عندما تشهر الدبابة إسلامها
“في اليوم الثاني من أغسطس (آب)، انفتح باب السماء، بإذن الله أمام العراق، وويل لمن تنفتح له أبواب السماء، ويتأخر عن فرصته فيها، وويل لنا من عذاب الله إن تأخرنا عن واجباتنا تجاهه..”.
مجلس قيادة الثورة
بغداد في السابع عشر من محرم 1411ه
الموافق الثامن من أغسطس (آب) 1990م
إن الذي يقرأ هذا النص الصادر عن مجلس قيادة الثورة في العراق، إثر اجتياح القوات العراقية المسلحة لدولة الكويت، يتصور أنه أمام نص للإمام الشافعي، أو للإمام أبي حنيفة، أو لواحد من أئمة المتصوفة كجلال الدين ابن الرومي، أو محي الدين بن عربي، أو لشيخ الجامع الأزهر.
ولكنه حين يرى توقيع مجلس قيادة الثورة العراقي تحته، لا يستطيع أن يمنع نفسه من الضحك، والقهقهة بصوت عال.
هل يمكن أن يتحول مجلس قيادة الثورة العراقي، بين يوم وليلة، إلى “ملالي” وأئمة مساجد وشيوخ طريقة ومتصوفة؟
ثم هل يمكن أن يتحول النظام العراقي، من نظام علماني لا يؤمن بالسماء، ولا بتعاليم السماء، إلى نظام معمم وملتحٍ، ويؤدي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويحج إلى بيت الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؟!
وإذا كان النظام العراقي، على هذه الدرجة من التنسّك والتدين، والتمسك بشعائر الدين الإسلامي الحنيف، فلماذا قاتل الناس في إيران ثماني سنوات كاملة، وقتل منهم نصف مليون، دون أن يستغفر الله ويشعر بالندامة؟
وإذا كان النظام العراقي يخاف الله ويسعى لمرضاته، فلماذا يقتل النفس التي حرم الله قتلها؟ ولماذا يمارس جنوده أعمال السبي والنهب واغتصاب مضيفات الطيران في وضح النهار؟
وإذا كان النظام العراقي يؤمن بالله والرسول واليوم الآخر.. ولا يأكل الدم والميتة ولحم الخنزير.. فلماذا أكل الساعات والثلاجات والتلفزيونات والسيارات.. وفتك بالأخضر واليابس كما تفتك الزلازل بالمدن الجميلة؟
هل يمكن أن يغير نظام من الأنظمة جلده بمثل هذه السهولة، فيتحول من كارل ماركس إلى أبي ذر الغفاري؟
وهل يتصور النظام العراقي أن أحداً يصدق (دروشته) وتنسكه وتقواه؟
هل يتصور أننا سوف ننخدع بجبّته ومسبحته ولحيته الطويلة؟
إننا نعرف أن النظام العراقي أصبح محاصراً في الزاوية.. لذلك فهو يخرج المناديل الملونة من قبعته.
مرة يخرج منديل العروبة..
ومرة يخرج منديل الإسلام..
ومرة يخرج منديل الأماكن المقدسة..
ومرة يخرج منديل الأسلحة الكيميائية..
ومرة يخرج منديل الرهائن.
ولكن العالم –كما يبدو- لم يعد يؤمن بالحواة ولا بالمناديل الملونة، فهو يعرف أن كل ما يطرحه النظام العراقي ليس سوى إشارات الاستغاثة الأخيرة قبل غرق السفينة.
طبعاً.. نحن لا نريد كعرب لسفينة العراق أن تغرق، وهي التي كنا نطمح أن توصلنا إلى شاطئ السلامة.
ولكن النظام بكل عناده هو الذي فتح عشرات الثقوب في خاصرة السفينة، حتى أوشكت أن تغرق.. وتغرقنا معها.
إن اللعب بورقة الدين هو نوع من أنواع التكتيك والمراوغة السياسية، وليس عملاً من أعمال الدين والورع.
فالفظائع التي ارتكبها الجيش العراقي –المظفّر- على أرض الكويت تتنافى مع تعاليم الإسلام وجميع الأديان السماوية.
لذلك، فإن المطلوب من الجماهير الطيبة في الشارع العربي، ألا تندفع وراء الشعارات الدينية البراقة التي يطرحها النظام العراقي، فهي ليست أكثر من بضاعة مغشوشة وفاسدة.
إن المسدس لا يمكن أن يشهر إسلامه.. والدبابة لن يُسمح لها أبداً بدخول الجنة..