إلى رَجُلٍ يَخافُ البَحْر
1
ألغيتُ موعِدَ السَّفرِ معَكْ
لأنَّ دُوارَ البحْرِ يُتعِبُكْ
ولأنَّ صُداعَ الحُبِّ يُتعِبُكْ
ولأنَّ جِلدَكَ الطَّريَّ كالقطيفَةْ
لا يتحمَّلُ مُلوحةَ البحرْ
وعضَّاتِ أسْماكِ القِرشْ..
مَزَّقْتُ تذكَرةَ السَّفَرْ
وقرَّرْتُ أنْ أُعفيَكَ
منْ تقلُّباتِ الطّقسْ..
ورَائحةِ السُّفُنْ..
وجُنونِ المسافَةْ..
لأنَّ قُبُلاتي تُسبِّبُ لكَ الحَساسِيةْ
والنَّومَ على سَطحِ المراكبْ
يُوسِّخُ قَمصَيك المُنشَّى
وشَعْرَك المصَفَّفَ
لدَى أَمْهرِ حَلّاقي المدينَةْ..
2
ابْقَ، يا صَغيري، على اليَابسةْ
فذَاكِرتُكَ كذاكرةِ الحَجَرْ..
لا تحتمِلُ الهُجْراتِ الكُبرى
ابقَ مُواطناً في مَملكةِ الشَّجَرْ
حيثُ التجوُّلُ مَمنوعْ
وتغييرُ العَناوينِ مَمنوعْ
والانقِلابُ على التَّاريخِ ممنوعْ
ابقَ ثَابتاً في مكانِكَ.. كساعةِ المحطَّةْ
أو كمُلْصقٍ سِياسيٍّ سخيفْ
أو كمَوقفٍ إِجبارِيٍّ لأُوتوبيسِ الدَّولَةْ..
3
أيُّها السيّدُ
الذي يَضَعُ سَاقاً فوقَ ساقْ
يتغَرْغَرُ بفُتوحاتِهِ النِّسائيّةِ القَديمَةْ
إِنّني أُعْفيكَ مِنْ مُجامَلتي
ومِنْ مُراسَلَتي..
ومِنَ الظُّهورِ معِي في شَوارعِ المدِينةْ
فأنا لا أُريدُ أنْ أُورِّطَكَ في اللُّعبةْ
لا أُريدُ أنْ أجعلَكَ عاشِقاً رغْمَ أَنْفِكْ
وشَهيداً للحُبّ..
رغْمَ أنفِكْ..
لا أُريدُكَ أنْ تفقِدَ إِصْبعاً وَاحداً..
أو شَعرةً واحدَةْ
أو جَوهرةً واحدةْ
مِنْ جَواهرِ عرشِكْ
أنتَ رجُلٌ مُتَّزِنٌ، ورَصينْ،
وأنا امرأةٌ فوضويَّةْ
أنتَ نجْمٌ في عَلاقاتِكَ العامَّةْ
وأنا غَجَريّةْ..
لا تعرِفُ أقنِعَةَ المُدُنْ
وفنَّ العَلاقاتِ العامَّةْ..
4
أيُّها السيّدُ الذي أَغْمدَ سيفَهْ
ونسِيَ غَريزةَ القِتالْ..
إنَّني أُعفيكَ منَ التزامِكَ العَاطفيِّ نَحوي..
أُعفيكَ منَ الخُروجِ في اللّيل وحدَكْ
لأنَّ البرْدَ يُؤذيكْ
والسَّيرَ مَعي في الحَدائقِ العامَّةِ يُؤذيكْ..
والدُّخولَ مَعي إلى المقَاهي المُغلَقةِ يُؤذيكْ..
إنّني أُعفيكَ، أيُّها السيّدُ، مِنْ كُلِّ شَيءْ..
فأنتَ رَجُلٌ لا يُتقِنُ الألَمْ
5
ابْقَ، أيُّها الرّجُلُ، حيثُ أنتْ..
ابقَ عبْداً لعاداتِكَ اليَوميّةِ البَليدَةْ
انتظِرْ قَهوتَكَ في الثَّامِنةْ..
وجَريدَتَكَ اليَوميّةْ،
في الثّامنةِ والدَّقيقةِ العِشرينْ..
وإِفطارَ الصَّباحِ في التَّاسعَةْ..
ابقَ بيْنَ ملفَّاتِكَ..
وبَريدكَ.. وسيجارِكَ الكُوبيّ
مَزروعاً كمِسلَّةٍ مِصْريَّةْ
6
أيُّها الرّجُلُ المشْنوقُ على حِبالِ الوَقتْ
ابْقَ مَطمُوراً تحتَ أرقامِكَ وأوراقِكْ..
ابْقَ وَاقفاً على مَرفأِ الطّمأْنِينةْ،
أمَّا أَنا..
فمُسافِرةٌ معَ البَحرْ..
ومُسافِرةٌ معَ الشِّعرْ..
ومُسافرةٌ مع البَرقْ
مُسافِرةٌ في كُلِّ الأَشياءِ
التي لا تَعرِفُ التَّوقيتْ..