وَرْدَةُ البَحر
1
كُويتُ، كُويتْ
مَوانِئُ أبحَرَ منها الزَّمانْ
وواحَةُ حُبٍّ، وبَرُّ أمانْ
وشَعْبٌ عظيمٌ
ورَبٌّ كَريمٌ
وأرْضٌ يُسيِّجُها العُنفوانْ
2
كُويتُ، كُويتْ
شَواطِئُ مَصقولةٌ كالمرَايا
وبحْرٌ يُوزِّعُ كُلَّ صَباحٍ علَينا
أُلوفَ الهَدايا
وشَايُ أَبي
وابتسامَةُ أُمّي
ومِحفَظَتي، وجَديلةُ شَعْري
وكوبُ الحليبِ قُبيلَ الذَّهابِ إلى المدرسَةْ
وأوَّلُ مكتوبِ حُبٍّ أتَاني
فأشْعلَ عَاصفَةً في دِمايَا..
3
كُويتُ، كُويتْ
أَشيلُكِ..
-حيثُ ذهبْتُ- حِجاباً بصَدْري
أشيلُكِ..
بُرعُمَ ورْدٍ، بأعماقِ شَعْري
أشيلُكِ في القلبِ وَشْماً عَميقاً
لِآخِرِ..
لِآخِرِ..
آَخِر أيَّامِ عُمْري..
4
كُويتُ، كُويتْ
هُنا.. ابتدأَتْ رِحلَةُ السِّندبادْ
هُنا.. وردَةُ البَحرِ قدْ أزهرَتْ
وراحَ ابنُ ماجدَ
يقطِفُ نَجْماً.. ويزرَعُ نَخْلاً..
ويخلُقُ في لحظاتِ التَّحدّي بلادْ..
هُنا الشّعْرُ والنَّخْلُ يَغتسلانِ معاً
في مِياهِ الخَليجْ..
فجاءَتْ رَبابُ إلى وعْدِنا..
وبَانتْ سُعادْ..
5
كُويتُ، كُويتْ
أُحِبُّكِ.. كالشَّمسِ تُعطينَ ضَوءَكِ للعالمَينْ
أُحِبُّكِ كالأرْضِ..
تُعطينَ قَمحَكِ للجَائعينْ..
وتقْتَسمِينَ الهُمومَ معَ الخَائِفينْ..
وتقْتَسمينَ الجِراحَ مع الثَّائرينْ..
6
كُويتُ، كُويتْ
لِحُرّيةِ الرّأيِ فيكِ تُراثٌ طَويلْ
وطِفلُ المحبَّةِ بين ذراعَيكِ طِفْلٌ جميلْ
وزَرْعُ العُروبةِ فيكِ قَديمٌ.. قَديمٌ..
كَهذا النَّخيلْ..
فظَلِّي كما كُنْتِ قَلباً كبيرا..
ونَجْماً مُنيرا..
وكُوني المنارةَ للضَّائعينْ
وكُوني الوِسادةَ للمُتْعَبين
وكُوني كأيَّةِ أمٍّ..
تُعانِقُ أولادَها أجمعينْ..
7
كُويتُ، كُويتْ
أُحِبُّ ابتسامتَكِ الطّيّبةْ
وإيقاعَ صوتِكِ، إذْ تَضْحكينْ
أُحِبُّكِ.. صَامتةً مُتعَبةْ
وأعماقَ عينَيكِ إذْ تحْزنِينْ
أُحبُّكِ في غُربتي وارْتِحالي
وأَشتاقُ كُلَّ حَصاةٍ.. وكلَّ حَجَرْ
أُحبُّكِ رغْمَ حِرابِ المغُولْ
ورَغْمَ جيوشِ التَّترْ
أُحِبّكِ حينَ تكونُ السَّماءْ
مُطرَّزةً بالرُّعودِ، ومَثقوبةً بالشَّررْ
فكيفَ تصيرينَ أجْملَ عندَ اشتدادِ الخَطَرْ؟
8
كُويتُ، كُويتْ
لقدْ قرَّرَ العالَمُ العَربيُّ اغتيالَ الكَلامْ
وقرَّرَ أَيضاً..
إِبادةَ كُلِّ الطُّيورِ الجَميلةِ، كُلِّ الحَمَامْ
ونحنُ طيورٌ مُشرَّدةٌ لا تُريدُ سِوى حقِّها بالكَلامْ
ونحنُ طُيورٌ مثقَّفةٌ لا تُطيقُ..
غَسيلَ الدِّماغِ، وكسْرَ العِظامْ
ونحنُ حُروفٌ مُقاتِلةٌ..
سوفَ تَهزِمُ بالشِّعْرِ كُلَّ عُصورِ الظَّلامْ
ويُسعِدني أنْ تَظلَّ بِلادي
مَلاذَ العَصافيرِ من كلِّ جِنْسٍ
وبيتَ المُغنّين والشُّعراءْ..
ويُسعِدُني أنْ يكونَ تُرابُ بِلادي
مَزارَ البَنفسجِ والشُّهداءْ
وسَقْفاً، لمنْ تركَتْهُم حُروبُ العُروبةِ دُونَ غِطاءْ..
ويُسعِدُني أنْ تظلَّ بِلادي جَزيرةَ حُرّيةٍ رائعَةْ
بها الفَجْرُ يطلعُ حينَ يشاءْ
بها البحرُ يهدُرُ حينَ يشاءْ
بها الموجُ يغضَبُ حينَ يشاءْ
ويُسعِدُني أنْ تظلَّ بِلادي فضاءً رَحيباً
ونافذةً نتنشَّقُ منها الهواءْ
فعصْرُ المباحثِ صادَرَ منا السَّمَاءْ
وصادَر منّا الحَقائبَ، صادرَ منّا السَّفَرْ
وأدْخلَ للسِّجْنِ ضَوءَ القَمَرْ!!
1985