاعر أو أيُّ عمل فني يُسقِط من حسابه الجمهور يتحوّل إلى كرة عائمة في فراغ، فالجمهورُ أولاً وأخيراً، هو الصوت والصدى.
،،
الشِّعرُ هو أقدم
الاكتشافات لتحرير الإنسان والدفاعِ عنه، ومَهمّتُه في هذا العصر وكلِّ عصر أن
يكونَ حليفَ الإنسان في نضاله من أجلِ التحرر من كلِّ أنواع القمع والابتزازِ والعبودية
الجسدية والفكرية.
10
على مشارف الوطن
،،
الكويتُ وردةُ البحر المعرِّشةُ على أضلاع القلب.
،،
إنَّ وقوفي مع
الدول العربية في أزمتِها هو الموقفُ الطبيعيُّ الذي يقِفُه كلُّ من يكتبون..
وأعتقدُ أنّني أملِكُ الشجاعةَ الكافية لأقول كلمتي مهما كانتْ نتائجُها..
،،
أرتدي الأسوَدَ وأخرجُ، وحدي والكويتُ في عباءة صراخِها المؤجَّل تنتظر الولادة.
،،
الانتماءُ للوطن هو انتماء إلى أرضٍ وتاريخٍ وقضيةٍ، فوطني الذي أعطاني اسمي وهويّتي وكياني. لا أستأذِنُ أحداً عندما أرسم مواقفي وأختار خطي الكتابي، فلي حبيبان أتغزَّلُ بهما؛ هما وطني وزوجي.
،،
كم كنتُ أتمنى أن يساعدَنا النفط على تأسيس حضارة تقومُ على العقل والتخطيط العلمي للمستقبل، ولكنّ هذا لم يحدث، فقد جاءَ النفطُ وأوشكَ على الذهاب دون أن يلامِسَ سوى قشرتنا الخارجية. لقد لعبنا بالنفط ولم نوظِّفْه لخدمة مؤسسات العقل وإرساء دعائم المستقبل.
،،
وحُزني وطنٌ له مساحةُ الكونِ.
،،
كان بإمكانِنا أن نقومَ بثورة على صعيد التصنيع، والتحديث، وتشجيعِ البحث العلمي، واستيرادِ الخبراتِ العالميّة بدلاً من إغراق السوقِ بالمنتجات الاستهلاكية.
،،
كان بإمكاننا أن نؤسّس للأجيال القادمة كياناً عقلانياً علمياً يواجهون به عالم الغد، بدلاً من أن نترك لهم أرصدةً مصرفيّة تأكلُها النار.
،،
كان انبثاقُ النفط في أرضنا فرصةً ذهبية لدخولنا عصرَ الكشوفات العلمية، لكننا تفرّجنا عليه كما نتفرّج على أي مسلسل تلفزيوني.
،،
سوف نعمِّرُ الكويتَ بحجارة العقلِ والعلمِ والحداثة، ولن ننسى طبعاً أن نكونَ مؤمنين.. أقوياء..
،،
نحنُ المسؤولون عن إلغاء فكرة الوطن والوطنيّة في نفوس الشعب، فالوطنُ ليس مفهوماً تجريدياً، ولا نشيداً مدرسياً، ولا طابعاً بريدياً، ولا برنامجاً إذاعياً، ولا مسلسلاً تلفزيونياً، ولا استعراضاً عسكرياً.
،،
سيطلعُ وردٌ من تحت الخرابِ
،،
الوطنُ هو علاقة عضويّة وإنسانيّة وتاريخيّة بين حاكم ومحكوم، علاقةٌ متكافئة يحكمها العدلُ، والاحترامُ، والمساواة، والطمأنينة الروحيّة والجسديّة. وحين يسقط العدل، وتنعدِمُ المساواة وتنهار الطمأنينة، ويصبحُ القمع سيّدَ الأحكام، والمسدّس أساسَ الحكم.. تصيرُ الديمقراطية برنامجاً تلفزيونياً يذاع كل ليلة.
،،
مَنِ المسؤولُ عن
هذه الأدمغة التي تضخُّ معارفَها في أرضٍ غيرِ أرضها، وتحت سماءٍ غيرِ سمائها، وفي
بحارٍ غيرِ بحارها؟
من المسؤولُ عن هذه الشبيبةِ العربية التي تكبر تحت السماواتِ الرمادية، من دون
طفولة.. ولا تاريخ.. ولا ذكريات.. ولا لغة؟
من المسؤولُ عن هذه الأجيال اللامنتمية إلى وطنٍ أو تراثٍ أو عقيدةٍ؟
من المسؤولُ عن هذا كلِّه؟
نحن العربُ.. لأننا نريدُ وطناً بغير مواطنين.. ونريدُ سلطةً بلا معارضين.. ونريدُ
صحافة بلا صحافيين..
ونريدُ فكراً بلا مفكرين..
،،
الأشياءُ الجميلة لا عمرَ لها، وأشجار النخيل قد تأخذ قيلولةً قصيرة، ولكنّها لا تلبثُ أن تنفجرَ رحيقاً وسكّراً ورطباً جَنِيّاً مع بدايات الصيف.
،،
الوطنُ ليس مصطلحاً جغرافياً يتشكَّلُ من أرض وبحر، ولكنّه عمق روحيّ يمتد في داخل الإنسان وفي داخل التاريخ.
،،
الوطنُ جعل مِن قلبِه مزاراً لأولاده الذين أدمنوا عشقَه.
،،
كلّما حالفَني الحظُّ وحطَّتْ قدمي على هذه الأرض الكويتية التي يظلِّلُها علمُ وطني، يكبُرُ قلبي لما تقدّمه من خدمة على المستوى العمليّ والإنسانيّ.. وتمطِرُ نفسي ألماً على ما يكبِّلُها من عوائق.
،،
الخطوطُ الجوّيةُ الكويتيّة لها في قلبي مكانةٌ خاصّة.. كبرُنا معها، وتهتزُّ قلوبُنا كلما رأينا طائراتِها في المطارات الدولية..
،،
إنّها الكويتُ التي تملأُ المسافاتِ بينَ السماءِ والأرضِ وتحمِلُنا في رحمِها.
،،
أنا امرأةٌ تحاوِلُ أنْ تعمِّرَ بالكلمات كوناً يتسّعُ لسكنى ملايين البشر، بصرف النظر عن ألوانهم، وأعمارهم، وجنسياتهم.
،،
أنا امرأة عربية تريدُ أن تعيدَ لعقل الأنثى اعتبارَه، بعد عصور من التعتيم كان فيها هذا العقلُ ملفوفاً بالقطن، ومحجوراً عليه، ومرمياً على رفوف النسيان.
،،
وجْهُ الوطن اليوم هو وجعُ الأرواح المغتربة عن بيتها والهاربة من غربةٍ أخرى بدت مخيفةً في مسقط الرأس..
،،
وجْهُ الوطنِ كوجْهِ الإنسان.. تُغيِّرُه ظروف الزمان، وتقلبات الأيام.. وتتركُ عليه الأحزانُ بصماتِها العميقةَ..
،،
في هذا الزمنِ
العربي النموذجي في بشاعتِه
.. أصبحتِ الخريطةُ العربية كلُّها
معروضةً في المزاد العلني!!
،،
في زمن التسلُّح بالأرقامِ والمعرفة نحتاجُ إلى مزيدٍ من العقل والبصيرة والموضوعيّة في عالم عربيٍّ هُلاميٍّ سرقَ منا السلام وجعلنا جرحاً يمشي على أرض الوجع.
،،
لا بدّ من الوحدةِ وإنْ طالَ الألم..
،،
لماذا لا تكونُ
المصالحةُ العربية بوضوحها ونُبْلِها ممكنةً؟
لا نريدُ مصالحاتٍ عبارةً عن لقاءات تلفزيونيّة تبدأ بالأحضانِ وتنتهي بالطعنات!
،،
التاريخُ مُلْكُ من صنعوه، لا مُلكُ من يجلسون في المقاعد الخلفية ويتفرّجون على حركة التاريخ بالنظّارات المكبّرة!
