يوميات امرأة كويتية في المنفى
1
أكتب إليكم هذه الرسالة من (الشتات)..
و(الشتات) كلمة جديدة جداً علينا نحن الكويتيين.
فلقد كان لنا قبل 2 أغسطس (آب) 1990 وطن صغير، رقيق، مسالم، ينام كالوردة على شاطئ الخليج..
ولكن جاراً هجم علينا تحت جنح الظلام بدباباته، ومدرعاته، وعساكره، واحتل البيت الذي كان ينام كالوردة على شاطئ الخليج.. وسرق خواتمنا، وأساورنا، ودراهمنا، وفرحنا وضحكات أطفالنا.. وجعلنا كلاجئي القوارب الفيتناميين ترفضنا المرافئ..
2
نحن –لاجئي القوارب الكويتيين- كان لنا قبل 2 أغسطس (آب) 1990 رقعة صغيرة من الأرض، كان أجدادنا يعيشون عليها من مئات السنين، يصارعون المجهول، ويقاتلون أمواج البحر، وسمك القرش، وظلام الأعماق، بحثاً عن حبة لؤلؤ صغيرة يشترون بثمنها خبزاً لأولادهم وثياباً لنسائهم.
ولكنّ أخاً يسكن في جوارنا، هجم علينا قبل طلوع الفجر.. وصادر قواربنا، وشباكنا، وسرق حبات اللؤلؤ التي جمعناها بعرقنا ودموعنا.
3
(الشتات).. كلمة فظيعة جداً..
كلمة لم نكن نعرفها من قبل..
ولا نعرف كيف تلفظ.. ولا نعرف كيف تُكتب..
ولكنّ جارنا العزيز -أكثر الله مكرماته، ونصره في فتوحاته، وزاد في عدد صواريخه ودباباته- أدخلها إلى القاموس العربي، بحيث صار الشتات الكويتي واقعاً بعد الشتات الفلسطيني.. والشتات اللبناني..
وكل قائد مظفر، ونحن مشتتون ومنفيون ولاجئون فوق كل كوكب..
4
ما هو الشتات؟..
الشتات هو أن تستيقظ ذات يوم فتجد نفسك مقذوفاً خارج سريرك، وخارج جسدك، وخارج دورتك الدموية.
الشتات هو أن تستيقظ ذات يوم فتجد نفسك مقتلعاً من جذورك، وممحواً من دفاتر الزمان والمكان.
الشتات هو أن تستيقظ ذات يوم فتجد نفسك ممنوعاً من الدخول إلى بلدك، وممنوعاً من الدخول إلى لغتك.. وممنوعاً من الدخول إلى داخلك.
الشتات هو أن يسرقوا منك مفاتيح الوطن.. ويتركوك نزيلاً في فندق الحزن.
5
الشتات كلمة قاسية.. ودامية.. ولها طعم الحنظل..
والذين سبقونا إلى الشتات من أرمن وآشوريين، وتركمان وأكراد، وهنود حمر، وروس بيض، وألبانيين، وفيتناميين، وكمبوديين، وكوريين، وأريتريين، وسريلانكيين، وفلسطينيين، ولبنانيين.. يستطيعون أن يشرحوا للكويتيين كيف يمكنهم أن يتأقلموا مع هذا الموت اليومي، الذي يسمونه المنفى.
6
لماذا غزانا الجار العزيز؟
لأن الكويت هي زائدة دودية على الخريطة..
لذلك أخذ المقص من جارور مكتبه، وقطعها..
لم يستعمل المخدر ولا القطن، ولا السبيرتو، ولا الضمادات الطبية.. وإنما فتح بطن الأمة العربية بالبلطة، وتركها تنزف.
إنها أول عملية جراحية من نوعها في التاريخ، يقوم بها حلاق مضطرب، لا يحمل شهادة في الجراحة، ولا شهادة في الحلاقة..
فإذا كانت الوحدة العربية العتيدة سوف تتم على يد الحلاقين.. فما أجمل الانفصال!
7
دبابات النظام العراقي التي اجتاحت بلادي..
لم تطحن جسد الكويت فحسب..
وإنما طحنت جسد كل مشاريع الوحدة العربية..
لألف سنة قادمة..
8
إذا كان النظام العراقي يريد أن يسرق المحفظة فقط..
فألف مبروك عليه..
ولكن لماذا يربط سرقة المحفظة بأيديولوجية الوطن العربي الكبير..
إن السرقة هي المهنة الوحيدة التي ليس لها أيديولوجيا.
9
سيارات المرسيدس 500 الكويتية الأرقام، التي تملأ شوارع بغداد.. وضعت بطاقة على قبر الأستاذ ميشيل عفلق، كتبت عليها العبارة التالية:
“أمة عربية واحدة.. تركب سيارات مرسيدس واحدة”!
10
ينتقل النظام العراقي بين (القادسيات) كأنه يركب على موتوسيكل..
فمن قادسية (كردستان)..
إلى قادسية (إيران)..
إلى قادسية حقول النفط في (الرميلة) و(الأحمدي)..
ولكن أين قادسية (إسرائيل) التي وعدنا بها النظام العراقي قبل أن يأكل الكويت؟
كنا ننتظر منه أن يحرق (نصف) إسرائيل.
فإذا به يحرق (كل) الكويت..
فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون..