عن الكويت، وطننا المسروق، سأتحدث إليكم..
سرقات كثيرة تحدث أمام سمع التاريخ وأمام بصره.
بعض هذه السرقات يموت مع مرور الزمن، ويحفظ في خزائن النسيان.
وبعض هذه السرقات يبقى حياً وساخناً ومطروحاً أمام القضاء لأن أصحاب الحق يصرون على استعادة أشيائهم المسروقة.. وأوطانهم المسروقة.
والكويت هي وطن مسروق.. سيادته مسروقة، وأرضه مسروقة، وبحاره مسروقة، وثروته مسروقة، وكرامته مسروقة، ومواطنوه مسروقون من ديرتهم، ومن أسمائهم، ومن هويتهم.. هذا هو الواقع العسكري.
أما الواقع النفسي فشيء مختلف تماماً، لأن الكويتيين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم واتجاهاتهم وأفكارهم، يرفضون مبدأ السرقة جملة وتفصيلاً.. ويتمسكون برقبة السارق وثيابه، حتى يستعيدوا كل ذرة تراب من وطنهم المسروق.
ولعلكم تعرفون، من الصحف ووكالات الأنباء، أن الذي سطا على الكويت في فجر الثاني من أغسطس (آب)، أصبح محاصراً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً في كل مكان، وأن الرأي العام العالمي معبأ تعبئة شاملة ضده، ويطالبه بالانسحاب الفوري من الكويت، وإعادة السلطة إلى أصحابها الشرعيين.
ورغم هذا الحشد الهائل من الأساطيل البحرية، فإنني لا أعتمد إلا على الكويتيين في صلابتهم وثباتهم، وطريقهم هو طريق المقاومة الذاتية.
وهو طريق عرفته جميع الشعوب خلال التاريخ لتحرير أرضها من التبعية، والقهر والاستعمار.
هذا هو الطريق الوحيد الواحد، الذي لا بد لنا أن نقطعه لاستعادة بلادنا المسروقة، واسترجاع مفاتيح البيت الكويتي.
يجب على الكويتي من الآن فصاعداً، أن ينظم قواه الذاتية، ويجند نفسه للدخول في مقاومة طويلة.. مع الوجود العراقي بكل أشكاله وممارساته وآلته الحربية.
وعلى الكويتي أن يعرف أن زمان الكسل والرفاه وارتشاف كؤوس الشاي والقهوة المرّة قد ولّى.
لا بد للكويتي من الخروج من مرحلة الاسترخاء والقيلولة، فقد دخل السيف في خاصرة الكويتيين، دون أن يتوقعوه أو يحسبوا حسابه أو يستعدوا له.
وأمام هذا الواقع التراجيدي الجديد، لا بد للكويتي من تغيير عاداته القديمة، لا بد للكويتي من أن يعيد النظر في نفسه، وفي فكره، وفي سلوكه، كما لا بد أن يفهم أحوال الكون، وأسرار السياسة ولعبة الأمم.
فبعد الغزو العراقي، لم يبق أمام الكويتيين سوى خيار واحد.. لا ثاني له، وهو المقاومة واتباع سياسة الأرض المحروقة.
كل كويتي يستطيع أن يقاوم من موقعه؛ فالجندي من موقعه العسكري، ورجل الاقتصاد من موقعه الاقتصادي، والأديب من موقعه الأدبي، وطالب الجامعة من موقعه الجامعي، والمرأة الكويتية من موقعها الاجتماعي والتربوي.
المعركة مفتوحة أمامنا جميعاً، ولا عذر لأحد إذا تخلف عن المعركة، لأنه سيعتبر هارباً من الجندية.
لا يزال الجرح طازجاً، ولا يزال الاحتلال هشاً، وقابلاً للكسر، ولا يزال العالم يتعاطف معنا.. فعلينا أن نبقى مستنفرين، ومجندين، ومزروعين على الخطوط الأولى ليلاً ونهاراً.
المهم أن نبقى دائماً وراء قضيتنا، حتى لا تتحول إلى قضية تاريخية مزمنة، كعشرات القضايا الأخرى التي نسيها العالم.
إن المسألة بالنسبة للكويتيين هي أن يكونوا أو لا يكونوا، كما يقول شكسبير.
ولقد اخترنا أن نكون.. أن نكون.. أن نكون.. أن نكون.. بإذن الله.أولى ليلاًأ
[1] ألقيت في مؤتمر الاتحاد العام للطلبة الكويتيين – واشنطن 1/9/1990.