،،
نحن وحدَنا نقرِّرُ صِفتنا، نحنُ وحدنا الذين نختارُ مصيرَنا..
،،
مؤمنةٌ بالله ثم بأنَّ في الأمّة العربية طاقاتٍ سوف تعبُر جسرَ الخنوعِ إلى ذروة الكرامةِ مخلّفة وراءَها ذكرياتِ المرارة..
،،
التجاربُ الحارقة التي مررنا بها يجبُ أن تدفعَنا لنفكّر تفكيراً جديداً، ونواجِهَ العالم بعقل جديد..
،،
لنمنعَ القطارَ العربي من سقوطٍ في الهاوية لا بدّ أن نفتحَ النوافذ للرّكاب الذين لا يعرفون أينَ يتجهون، وفي أيّ محطّة ينزِلون!
،،
ما أشقى الوطن الذي لا يجد ورقة يكتب عليها.. أو دواةَ حبْرٍ يسافر في موجها الأزرق..
،،
لأنّ الذاكرةَ القوميّة «صفر» أشبهُ بغربالٍ واسع، مرَّ جميعُ أبطالِنا التاريخيينَ منذ صلاح الدين من ثقوبِ الغربال، وظلّ الحصى والقشُّ على وجه الغربال!
،،
النصرُ في
المعركة.. بطولةٌ
وصناعةُ السلام.. بطولةٌ
كلَّ عام وأمّةُ الويلات والدموع أكثرُ قوّةً وفرحاً.
،،
نتأمَّلُ أوضاعَ
العرب، ونستدعي ملامحَ الأرضِ الحُبلى بالنفايات السياسية، فيحتارُالإنسان:
أيُّ موقع نظيف يقفُ عليه، وهو بين كمّاشة: واقعٍ رديءٍ وحلمٍ مستحيل؟
،،
أصبح العالمُ يقول لنا: هذه مائدةُ لحم أخيك.. تفضّل شاركْنا لُقمةً من كَبِده!
،،
لم يعُدِ المطلوبُ هو الاعترافَ بحقِّ القاتل في القتل فحسب.. بل أصبحَ المطلوبُ هو مكافأتَه على جريمته!
،،
الأمّة العربية
مليئةٌ بالمواهب ولنْ تتوقف عن ولادة المبدعين..
اللؤلؤ ما زال مخبوءاً داخلَ الإنسان العربيّ.. فقط ينتظِرُ من يكتشِفُه ويصقلُه
ويُطلِقُ سراحه.
،،
بينما كنا نستعِدُّ لركوب طائرةِ القرن الجديد.. أرغمونا على ركوبِ القطار المتّجِه إلى القرونِ الوسطى..!!
،،
بعد أنْ كانَ العقلُ العربيُّ عقلاً تأسيسياً تكوينياً ينظر للأمور بكلّيّاتها، أصبحَ يهرُبُ من التفكير العلمي لينخرطَ بمعاركَ جانبيّةٍ، المنتصرُ فيها مهزومٌ.
،،
لا بدَّ أن تكونَ لنا فلسفةٌ تحدِّد المعطياتِ والأساليبَ والقنواتِ الموصلةَ لإثبات هويتنا وجدارتِنا بالحياة!
،،
لا أحتقِرُ أحداً، لكنّي لا أعودُ أبداً لقراءة كاتب يغشُّني أو يكذبُ عليّ..
،،
الوطنُ العربيُّ.. مسرحيةٌ من مسرح اللامعقول.. ليسَ لها سياقٌ.. ولا موضوع.. ولا ينظِّمها منطق..!
،،
أكتبُ عن بحرِ الكويت.. ورملِ الكويت وأطفالِ وشِيب الكويت.. يا وطني المغسول.. بماء الورد وعطرِ الياسمين.
،،
أهمُّ ما في
وطنِنا هو ناسُه الطيبون..
هو هذه الأيدي التي يُمسك بعضها ببعضٍ.. وهذه الشفاهُ التي تضحك معاً، وتبكي
معاً..
،،
سمّيتُك الأمل..
