قصائد حب
هذه قصائدُ حبٍّ لا حدودَ لها..
إنّها محاولة لهدم كل الحيطان الحجرية التي تفصل بين الأنثى وأنوثتها..
بين المرأة وحقّها الطبيعي في أن تتنفس.. وتتكلم.. وتعيش..
وإذا كان حق المرأة في الكلام العادي حقاً مرفوضاً، ومكروهاً، ومستهجناً في المجتمعات المتضخمة الذكورة.. فإن الكلام عن الحب في تلك المجتمعات يعتبر فضيحة كبرى، وجريمة موصوفة.
فالصوت الأنثوي، كان خلال مراحل تاريخية طويلة مرتبطاً بفكرة العار، والعرض، والشرف الرفيع، حتى وصل الأمر ببعض الغلاة والمتزمّتين إلى اعتبار صوت المرأة عورة لا يجوز كشفها للسامعين.
ولقد قاتلت المرأة طويلاً لاستعادة صوتها المحجور عليه، والخروج من مرحلة الخرس الطويل، حتى تمكنت من إعادة تشغيل حنجرتها بعدما غطاها الصدأ.. نتيجة لعدم التدريب، وقلّة الاستعمال.
إن الحجر على صوت المرأة ووضعه “تحت الحراسة”.. جعل المجتمع العربي ينطق بصوت واحد هو صوت الرجل بكل خشونته، وملوحته، ونبرته المعدنية.
وهكذا لم تعرف موسيقانا نصف الصوت أو ربع الصوت، وظلت السمفونية التي عزفها كورس الرجال وحدهم “سمفونية ناقصة”.
في بدايات هذا القرن، بدأت المرأة تتخلص شيئاً فشيئاً من الحجاب المفروض على عقلها..
ولكن الحجاب المفروض على “صوتها”.. لم يتزحزح سوى سنتيمترات قليلة.. وظلت المرأة رغم انفتاح أبواب العلم والمعرفة أمامها، واتساع أفقها الثقافي، تُعبر عما يدور بعالمها الداخليّ بنصف لغةٍ.. ونصف صوتِ.. ونصف حرية.
فالمجتمع العربي لا يزال، رغم التحولات التي طرأت على بنيته، يعتبر الصوت النسائي مؤامرة على دولة الرجال وسلطتهم.. ويعتبر المرأة “الفصيحة” ظاهرة شاذة أو مَرَضية.. لابد من معالجتها بالعقاقير والمضادات الحيوية..
وهكذا ظل فم المرأة مختوماً بالشمع الأحمر، وغير صالح إلا لارتشاف الماء، ومضغ الطعام.
ومثل هذا الامتياز تتمتع به جميع الحيوانات بشكل غريزي..
إن لعبة الحب هي لُعبةٌ يقوم بها اثنان: رجل.. وامرأة..
فلماذا يلعب الرجلُ وحده بأوراق الحبِّ.. دون أن يعطي الفرصة للمرأة لتشارك في اللعبة.. وتجرب حظها؟..
لماذا يحق للرجل، حين تجتاحه عاصفة الحب، أن يقول للمرأة: “أحبك”.. ولا يحق لها، إذا بللتها أمطار الحب أن تردّ عليه بلغةٍ، ربما تكون أكثر حرارة وأعذب جرساً، وأشدَّ صدقاً؟؟
وإذا كانت المساواة البيولوجية غير ممكنةٍ.. فلماذا لا نحقق المساواة “العاطفية” على الأقل، باعتبار الحب عاطفة إنسانية يشترك فيها الذكرُ والأنثى.. ولا تحتمل الفصل العنصري أو الجنسي؟
في هذه المجموعة الشعرية، أردت أن أحقق نوعاً من “الاشتراكية العاطفية” بعيداً عن أيّ فكر إقطاعي.. أو قبليّ.. أو احتكاريّ، وأن أستردَّ حقي الطبيعي كأنثى في نقل مشاعري إلى من أحبه.. دون أي شعور بالنقص، أو بالاضطهاد، أو بالخروج على قواعد الأخلاق العامة..
إنه حق مشروع لا يختلف عن حق الأمواج في التكسر.. وحق الرعود في التفجر.. وحق العصافير في الغناء والزقزقة..
فلماذا لا يسمح لي أن أكون موجة.. أو رعداً أو عصفورة تغني على نافذة حبيبها.. دون أن تقتلها بواريد الصيادين؟..
لقد تغزل الرجل بالمرأة منذ بدء التاريخ.. ولم يترك لها هامشاً صغيراً من الحرية يسمح لها بأن تتغزل به..
أي أن المبادرة العاطفية كانت دائماً في يد الرجُل..
بالإضافة إلى امتيازاته القانونية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية.
صحيح أن بعض النساء في تاريخنا الشعري كسرن هذا الاحتكار، كما فعلت الشاعرة الأندلسية ولادة بنت المستكفي، حين أعلنت أنها تعيش حالة عشق، وكشفت أوراقها الغرامية بكل شجاعة.. لكن الغزل النسائي بشكل عام، ظل غزلاً خجولاً ومتردداً وخائفاً من لعنة المجتمع.. وخناجر القبيلة..
فالمجتمع العربي، رغم كل مظاهر الحداثة والانفتاح الثقافي، والحضاري على العالم، لا يزال يضع “الفيتو” على المرأة العاشقة، ويعتبرها امرأة ناشزة يشكل كلامها عن الحب، خدشاً للحياء العام وخطراً على الأمن القومي.
