بابا صدام وأطفال الإنجليز
هذا الخراب الكبير الذي أحدثه الرئيس صدام حسين في بنية التاريخ العربي خلال شهر واحد، كيف يمكن ترميمه، وما الوقت الذي يتطلبه هذا الترميم؟
خراب هائل ضرب كل قطاعات حياتنا، سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وثقافياً، ونفسياً، وأرجعنا ألف عام إلى الوراء.
شخص واحد.. خطر لـه أن يقامر بكل ما في الوطن العربي من شجر، وبشر، وتاريخ، وتقاليد، وتراث، وأطفال، ونساء، وتلاميذ مدارس، وجامعات، ومكتبات، ورجال أعمال، وأُجَراء، وأغنياء، وشحاذين.
شخص واحد.. أحرق وجه الوطن بالأسيد، وجلس أمام كاميرات التلفزيون بكامل أناقته، ومواهبه.. ليطبطب على أكتاف الأطفال الإنجليز.. ويسألهم بأبّوة مصطنعة، إذا كانوا “متونسين” في بغداد.. وإذا كانوا قد ناموا جيداً.. وشربوا كوب الحليب اليومي.. أي أبوة؟ أي نوم؟ أي حليب؟ يا سيادة الرئيس.
وإذا كان بالك مشغولاً على الأطفال الإنجليز.. فلماذا لم تسأل عن الأطفال الكويتيين الذين طردتَهم من بيوتهم ومدارسهم، ورميتهم على قارعة الطريق؟
ولماذا لم تسأل عن الأطفال المصريين الذين مات نصفهم عطشاً وجوعاً وتعباً، وهم يخترقون الصحراء إلى الحدود الأردنية؟
كيف يمكن أن تكون الأبوة (إنجليزية) أو (دانماركية) أو (نمساوية).. ولا تكون أبوة (كويتية) أو (مصرية).. وأنت الذي تدّعي أنك أبو العرب وملكهم، وإمبراطورهم، وحامي حماهم.. من المحيط إلى الخليج؟
شخص واحد تسبب بكل هذا الخراب دون أن يقرأ الفاتحة، أو يسمّي بالرحمن، أو يستفتي قلبه، أو يستفتي شعبه.
وإذا كان الخراب الاقتصادي الذي أجهض كل مشاريع التنمية، والاستثمار والتعمير في الوطن العربي، وهز دعائم الدخل القومي، وحوّل الثروة العربية في أيام معدودات إلى رماد.
أقول: إذا كان الخراب الذي حل بالاقتصاد العربي مخيفاً، فإن الخراب النفسي الذي لحق بالنفس العربية أشد وأدهى.
وإذا كان الخراب الاقتصادي قابلاً للترميم، فمن يرمم النفس العربية مما أصابها من رضوض وكسور وخيبات أمل؟
إن ما يشغل بالي حقاً في أزمة الخليج، ليس الخسائر المادية التي أصابت المنطقة، فكل الأزمات المادية يمكن تجاوزها مع الزمن، ولكن ما يشغل بالي هو هذا الزلزال الروحي الرهيب الذي هز نفوس أطفالنا واغتال أحلامهم الجميلة بالوحدة الكبرى.
لقد أعطى النظام العراقي للأجيال العربية الجديدة درساً مرعباً في الوحدة، حين استيقظ الأطفال في فجر 2 أغسطس (آب) ليجدوا أن الدبابات هرست عظامهم، وأوراقهم، وأقلامهم، وأحلامهم الوحدوية التي تعلموها في الكتب المدرسية.
كيف نعتذر لهؤلاء الأطفال، حين يكتشفون أن الوحدة العربية التي بشرناهم بها قد حولتهم إلى مشردين ولاجئين ويتامى، وأن الاستعمار العربي، لا يقل شراسة وهمجية عن الاستعمار الغربي؟
وماذا نقول للأطفال الذين علمناهم منذ ولادتهم أن العرب أمة واحدة وعائلة واحدة، وكيان واحد، وأن الوحدة هي قدرهم الأول والأخير.. عندما يكتشفون أننا كنا نكذب عليهم؟
الخطير في الأمر أن الدبابات العراقية لم تحفر طريقها في شوارع الكويت فقط، ولكن جنازيرها حفرت طريقها في نفوس الأطفال الكويتيين، وفي عقولهم، وفي مخيلتهم.
فالأطفال الكويتيون الذين كانوا يصفقون للرئيس صدام حسين عندما كانوا يرونه على شاشة التلفزيون، يداعب الأطفال، ويتودد إلى الجنود، ويواسي أبناء الشهداء، لم يصدقوا أن بطلهم المغوار يمكن أن يدخل عليهم وهم نائمون في فُرُشهم، ويجردهم من ثيابهم، وألعابهم، وضحكاتهم، وحصالات نقودهم. وساندويشاتهم.