ياجرحاً في خاصرة الزمن
سميتك الأطفال حين يولدون، والريح والبرق والأمطار
سميتك السفينة والبحر والمرافئ
سميتك الوطن..
،،
نحـنُ العـربَ جميعاً من طينة واحدة، وأمٍّ واحدة، ورثْنا عنها الانفعالَ السريع، والغضبَ السريع، والرّضا السريع.
،،
إنَّ الكويتيين القُدامى الذين صارعوا البحرَ، وانتصروا عليه، يجبُ أن يكونوا قدوةً للأجيال الكويتيّة الطالعة.. بحيثُ يستمِرُّ الحلمُ الكويتيُّ الكبيرُ.
،،
إنَّ الوطن، أيَّ وطن، يزدادُ وسامة وجمالاً بقدْر ما يعاني.. وبقدْر ما يجابِهُ.. وبقدر ما ينزف..
،،
إنّني أدخلُ
الوطن، وأنا ملتفّة بعباءة من الكبرياءِ لم ألبسْ مثلها في حياتي.
أدخلُه بخشوعٍ ورهبة، كمن يدخُل إلى دير.. أو إلى معبَدٍ ليمارسَ طقوسَ الحبِّ
وطقوسَ الانتماء للتاريخ.
،،
كلّما أبصرتُ هذا
الوطن الممتدَّ
بين القَهْر والقَهْر.. بكيت
كلّما حدّقتُ في خارطة الأمسِ
وفي خارطةِ اليوم..
بَكَيت..
،،
الكويتُ.. هي قبل
كلِّ شيءٍ رحمٌ تكوّنا جميعاً داخل جدرانِه الدافئة..
وشجرةٌ طيّبة أكلْنا منها أطيبَ الثمار..
،،
الكويتُ بنايةٌ
ارتفعتْ بحجارة الحب..
وبسواعدِ الكويتيين وعرقِهم، ودموعِهم،
وضوءِ عُيونهم.
،،
الدول العربيّة القليلةُ التي تكرَّمتْ على المرأة ببعضِ الحقوق السياسية إنّما فعلتْ ذلك كجزءٍ من ديكور الحكم..!
،،
إنَّ الحرية هي إرادتُنا الكبيرةُ في الكويت، وبفضلها استطعْنا أن نقاومَ غزوَ الغزاة.. ونكسرَ سلاسلَ الحديد في أرجلنا..
،،
إنّني أحمِلُ أحزاني إلى مصرَ، لأنّها أكثرُ البلاد فَهماً لطبيعةِ الحزن.. وأحمِلُ إليها مدامعي، لأنّها تعرفُ جيداً من أين تأتي الدموع.
،،
كان «عبد الناصر» كبيراً كالمسافات، مضيئاً كالمنارات، جديداً كالنّبوءات، عميقَ الصوتِ كالكُهّان.. وكان في عينيه برقٌ دائمٌ يشبِهُ ما تقوله النيرانُ للنيران..!
،،
الحوريّاتُ كما
قرأْتُ في الأساطيرِ، يُتْقِنَّ لُعبةَ الضوءِ والماءِ.. ويُفتِّشْنَ في داخلِ
الأصْدَافِ عَنْ زهرةِ الحُبِّ..
يندر أن تَرى واحدةً منهن تخرجُ من البحر وفي يدِها كِتاب.
،،
منذُ طفولتي وأنا أحلُمُ بلقاءِ حوريّةٍ جميلةٍ ومثقّفَةٍ، حتّى التقيتُ البحرينَ..
،،
الحوريّة الوحيدةُ التي فاجأَتنِي وفي يدها رُزمة أوراق زرقاءُ ودواوينُ شعر.. هي البحرين.
،،
البحرين هي أوَّلُ حُوريةٍ تهتمُّ بتكوينِها الفكرِيِّ. والوطنُ العربيُّ، الغارقُ في جهلِهِ وجاهليّتِه، بحاجةٍ إلى هذا النوعِ مِنَ الحُوريّات.
،،
لأنّ الوطنَ هو
سيّارة الذكور فقط.. فإنّ حوادثَ الطرقات لا تنتهي..!