والسؤال الذي أود أن أطرحه هنا هو:
ما علاقة الأمن القومي بقلب المرأة، وأشواقها وأحلامها، وأحاسيسها الأنثوية الطبيعية والمشروعة؟
ثم أودّ أن أسأل:
لماذا لا يكون الرجل العاشق خطراً على الأمن القومي وقصائد الحب التي يكتبها تهديداً للسلام والأمن الاجتماعي؟
وإذا كنا نؤمن بالديمقراطية أساساً لأنظمتنا السياسية، فلماذا لا نطبق الديمقراطية على علاقاتنا العاطفية أيضاً؟
ولماذا نطبق مبدأ التمييز الجنسي بين الرجل العاشق.. والمرأة العاشقة؟؟
وبعد، فهذه قصائد حب، أحاول بها أن أقيم “ديمقراطية عاطفية” يتساوى فيها الرجل والمرأة في حرية البوح، بحيث لا يحتكر الرجل وحده بلاغة الخطاب الإيروتيكي، ولا تبقى المرأة مجرد مستمعة لأسطوانة الحب التي يعزفها الرجل ليلاً ونهاراً..
إن لدى المرأة كلاماً عاطفياً مخزوناً منذ آلاف السنين تريد أن تقوله..
فاسمحوا لها أن تفجّر ينابيعها الداخلية وتطلق آلاف العصافير المحبوسة في صدرها..
اسمحوا لها أن تنزع الأقفال عن فمها، وتقول للرجل الذي تحبه “أحبك” دون أن تذبح كالدجاجة على قارعة الطريق.
اسمحوا لها، ولو لمرة واحدة في التاريخ أن تعرف معنى المساواة في الحب وتستنشق رائحة الحرية..
سعاد الصباح
أكتب إليك هذه الرسالة
ولا أنتظر جواباً عليها
جوابك لا يهم كثيراً
المهم، هو ما أكتبه أنا…
إن الكتابة عندي،
هي حوارٌ أقيمه مع نفسي
قبل أن أقيمه معك…
فأنا أستطيع أن أستحضرك
دون أن تكون حاضراً
وأستطيع أن أتلمسك
دون أن تكون إلى جانبي..
لا تعتقد أنني امرأة خيالية
أو متصوفة…
أو جليدية العواطف
ولكنني على ورقة الكتابة
أرسم خطوط وجهك
كما أريد
وأنقحها كما أريد
وأغازلها في الوقت الذي أريد…
أريد أن أكتب..
لأتخلص من فيضاناتي الداخلية..
التي كسرت جميع سدودي.
أريد أن أتخلص من هذا الفائض الكهربائي
الذي يحرق أعصابي..
ومن هذه البروق
التي تركض في شراييني
ولا تجد مكاناً تخرج منه..
أريد أن أكتب إليك…
لا لأرضي نرجسيتك، كما تظن
ولكن لأحتفل
ربما للمرة الأولى
بميلادي كامرأة عاشقة..
وبتفجير انفعالاتي في وجه هذا العالم.
إن الكتابة…
تبتكر لي جنات صناعية
لا أستطيع دخولها..
وتعطيني حرية..
لا أستطيع ممارستها..
وتخلق لي جزراً لا زَوَردية..
لا أستطيع السفر إليها..
الكتابة إليك
هي صمامُ الأمان الذي يمنعني من الانفجار
والمركب الوحيد الذي أصعد إليه..
حين تمضغني العاصفة..
أريد أن أكتب..
لأدافع عن كل شبر من أنوثتي..
أقام به الاستعمار
ولم يخرج حتى الآن..
فالكتابة هي وسيلتي
لكسر ما لا أستطيع كسره..
من قلاع القرون الوسطى،
وأسوار المدن المحرمة..
ومقاصل محاكم التفتيش..
أريد أن أكتب..
لأتحرر من ألوف الدوائر والمربعات
التي رسموها حول عقلي..
وأخرج من حزام التلوث
الذي سمم كل الأنهار
وكل الأفكار..
وأجهض ألوف الكتب..
وألوف المثقفين..
أريد أن أكتب لك..
أو لغيرك..
أو لأي رجل في المطلق.
أريد أن أقول للورق
ما لا أستطيع قوله للآخرين..
فالآخرون
منذ خمسة عشر قرناً
يتآمرون ضد الأنوثة..
أريد أن أفتح ثقباً في لحم السماء.
فالمدينة التي أسكنها
لا تطربُ إلا لصياح الديكة..
وصهيل الخيول..
وشهيق ثيران المصارعة..
أريد أن أكتب..
لأستريح قليلاً من أقنعتي
ومن صرة الجبن والزيتون
التي تحملها أمي على رأسها
من يوم تكور نهداها..
أريد أن أبصق الحصاة من فمي
فليس من المعقول
أن أعشقك هذا العشق الخرافي
ويبقى سرك محفوظاً كالطفل في بطني
خمسة عشر قرناً..
لا تؤاخذني..
إذا كنت نزقة.. وعصبية..
ومتوحشة الحروف..
فالكتابة بالنسبة للرجل
هي عادة يومية كالتدخين..
واصطياد السمك..
أما المرأة..
فتكتب بذات الطريقة
التي تعطي بها طفلاً..
وبنفس الحماسة..
التي تمنح بها حليبها.
الرجل يكتب في أوقات فراغه
والمرأة تكتب في أيام خصوبتها
واحتشادها بالبروق..
والفاكهة الاستوائية..
سوف أبقى أصهل
مثل مهرة فوق أوراقي..