11
حقيبة سفر
،،
السَّفَرُ في قلب الحضاراتِ.. وفي عُمقِ التاريخِ والجغرافيا، علَّمَني ما لا أعلم..
،،
السّفر كتابٌ بآلاف الصفحات يُغْني عقل الإنسان، ويزيدُ من شمولية ثقافتِه.
،،
كلُّ ما أستطيعُ أن أقولَه هو أنّ ذاكرتي الثقافية كانتْ ثمرة من ثمراتِ الرحيل، وملامسةِ الشعوب والحضارات المتعدّدة، وأستطيعُ أن أقول بفخر إنّني عانقتُ الكون، ولم أكنْ في يوم من الأيام فراشةً محنَّطةً على حائط.
،،
لم أكنْ في رحلاتي الكثيرة مجرَّدَ سائحةٍ تتفرّج، ولكنّني كنتُ امرأةً كويتيةً تريدُ أن تتعلَّم.
،،
هناك غُربتانِ: غربةُ النفس، وغربةُ الجسد، فغربةُ المكان أو تغييرُ العنوان أو الأصدقاء لا يُسمّى في نظري غربة.. لأنَّ الاغترابَ الحقيقيَّ في دواخلنا، فالمواطنُ الذي حكمت عليه ظروفُه بالحرمان من حرّية الحوار هو الذي يستطيعُ أن يصفَ لنا ما هو المنفى الداخليّ ويصفُ لنا عذاباتِه. إنّ المنفى الداخليّ هو منفاي الحقيقي.. وأنا لا أخترِعُه، وكثيرون مثلي، لأنَّ دموعَ الإنسانِ لا تُخترَع.. وأحزانُه لا تُصنع.
،،
ولأنّني أصبحت أرى الأشياءَ بشكلٍ أوضح، ولأنّ ثقافتي زرعتْني في قلبِ هذا العالم، وأتاحتْ لي أن أعرِف قضايا الناس وأتعاطف معها، فقد كان من الطبيعيِّ أن أوظِّفَ ثقافتي ككاتبةٍ في صناعةِ الإنسان الجديدِ والنضال على كل المستويات من أجل صياغة المستقبل العربيّ صياغةً جديدةً.
،،
أحبُّ الأمكنةَ
التي لا تُشعرني بالغربة..
أبحثُ دائماً عن زاوية من الأرض أشمُّ فيها رائحةَ التراب، ورائحةَ الإنسان..
لأتدفّأ بنار التاريخ..
،،
هاربون من الوله الذي يستوطن ضفة العينين
في ليل المدن الملون بنفايات الحضارة!
،،
لا أتحمَّسُ لسفن
لا تضرِبُها الرياح، فهي سفنٌ من ورق..
ولا للبحار التي لا تغضَبُ ولا تصيبُني بالدوار…
أنا مع السفُن المجنونة التي لا تعرِف من أين وإلى أين!
،،
الحزنُ نباتٌ داخلي يتكاثف ويتسلّق ويتوالد، إنّه غابة من المشاعرِ لا يعرِفُ خطَّ طريقها إلا من راقبَها وهي تكبُر داخلَه كأشجار الغابات.
،،
كلُّ فعلٍ إنسانيٍّ يحمل مشكلة أو يؤدّي إلى مشكلة.
،،
الوطنُ العربي
واقِفٌ على سجّادة تحترق، وهو لا يرى الحريق ولا يشمُّ الدخانَ..
البحرُ أيضاً يحترقُ، والإنسانُ يحترق، ولا أحدَ يشمُّ رائحة اللحم البشري
المتفحّم!
،،
أكثرُ الأزمنةِ بشاعةً.. هي الأزمنةُ التي يفقِدُ فيها المطعونُ قدرتَه على الصُّراخ!
،،
الوقتُ هو بوصلة يحرّكها الإنسان بيديه ووفْقَ إرادته وطموحه، فالوقتُ في يد الكسول وقت ميت ومكسور، في حين إن الوقت في يد أصحابِ الطموح والرؤيا هو وقت متجدّد وواعد.
،،
الوقتُ هو مرآة
صاحبه يعكس شخصيتَه وقدرتَه على العطاء. وأنا امرأة لا تستطيع أن تدور في قوقعة
الزمن المتشابه، ولا أن تتأرجحَ بين التفاهة والفراغ.
12
مرافئ
،،
جُمهوري هو بوصلتي التي تدلُّني على الطريق، وهو مرآتي التي أرى بها وجهي، وهو الذي يُعطيني القوّة والسّندَ لأتابع المسيرة.
،،
الجمهورُ هو الترمومتر الذي أقيسُ به حرارةَ القصيدة، فلا يوجد شاعرٌ من دون جمهور.
،،
إنَّ وظيفةَ
الشاعر الأولى أن يكتب..
أما ما سيحدثُ بعد ذلك فتقرِّرُه الجماهير.. وتاريخُ الأدب.
،،
القارئُ الحقيقي لا يكتفي بنبعٍ واحدٍ، ولا يتوقَّفُ عند شجرة واحدة..
،،
«التواضعُ» شرطٌ إنسانيٌّ للتفاهم مع الحياة والتصالح معها، أمّا «العجرفة والتشاوف والاستعلاء» فتقطع جذورَنا مع الأحباء وتطمرُنا تحت صقيعِ العزلة!
،،
عندما يكون وجودُك مرتبطاً بغاية، يكونُ الحديث عن التعب والراحة ترفاً لا يُحتمل..
،،
ركوبُ موجةِ القيم النبيلة للوصولِ إلى مصالحَ شخصيةٍ يجرحُ جمالَ القيم، ويشوّه براءة الفكرة!
،،
بدويّةٌ أنا أختزنُ في ذاكرتي عصوراً من القهر.. ويختبئُ تحت جلدي ملايينُ الشموس
،،
بنزعته
الاستعمارية..
يستولي على محاصيلِ المرأة..
ويعرضُها في المزاد العلني!!
13
المرأة.. وطن
،،
ثمّة نساء لا يرغبنْ في مغادرة السجن.. ويخفْنَ مواجهةَ شمسِ الحرية!!
،،
المرأةُ العربيةُ مغلوبَةٌ على أمرها، والأوطانُ مغلوبةٌ على أمرِها، فالتشابهُ بالحزن والقهر والاستلاب بين معاناة المرأة ومعاناة الوطن جعلَني أضعُ القضيتين في ملفٍّ واحد أثناء مُرافعتي.
،،
تكتبُ المرأةُ كي تعيدَ العدالة إلى نصابها، وتعيدَ توزيع الأراضي الثقافية، وتكونَ حارسةً على أفكارها وتطرحَ قضيّتها من دون وسطاء أو وكلاء..
،،
هناك كسلٌ تاريخيٌ لدى المرأة جعلها تخسرُ قضيتها، وجعل الرجلَ يسحب السجادة من تحت قدميها..
،،
كنتُ أدعو المرأة العربية لرفض العقليّة الذكورية والخروج عليها، لكنها اليوم مدعوّة للثورة على ذاتها لتخرج من قارورةِ العطر التي حَبسَتْ فيها نفسَها.
،،
المرأةُ العربية اليوم ليست مدعوّةً للثورة على غيرها بقدر ما تحتاجُ من ثورة على نفسها، وما لم تحققِ انتصاراً على الذات فكلُّ انتصار آخرَ يبدو باهتاً!
،،
وعندما دعوت إلى تحرير فكر المرأة، كنت أدعو دائماً إلى تحرُّر الرجل من عقده التاريخية ومن فكره الاستبدادي..
،،
أحدُ أهم أسباب الخراب الشامل في مجتمعاتنا المسكينة غيابُ قطعة المحرك الذي يصنع طاقة الأمة وإمكانيّاتها.. تلك القطعة هي عقلُ المرأة!
،،
لا يمكنُ القولُ إنَّ عمل المرأة نوع من «الرفاهية» بقدر ما هو حاجةٌ يُمليها الواجب الوطني.
،،
هل تستطيعُ امرأةٌ أن تتمنّى حُجْرةً صغيرةً في زمن الإقطاع أو أن تقولَ رأيَها أو أن تبوحَ باسمِ من تحبّه من غيرِ أن تأكلَها الضباع؟!
،،
الرجلُ يكتبُ في أوقاتِ فراغِهِ والمرأة تكتبُ في أيّام خُصوبَتِها واحتشادِها بالبروقْ.. والفاكهة الاستوائيّة!
،،
ليست لدي عقدٌ ضد الرجل، لكنني أرفض أن يكونَ فمُ المرأة مختوماً بالشمع الأحمر، وأن تسجنَ في زنزانة الماضي.
،،
المرأة هي الملحُ الذي يحفظُ العالم.
،،
المعركةُ ضدّ المرأة هي معركةٌ ضدّ الحياة.
،،
إذا كان الرجلُ يُباهي بأنّه الرأس في هرم النظام الاجتماعي فليتذكرْ أن لكل هرم قاعدةً يرتفع عليها وأنّ الرأس كي يكون رأساً لا بد له من أقدام ترفعُه..
،،
كبريائي كامرأة لا تقدَّر بالياقوت والمرجان والماس والذهب…
،،
لا تقف مرتبكاً..
وذاهلاً..
أمام إعصاري.. فإني امرأة..
ليس لما تُريدُه حُدودْ
،،
«للنساء فقط»
آه.. كم أكرهُ هذه الجملةَ البوليسية!
،،
إن عقلَ المرأة
يعيشُ في المنفى فهو كأي لاجئٍ سياسيٍّ ممنوع من ممارسة اختياراته قولاً وتصرفاً
وتعبيراً..
14
ضوء نجمة بعيدة
،،
الربيع.. أوّلهُ وردة..
،،
أجهلُ تجارةَ العقائدِ والأيديولوجياتِ، وتجارة المبادئ والشعارات، بحثتُ عن مَهمّة نظيفة، فلم أجدْ أطهرَ من إشعال شموع الثقافة في ظلامِ الجاهليّة العربية.
،،
من إيجابيّات المِحَنِ أنّها تُخرِجُ المعادن الحقيقية، فالمنعطفاتُ تضعُك في مواجهةِ الشعاراتِ التي كنتَ ترفعُها.. فتعرفُ حينَها هل هي قناعاتٌ أم شعاراتُ زيفٍ؟!
،،
هناك أشخاصٌ يعشقون بعضَهم من الوريد إلى الوريد.. وبعد دقيقتينِ.. يذبحونَ بعضَهم من الوريدِ إلى الوريدِ..! ولا تعرفُ لماذا؟!..
،،
ماذا أفعلُ بفصيلة دمي يا أيُّها المسافرُ ليلاً ونهاراً في كُرياتِ دمي؟ كيف أسْتحضركَ يا صديقَ الأزمنة الورْديّة وشعوري مُغَطَّى بالفحْم؟
،،
أنا امرأة خليجية تحاوِلُ بالكلمة، بالسلوك.. أن تُسهِمَ في زرع بذرة حبٍّ صغيرة في أرض البشر.
،،
إنَّ حركة
التاريخ تعلِّمُنا أنّ للحضارة مداراً، وللانحطاط مداراً، فالنقطةُ التي كانتْ في
القمّة قد تصير سفحاً..
والنقطةُ التي كانت في السفْحِ قد تغدو قمّة..
،،
إنَّ التقاليدَ والأعرافَ وجذورَ الباديةِ لا تزال تفرضُ علينا طقوسَ الثبات وتحبِسُنا داخل النص.
،،
كيف تتغيرُ رؤيتُنا من دونِ أنْ نتغيَّرَ نحن؟
،،
أعتبرُ الكتابةَ رسالةً وعملاً تحريضياً لتحرير المرأة والرجل معاً من عقدِهما التاريخية وميراث عصور التخلف.
،،
أنا من الخليج..
غزالةٌ بين الغزالاتِ التي تولدُ في الصَحراء..
تعشقُ في الصحراء..
تموتُ في الصحراء..
،،
هم صادروا زمني
فأصبحتَ الزمنْ!
،،
[1] طفل ثورة الحجارة