حتى أقضم الكرة الأرضية بأسناني
أكتب إليك هذه الرسالة
ولا أنتظر جواباً عليها
جوابك لا يهم كثيراً
المهم، هو ما أكتبه أنا…
إن الكتابة عندي،
هي حوارٌ أقيمه مع نفسي
قبل أن أقيمه معك…
فأنا أستطيع أن أستحضرك
دون أن تكون حاضراً
وأستطيع أن أتلمسك
دون أن تكون إلى جانبي..
لا تعتقد أنني امرأة خيالية
أو متصوفة…
أو جليدية العواطف
ولكنني على ورقة الكتابة
أرسم خطوط وجهك
كما أريد
وأنقحها كما أريد
وأغازلها في الوقت الذي أريد…
أريد أن أكتب..
لأتخلص من فيضاناتي الداخلية..
التي كسرت جميع سدودي.
أريد أن أتخلص من هذا الفائض الكهربائي
الذي يحرق أعصابي..
ومن هذه البروق
التي تركض في شراييني
ولا تجد مكاناً تخرج منه..
أريد أن أكتب إليك…
لا لأرضي نرجسيتك، كما تظن
ولكن لأحتفل
ربما للمرة الأولى
بميلادي كامرأة عاشقة..
وبتفجير انفعالاتي في وجه هذا العالم.
إن الكتابة…
تبتكر لي جنات صناعية
لا أستطيع دخولها..
وتعطيني حرية..
لا أستطيع ممارستها..
وتخلق لي جزراً لا زَوَردية..
لا أستطيع السفر إليها..
الكتابة إليك
هي صمامُ الأمان الذي يمنعني من الانفجار
والمركب الوحيد الذي أصعد إليه..
حين تمضغني العاصفة..
أريد أن أكتب..
لأدافع عن كل شبر من أنوثتي..
أقام به الاستعمار
ولم يخرج حتى الآن..
فالكتابة هي وسيلتي
لكسر ما لا أستطيع كسره..
من قلاع القرون الوسطى،
وأسوار المدن المحرمة..
ومقاصل محاكم التفتيش..
أريد أن أكتب..
لأتحرر من ألوف الدوائر والمربعات
التي رسموها حول عقلي..
وأخرج من حزام التلوث
الذي سمم كل الأنهار
وكل الأفكار..
وأجهض ألوف الكتب..
وألوف المثقفين..
أريد أن أكتب لك..
أو لغيرك..
أو لأي رجل في المطلق.
أريد أن أقول للورق
ما لا أستطيع قوله للآخرين..
فالآخرون
منذ خمسة عشر قرناً
يتآمرون ضد الأنوثة..
أريد أن أفتح ثقباً في لحم السماء.
فالمدينة التي أسكنها
لا تطربُ إلا لصياح الديكة..
وصهيل الخيول..
وشهيق ثيران المصارعة..
أريد أن أكتب..
لأستريح قليلاً من أقنعتي
ومن صرة الجبن والزيتون
التي تحملها أمي على رأسها
من يوم تكور نهداها..
أريد أن أبصق الحصاة من فمي
فليس من المعقول
أن أعشقك هذا العشق الخرافي
ويبقى سرك محفوظاً كالطفل في بطني
خمسة عشر قرناً..
لا تؤاخذني..
إذا كنت نزقة.. وعصبية..
ومتوحشة الحروف..
فالكتابة بالنسبة للرجل
هي عادة يومية كالتدخين..
واصطياد السمك..
أما المرأة..
فتكتب بذات الطريقة
التي تعطي بها طفلاً..
وبنفس الحماسة..
التي تمنح بها حليبها.
الرجل يكتب في أوقات فراغه
والمرأة تكتب في أيام خصوبتها
واحتشادها بالبروق..
والفاكهة الاستوائية..
سوف أبقى أصهل
مثل مهرة فوق أوراقي..
حتى أقضم الكرة الأرضية بأسناني
كتفاحة حمراء..
قصيدة حب 2
تتشكل أنوثتي على يديك..
كما يتشكل شهر إبريل
شجرة شجرة..
عصفوراً عصفوراً..
قرنفلة قرنفلة..
وكلما أحببتني أكثر
واهتممت بي أكثر
تزداد غاباتي أوراقاً
وتزداد هضابي ارتفاعاً
وتزداد شفتاي اكتنازاً
ويزداد شعري جنوناً..
على يديكْ
أكتشف للمرة الأولى
جغرافيّة جسدي
تلة تلة
ينبوعاً ينبوعاً..
سحابة سحابة..
رابية رابية..
إني مدينة لك
بكل لوزي
وخوخي
وتفاحي
مدينة لك
بكل هذا التنوع في أقاليمي
وكل هذه الحلاوة في فاكهتي..
مدينة لك
بكل حبة قمح تنبت في أجفاني
وبكل لؤلؤة خرافية
تطلع من خلجاني..
تتشكل أنوثتي على يديك
كما يتشكل قوس قزح
بقعة خضراء
بقعة زرقاء
بقعة برتقالية
وعندما تنتهي من رسمي
أخرج من بين شفتيك
مبللة كوردة
وشفافة كقصيدة..
على يديك
أدخل دائرة الحضارة
وأتربى على وسائد حنانك
كقطة تركية مدللة
تنام طول النهار
وتختبئ بين ذراعيك طول الليل
وترفض الخروج إلى الشارع
حتى لا تدخل في علاقات عاطفية
مع القطط الأخرى
فتفقد دمها الأزرق
وسلالاتها الملكية
وحق الإقامة لديك!!
قصيدة حب 3
يذكرني صوتك
بصوت المطر..
وعيناك الرماديتان
بسماء سبتمبر
وأحزانك..
بأحزان الطيور الذاهبة إلى المنفى..
يذكرني وجهك
ببراري طفولتي
ورائحتك..
برائحة البن في كافتيريات روما..
ماذا أستطيع أن أفعل من أجلك؟
أيها الرجل
الذي شقق شفتيه ملح البحر..
وطاردته سفن القراصنة
وتناثر جسده على كل القارات
ماذا أستطيع أن أفعل من أجلك
أيها المسافر..
من الشتات إلى الشتات.
أيها الغارق في أمواج الحبر الأسود
والمصلوب على ورق الكتابة..
والمطلوب حياً أو ميتاً
من كل ديكتاتوريي العالم الثالث..
أريد أن أدخل
في قميصك المفتوح..
وجرحك المفتوح..
وأكون جزءاً
من قلقك..
ودوارك..
وموتك الجميل..
أريد أن أذهب معك..
إلى آخر الجنون..
وإلى آخر التحدي..
وإلى آخر أنوثتي..
أريد أن أصعد إلى ظهر سفينتك
التي لا تعترف بالمرافئ..
ولا تعترف بالجزر..
ولا ترسو في أي مكان
أريد أن أخبئك في صدري
عندما تشتد الريح
وتعصف العاصفة
فإما أن أنجو معك..
وإما أن أغرق معك..
قصيدة حب 4
طالما طرحت على نفسي
أسئلة طفولية لا جواب لها:
هل أنا حبيبتك؟
أم أنا أمك؟
هل أنا مليكتك؟
أم أنا مملوكتك؟
هل أنا أنا؟
أم أنا أنت؟؟
إن الأمومة في داخلي
تطغى على جميع العواطف الأخرى
فلماذا أخاف عليك كل هذا الخوف؟
لماذا أمد يدي بحركة تلقائية؟
لوضع شال الصوف على رقبتك..
وإقفال أزرار معطفك الجلدي
قبل أن تخرج إلى الشارع؟
لماذا كلما ذهبت إلى “خان الخليلي”
أشتري لك كل التعاويذ الفرعونية
وكل الحجابات الشعبية
التي ترد عنك
زمهرير الشتاء..
وصقيع الأعين الزرقاء؟
إن إحساس الأمومة نحوك
يدفعني إلى ارتكاب حماقات
لا تتناسب مع وقاري
ففي بعض لحظات التجلي
يخطر لي أن أقص لك أظافرك..
وفي بعض لحظات الوله
يخطر لي أن أجفف شعرك
وأنت بين يدي..
مستسلم كحمامة..
وفي بعض لحظات الانخطاف
أحمل لك زجاجة “الشامبو”
وأنتظر..
حتى أعطيك الشعور
بأنك أحد الأباطرة
وفي بعض لحظات الجنون
يخطر لي أن أقبلك
ووجهك مغطى بصابون الحلاقة..
وفي بعض لحظات الواقعية الاشتراكية
أستعمل معجون أسنانك..
حتى أشعرك
إن فمي وفمك
مزرعة تعاونية واحدة..
أيها الديكتاتور الصغير
الذي يستعمل بذكاء
حناني..
ونقاط ضعفي.
أيها الطفل السادي
الذي يلعب بأعصابي
كما يلعب بطيارة من ورق..
أيها الطفل الفوضوي
الذي عذبني كثيراً
وأسعدني كثيراً
إنني لن أعاقبك
على الأواني التي كسرتها..
وعلى الستائر التي أحرقتها..
وعلى قطة البيت التي خنقتها..
إنني لا ألومك
على كل هذا الخراب الجميل
الذي أحدثته في حياتي
ولكنني ألوم أمومتي..
قصيدة حب 5
عندما قررتُ أن أعاقبَكْ..
وأسافرَ إلى باريسَ وحدي
لم أكن أعرف أني سأعاقِبُ نَفْسي
وأرتكبُ أكبرَ حماقاتِ عُمْري..
لم أكن أعرف أن باريس ترفُضُني وحدي..
وأن مصابيحَ الشوارعْ،
وأكشاك بيعِ الجرائِدْ،
وتماثيل الحدائقِ العامّة،
ستسخَرُ مِنّي..
وتطلبُ من بلديّةِ باريسَ ترحيلي..
لأنني خالفت مبادئ الدستورِ الفرنسيْ
فهندسةُ باريسَ الجميلَةْ
لا تتقبَّلُ امرأةً تتناول العشاء وحدَها..
ولا زهرةً تتفتّح وحدَها..
ولا غيمةً تمطرُ وحدَها..
فباريسُ.. معزوفةٌ موسيقيّةْ
يلعبها اثْنانْ..
وقصيدةٌ جميلَةْ
يكتُبها رجلٌ.. وامرأةْ...
لماذا لم أقرأ تاريخ باريسْ
قبل أن أدخُلَها؟..
لماذا لم أفهمْ هندستها المعمارية؟
وهندستها العاطفية؟
لماذا لم أفهمْ
أن كلَّ شارعٍ من شوارعِها
مرصوفٌ بحجارة الحبْ؟
وأن كلَّ زهرة توليبٍ في حدائِقِها
هي رسالةُ حُبْ؟
وأنَّ كلَّ تمثالٍ من تماثيلها
منحوتٌ بيدِ الحُبّ؟
وأنّ كلَّ ثوبٍ معلَّقٍ في واجهاتِها
مصمَّمٌ من أجلِ الحُبّ؟
لماذا لم أحترمْ تقاليدَ هذه المدينةِ الخرافيَّة
التي أعطت العالمْ
أوَّل درس من دروس الحُبّ؟
لماذا اعتديتُ على تناسُقِها،
وهارمونيَّتها،
فكنتُ النَّغمةَ التي لا مَكَان لها
في الكنشرتو الكبير؟...
أفتح ستائر غُرفتي على باريسْ
ولكنني لا أجدُها..
هل هذه باريس التي عرفتها مَعَكْ؟
أم هذه بَنْغلادشْ؟؟
هل هذه ساحةُ "الفاندومْ "؟
أم هذه ساحة إعدامي؟
هل هذه نوافيرُ ميدان "الكنكوردْ"؟
أم هذه دُمُوعي؟
هل هذا قوسُ النصرِ العظِيمْ؟
أم هذا قوس هزيمتي؟...
أَخرجُ للشُّرفةِ حتى أُنعشَ ذاكِرَتي.. هل هذه هي مدينة إيلوار.. وأراغون.. وبودلير.. ورامبو... أم هذه هيرُوشيما؟؟ هل هذه هي باريس التي مشَّطْتُها مَعَكْ.. شارِعاً.. شارعاً.. مكتبةً.. مكتبةً.. مُتْحَفاً.. مُتْحفاً.. مسرحاً.. مسرحاً.. هل هذه هي باريسُ؟ التي تعلمتُ فيها على يَدَيْكْ كيف أكتشفُ أبعادَ أنوثتي وأبعادَ حرِّيتي؟؟ لا تسألني عن تفاصيل رحلتي الباريسيَّةْ إذ لم يكن هناكَ رحلةٌ... ولا منْ يرحلون.. فمن مطار "شارل ديغُولْ" إلى غُرْفتي في الفندقْ.. ومن غُرْفتي في الفندقْ.. إلى مطار "شارل ديغُولْ".. هذا هو مخطَّطُ الرحلة الفاشلةْ.. - ماذا فعلتِ؟ لم أفعلْ شيئاً. - هل اشتريتِ ثياباً جديدةً؟ لم أشتر شيئاً.. - هل اشتريتِ عطوراً؟ لم أشترِ شيئاً.. - مع مَنْ تناولتِ العشاءَ ليلةَ السبتْ؟ مع الأشباحْ... - مع من رقصتِ؟ مع الأشباحِ أيضاً... - ماذا فعلتِ إذَنْ؟ شتمتُ نفسي.. وشَتَمْتُكَ.. وشَتَمْتُ فولتير.. وروسو.. وفيكتور هوغو.. وذرفتُ دمعةً على شهيدةِ العشقِ وأعني، صديقتي.. ماري أنطوانيتْ...
قَرَعتُ الجرسْ..
وطلبتُ عشاءً لشخص واحِدْ..
نظر النادلُ إليَّ بإشفاقْ
وقال لي بتهذيب جمّ
ولغةٍ فرنسيّةٍ راقيةْ:
يا سيِّدتي..
"إنَّ امرأةً لها مثلُ عَيْنَيْكِ السوداوينْ.. لا تتعشَّى وحدها في مدينتنا... هذا ليس من تراث باريسْ.. ولا من أخلاقِها".. وأقفل الباب علَيّ واختَفَى في ظلامِ المرِّ الطويلْ.. حاولتُ أن أشاهدَ التلفزيونَ الفرنسيّ كانوا يحتفلونَ بالذكرى المئتينْ على هدم سجن الباستيلْ وأنا.. منْ يهدمُ سِجْنِي؟... ويطلقُ سَراحي من هذه الغرفةِ الباردةِ الجدرانْ.. من يخرجني من زجاجةِ الضّجَرْ؟... تحاولُ مجلّةُ (باري ماتش( المرميَّةُ فوق السريرْ.. أن تكسرَ عُزْلَتي وتدخلَ في حوارٍ حميمٍ معي أعتذرُ منها.. لأنني مُتْعَبةٌ من السَّفَرْ وأدخلُ في نوبةِ بكاءْ.. حاولتُ أن أطلُبَكْ من أيّ غرفةِ هاتفٍ في الجادَّةِ السادسَةْ.. لأقولَ لكْ: إنك مَلِكي.. وحبيبي.. وشمسُ أيَّامي ولكنني تراجعتْ.. حاولت أن أصرخَ حتى آخرِ الصُّراخْ: ))أُحبُّكَ((.. وأبكي حتى آخرِ البكاءْ.. ولكنني تراجَعْتْ.. حاولتُ أن أقولَ لكْ: إن عطْلَةَ نهاية الأسبوعْ التي قضيتُها بعيداً عنكْ تحوّلَتْ إلى خَنْجَرٍ في لَحْمي.. وصداعٌ يحفرُ جَبيني ولكنّني.. خفتُ أن تزدادَ غروراً فوق غروركْ.. ونرجسيّةً فوق نرجسيّتكْ.. وتتركني مُعَلَّقةً على حبال أحزاني.. كنتُ أريدُ أن أكلِّمَكَ بالهاتفْ لأقولَ لكْ خُذْ أول طائرةٍ ليليّةٍ مسافرةٍ إلى باريسْ وأنقذْنِي من وَرْطَتي.. فخبزُ (الباغيتْ) بَعْدَكَ، لا يُؤكلْ.. وقهوةُ (الإسبرسو) بَعْدَكَ، لا تُشْرَبْ وجريدةُ (لومند) بَعْدَكَ، لا تُقْرَأْ.. وبرج إيفل، فقد لياقتهُ الجسديّة، وانحنى ظهرهُ.. ونابليون بونابرت، حزمَ حقائبَهُ وغادرَ (الإنفاليدْ) والجمهوريةُ الخامسةُ لم تَعُدْ ترفع أعلامَها.. كنتُ أريد أن أعترف لكْ أنني وحيدةٌ في باريسَ.. حتّى الوَجَعْ.. وضائعةٌ حتى الوَجَعْ.. وأفتقدُكَ حتّى الوَجَعْ.. ولكنني خشيتُ أن تشمتَ بي وترقصَ فوق رمادي.. كنت أريدُ أن أختبئ في أشجارِ صوتكْ علَّهُ ينقذُني من هذا البرد الذي يخترقُ عظامي كنتُ أريدُ أن أتعلَّقَ بذراعيْك حتى أستعيدَ توازني فأنا بدونكَ عصفورةٌ مكسورةُ الجناحينْ ومركبٌ يغرقْ.. ولكنني خِفْتُ أن تدفنَني في ثلوج لامبالاتِكْ وتُقْفِلَ الخطَّ في وجهِي... كنتُ أريدُ أن أخبرَكْ أن سماء باريس لا تمطِرُ إلا على مِعْطَفِكْ.. ولوحةَ (الموناليزا) لا تبتسمُ إلا لَكْ.. وأجراسَ كنيسة نوتردامْ لا تقرعُ إلا عند مجيئِكْ ومقاهي الحيّ اللّاتيني، ومُتْحفَ اللوفر، ومركزَ بومبيدو، لا تتألَّقُ إلا بحضورِكْ كنتُ أريدُ أن أبوح لك بأسرارٍ كثيرةْ ولكنني خِفْتُ أن تسخر من أفكاري وتقفلَ الخط في وجهي..
كنتُ أريد أن أقترح عليكْ
أن تدعُوَني إلى ذلك المطعمِ الصغيرْ
في شارع أمستردامْ
الذي صاغَ الأجبان الفرنسيَّةْ
على شكل سمفونيَّةْ..
ولكنني خفتُ أن تخذلَني
وتترُكني أنام بلا عَشاءْ...
إنّ أخطرَ ما اكتشفتُهُ في رحلتي
أن باريس هي من حِزْبِكَ أنتْ..
لا منْ حِزبي أنا..
فهي لا ترَحِّبُ بي وحدي
ولا تستقبلني على المطارْ
بالأزهارِ الجميلةْ..
ولا تأتي لزيارتي في الفندقْ
ولا تدعوني عندما التجئ إليها بمفردي
وإنّما تحِبُّنا معاً...
أيها الرجلُ الذي يلعبُ بإقرارِي
كما يريدْ..
ويخطَّطُ لأسْفارِي
كما يُريدْ..
لقد حملتُ معي إلى باريسْ
ملفّاً كاملاً
لكل انتهاكاتِكَ ومُخاَلفاتِكْ
وجرائِمك العاطفيَّة
ولكن باريسَ مزَّقتْ أوراقي
وانحازتْ إليكْ..
قصيدة حب 6
أصعدُ إلى سقفِ القَمَرْ
لأقطف لك قصيدةْ..
وأصعدُ إلى سقفِ القصيدَةْ
لأقطُفَ لكَ قمراً..
أصعدُ إلى فضاءاتٍ
لم تصعدْ إليها امرأةٌ قَبْلي
وأرتكب كلاماً عن الحبّ
لم ترتكبهُ سيدةٌ عربيَّة قَبْلي..
ولاأظنُّ أنها سترتكبهُ بعدي!!..
أتورَّطُ معكْ
حتى نقطةِ اللا رُجوعْ
وأمشي معك بلا مظلَّةْ
تحت أمطارِ الفضيحةْ..
أذهب معكْ
إلى آخر نقطةٍ في اللَّغَةْ
وآخرِ نقطةٍ في دمي..
حتى أستحقَّ أن أكونَ حبيبتَكْ...
أطيرُ ألف سنةٍ ضوئيَّةْ
حتى أحطَّ على كتفَيكْ..
وأحلِّقُ على ارتفاع 32 ألف قَدَمْ
حتى ألامس يديكْ..
فإذا وصلتُ إليكْ
مُهَشَّمَةً..
مُحطّمَةً..
كقطارٍ خرجَ عن قُضبانِهْ
فحاولْ أن تُلْصِقَ أجزائي
أخرج على النصِّ القديم للأنوثةْ
وأخترعُ أنوثتي كما أريدْ..
وأحدِّدُ مكانَ شفتيَّ.. وألوان عينيَّ.. كما أريدْ
أخرجُ من عباءة عنترة بنِ شدّادْ
وأدخلُ تحت عباءتِكْ...
أهربُ من فراشي المصنوع من وبر الجَمَلْ
وأستلقي على أعشاب صدرِكْ..
أخرجُ من بطن الخرافةْ
وأسنانِ شيخ القبيلَةْ..
وفناجين القهوة العربيَّةْ
وأخلع الحذاءَ الصيّنيَّ الضيَّقْ
من عقلي.. ومن قدميّ..
وأذهبُ معك إلى آخِرِ الحرِّيَّةْ...
أيها الرجل الذي لا يُرى بالعين المُجرَّدةْ
أيها الغجريُّ الذي تزوَّجَ البحر..
وحقائِبَ السَّفَرْ..
يا الذي حبسني في راحةِ يده اليُمْنَى
ووضعَ المفاتيحَ في جَيْبِهْ
إنّني أعرفُ جيداً
أنّني أقامِرُ على رجلٍ لا يأتي..
وحصان ٍ لا يَرْبَحْ..
أيها الغامضُ كالأساطيرْ
والُمترجْرِجُ كالزِّئبقْ..
ليس مهمّاً أن تتجسَّدْ
فأنا أمضغك في أحلامي
كحبَّةِ فاكهةْ..
فيسيل السُّكرُ على جدرانِ ذاكرتي
ليس مهمّاً أن تتجلّى
فأنا أقرأُ في وحدتي خطوط يديكْ..
فأتنبَّأ بمستقبلي..
وأشمُّ رائحة رجولَتِكْ
فأنجِبُ عشرين طفلاً...
أيها الرجلُ الذي أوصلني
إلى مرحلة التَّبخُّر.. والاندِثارْ..
إنّني أحبُّك..
بكل عصبيَّة البحر.. وحماقاتِهْ..
فلا تتضايقْ من انفجاراتي
إن شرَّ الأمور عندي، هي الوَسَطْ..
وأردأ أنوعِ الحبِّ..
هو الحُبُّ الوسطْ..
وأجبنَ القصائدْ
هي التي تمسكُ العصا من الوَسَطْ...
أيَّها الرجلُ المنهك بنرْجسيَّتهْ..
والمنهكُ بتعدُّديَّتهْ..
لا حظَّ لي معكْ
فإما أن أجدك مكتظاً بالنساء..
أو أجدك مكتظاً بالشِّعرْ..
إما أن أجدكَ نائماً مع امرأةٍ جديدةْ..
أو نائماً مع قصيدةٍ جديدةْ...
أيها البحَّارُ الفينيقي
الذي ليس له مرافئُ ثابتَةْ،
ولا عناوينُ ثابتةْ،
ولا ولاءاتٌ ثابتةْ
لا حظَّ لي مَعَكْ..
ففنادقُكَ دائماً محجوزة
وذراعاك دائماً محجوزتانْ
وأنا لا أتقنُ فنَّ الانتظارْ..
أيُّها الممثِّلُ الكبيرُ
الذي قتلتْهُ نجوميَّتُهْ
ليس لديَّ أملٌ
حتى في الحصولِ على توقيعِكْ..
فأنا أصِلُ دائماً
بعد أن تسقطَ الستارةْ..
وتُطْفَأ الأنوارْ..
وينصرفَ المتفرِّجون...
قصيدة حب 7
أكتب هذه الرسالة ليديك
نعم ليديك..
فيداك هما أكثر منك حناناً
وأكثر فهماً لطبيعة النساء
وأسرارهنّ
وعوالمهن الداخلية..
إن علاقتي بيديك
قديمةٌ...قديمَةْ...
وإعجابي بهما، قديمٌ.. قديمْ..
بدءاً من اليوم الذي رأيتهما فيه
في أحدِ مقاهي السان جرمان في باريسْ
تجلسانِ وحدهُما..
وتتكلَّمان مرّةً مع سيجارة (القولوازْ(..
ومرة مع جريدة "الفيجاور"
ومرَّةً مع اللاشيءْ..
وترسُمان في الفضاء خطوطاً وأشكالاً
لا تستطيع أن تفهمَها
سوى امرأةٍ عربيّةْ
تتسكَّعُ على أرصفة الحزنِ.. مثلي
يداكَ..
هما الساحل الرَّمليُّ الذي أتمدَّدُ عليهْ
عندما تضربني العاصفةْ
وهما النَّخْلتان اللتان أهزُّهُما
عندما يأتيني المخاضْ
فتتساقطانِ عليَّ رطباً جَنِيّاً...
أكتبُ هذه الرسالةَ ليدَيكْ..
لأنني مللت من الكتابةِ إليكْ..
فهما تحتفلانِ ببريدي
وأنت ترمي بريدي في سلَّةِ المهملاتْ..
هما تتصرَّفان بحضارَةْ..
وأنت تتصرَّف ببدائيَّةْ..
هما تفتحانِ ألف بابٍ للحوارْ
وأنت تغلقُ في وجهي كلَّ الأبواب..
أحتمي بيديْكَ القويَّتينْ
عندما لا أجدُ مَنْ يحميني..
وأتغطَّى بوبرهما الكثيفْ
عندما لا أجدُ منْ يغطّيني..
وألتجئُ إليهما..
عندما لا أجدُ مَنْ يطعِمني.. ويَسْقيني..
يداك كانتا دائماً معي
في السّراءِ والضراءْ
وكانتا دائماً من حزْبي
يوم كنت تُرْعِدُ.. وتُبْرقْ..
وتتصرَّفُ كأيّ حاكمٍ عربيّ
لا يُؤْمنُ بالرأي الآخَرْ
ولا بالفكر الآخَرْ
ولا بالجنسِ الآخَرْ
أو كأيّ شيخ قبيلَةْ
يتحدَّث عن الشورى.. والتعدُّدية.. والحوارِ المفتوحْ..
ولكنَّهُ لا يحاورُ أحداً..
ولا يستشيرُ أحداً...
يداكَ.. هما الكتابانِ الرائعان
اللذان أقرأُ فيهما قبل أن أنامْ...
وهما الغابتانِ الكثيفتا الشَّجَرْ
اللتان التجئُ إليهما في حالات اكتئابي..
وهما الخشبتانِ اللتان أتعلَّقُ بهما
عندما أشرفُ على الغَرَقْ..
وهما المدفأتان اللتان أتكوّم أمامَهُما
عندما تنتابني القشعريرةْ..
يداكَ كانتا دائماً
حمامتَي سَلامْ
فإذا تشاجَرْنا.. أصلحتا ما بينَنا
وإذا أبكيْتَني...
كفكفتا دُمُوعي...
إنني أزورُ يَدَيْكْ
عندما تكون خارجَ البيتْ
وأشربُ معهما قهوةَ الصّباحْ
وأبوحُ لهما بكل شؤوني وشجُوني
وأسلِّمُهما مِلَفاً كاملاً
لكلِّ الدعاوى العاطفيَّةِ التي رفعتُها عليكْ..
وخسِرْتُها جميعاً...
يداكَ صديقتايَ..
قبل أن أكون صديقتَكْ
وعلاقتي بهما،
أرقى مِنْ علاقتي مَعَكْ
وأنْبَلُ من علاقتي مَعَكْ
وأعمقُ جُذوراً..
فإذا قرَّرْتَ..
أن تسافِرَ إلى أيّ مكانٍ في العالمْ
فخذ جميعَ حقائِبِكْ..
واتْرُكْ لي يدَيكْ..
إنني لا أخلطُ أبداً
بينك وبين يَدَيْكْ
فهُما مسالمتانِ.. وأنتَ عُدوانيّ
وهما متسامحتانِ.. وأنتَ متعصِّبْ..
وهما مثقّفتانِ.. وأنت متوسط الثقافةْ..
وهما مائيّتان.. وأنت متخشب
إنني لا أخلطُ أبداً
بين حداثَتِهما.. وبين سلفيَّتكْ...
شكراً لأبُوَّة يديكَ.. يا سيَّدي
شكراً لهما
إصبعاً.. إصبعاً..
ظِفْراً.. ظِفْراً..
شِرْياناً.. شِرْياناً..
فقد كانتا بيتي في زَمَنِ التّشرُّدْ
وسَقْفي في زمن العاصفَةْ..
ووطني..
بعدما سحبُوا سجّادةَ الوطنِ مِنْ تحتي...
أيّها الرجل الذي أعتزُّ بصداقةِ يدَيْه..
إذا قابلت يديك بالمصادفةْ
في أي مطار.. أو أيّ مرفأْ
أو في أيّ مقهىً من مقاهي الرصيفْ
فسلِّمْ لي عليِهما..
قصيدة حب 8
هذا يوم قدِّيسِ الحبّ.. فالنتاينْ
ومع احترامي لجميع القدّيسينْ
تبقى أنت قدِّيسي
ومع احترامي لروعةِ هذا اليومِ الجميلْ
تبقى أنت صانعَ وقتي
وسيِّدَ أيامي
الأورُوبيّون أحرارٌ في اختيارِ قدِّيسهمْ
وأنا حرَّةٌ في اختيار قديسي
هم يمارسون عبادتَهُم على طريقتِهِمْ
وأنا أمارسُ عبادتي على طريقتي
هم مقتنعُون بكراماتِ أوليائِهمْ
وأنا مُقتنعةٌ بكراماتِكْ…
هذا يومُ قدّيس الحُبّ.. فالنْتاينْ
وسأذهبُ إلى معبدك أنتْ..
لأقدَّمَ نُذُوري..
وأحرق بَخُوري..
وأغْسِلَ قدميكَ بعطر النّارنجْ
ليس عندي مكانٌ آخرُ أذهب إليهْ
فكل الدُّروب توصِّل إليكْ
وكل الحمائمُ تطيرُ إلى صدْرِكْ..
وكل عشّاقِ العالمْ
يطلبون بركاتِكْ
وينتظرونَ معجزاتِكْ…
هذا يوم قدّيس الحبّ.. فالنْتاينْ..
وسأبحث لك في المكتباتْ
عن قلمٍ تُحِبّهْ..
عن ورقٍ جميل يفتحُ شهيَّتك للكتابةْ..
عن حقيبةٍ تحفظ فيها أوراقَكْ..
عن إطار من الفضة تضعُ فيه صُورتي..
عن مفكِّرةٍ صغيرةٍ تضعها في جيبِ سُتْرَتِك..
وتضعُني مَعَها..
سأبحثُ لك عن كلِّ الأشياءْ
التي تُحرِّضُكَ على مُراسَلَتي
وتُحرِّضك على مُغازَلَتي…
هذا يوم قدّيس الحبّ.. فالنْتاينْ..
وسنحتفل بالعيد العاشر لحُبنا
هل يمكنك أن تتحملني سنة أخرى؟
هل يمكنك أن تتحمل أسئلتي
التي لا تنتهي؟
وتناقضاتي التي لا تنتهي؟
وحماقاتي التي لا تنتهي؟
هل يمكنك أن تصمد سنة أخرى؟
أمام أمواجي المتلاطمة..
ومطالبي المستحيلة..
وعاطفتي المفخخة
بألف رطل من الديناميت؟..
هذا يوم قدّيس الحبّ.. فالنْتاينْ..
وأعترف أنني أتعبتك..
وأنك تستحق إجازة طويلة
ترمم بها أجزاءك المكسورة..
وأعصابك المحترقة..
ولكن.. أين ستذهب من دوني؟
أخاف أن تقترب من البحر.. فتغرق
وأخاف أن تذهب إلى الغابة
فيأكلك الذئب..
وأخاف أن ترافق النساء المحترفات
فتفقد عذريتك..
يا أيها القديس الذي علمني
أبجدية الحب..
من الألف إلى الياء..
ورسمني كقوس قزح
بين الأرض والسماء..
وعلمني لغة الشجر..
ولغة المطر..
ولغة البحرِ الزرقاءْ..
أُحبّكْ..
أُحبّكْ..
أُحبّكْ..