حرائق على الثلج..
1
يا الذي لا يشبِه رجلاً
ولا يشبِهُهُ رجلْ
مرآتي أنـْـت..
فما أجمل وَجهي.
2
الثلجُ في “مِجيفْ”
أسودُ.. أسوَدْ
والمتزحلقونَ على الجليد
يتزحلقون على أسلاكِ أعصابي.
“مِجيفُ” ترفضُ أن تستقبلَني
وترفِض أن تكلّمني..
وترفض أن تعترِف بِشرعيّـتي
إلا وأنا متعلّقة بذراعك اليسرى..
فهـَل يمكن أن تَرُدَّ إليَّ اعتباري؟
في هذه القرية الفرنسيّة الجميلة
التي اختارتكَ رئيساً لبلديتها؟..
3
أيُّها الرجلُ
الذي أخذَ خرائطَ الثلج في جيبِه
وتركني أتزلج على ثلج أحزاني.
أيهّا الرجلُ الذي شرب كلَّ قهوةِ فرنسا
وتركني أشربُ دموعي.
إنني هنا عاطلةٌ عن الفَرَحْ..
وعاطلةٌ عن الحبّ..
وعاطلةٌ عن أنوثتي.
4
شَوارعُ “مِجيفْ” مضرّجةٌ برائحةِ صوتِكْ
وكراسي المقاهي.. محجوزةٌ على اسمكْ..
وجُبْن منطقة “السافوا”.. لا طعمَ لهُ بعدَك..
وآثارُ أقدامِكَ على الثلج..
محفورةٌ على جدرانِ الذاكرة..
فأعِدْ إليَّ يا سيّدي..
خرَائط المدينـة..
5
السّاعة ُ تَدقُّ
وأجراس أحزاني تدُقّ معها
ورياح الألب تنزعُ قبعةَ الصوف عَن رَأسي..
والثلج يحرقني بنارِهْ..
وأنت تمرُّ في شراييني.
شرياناً.. شرياناً
شبْراً.. شبْراً
زاويةً.. زاويـةْ
موقِعاً.. موقعاً
الساعة تدُقّ
وأنا مدجّجة بالعشقِ حتى أسناني.
فيها أيّها المختبئ في أهدابِ غمامةْ
فلتهمرْ روعةَ أمطاركْ.
فأيّامي تتشقَّقُ عَطَشاً..
6
أيّها الفارسُ الذي يلفُّني بعباءةِ رُجولته..
من شمالي، حتى جَنوبي..
من شفتي، حتى خاصرتِي..
يا مَن يكتبُ قصائد العشْقِ على تضاريس أيّامي
قلبِي فاكهةٌ تنتظر القِطاف
ومساماتي مفتوحةٌ لمراكبكَ القادِمةِ مع الريح
فيا أيّها البحّارُ الذي شقّقَ ملحُ البحرِ شَفتيهْ..
أنا مملكةٌ من النساءْ
فازرَعْ مِرساتكَ على سواحِل وجداني..
وامنَحني بَركاتِ أبوَّتِكْ
فلا بيتَ إلاّ أنتْ
ولا قبيلةَ إلاّ أنتْ
ولا وطنَ أنتسِبُ إليْه..
إلاّ أنتْ.
7
في الرّابعة
يرتفِعُ بحرُ ولهي، حتى يهدمَ كلَّ سُدودي
ويقتلعَ كلَّ أشجاري..
ويلغي خطوطَ لغتي..
وخطوطَ ذاكرتي.
في الرابعة
أشتعلُ فوق ثلج “مِجيفْ”
كَشجرةِ عيدِ ميلادْ
وأصرَخُ حتى ينغرسَ صوتي بصوتِكْ
وتنغرسَ جذوري في ترابِكْ..
وأصبحَ جزءاً من دورتكَ الدمويَّة..
8
أيّها الفارسُ الذي أنتظرُهُ..
منذ بداية التاريخ
منذ بدايةِ الأشياء
إنَّ أشجارَ حناني..
وأزهارُ قلبي مُسْتَنفَرَة..
وطيوري.. وأسماكي
وأبراجُ فكري.. مُسْتَنفِرة..
فترجَّل عن حِصانِك، يا سيِّدي
وقاسمْني
لحظاتِ الشعر.. ولحظاتِ الجنون..
9
ماذا أفعَلُ بِـتراثِكَ العاطفيِّ المزروعِ في دمِي
كشجرةِ ياسمِين؟
ماذا أفعَلُ بصوتِكَ الذي يَنقُرُ كالدّيكِ
وجهَ شراشفي؟
ماذا أفعلُ بِبَصماتِ ذوْقك على أثاثِ غرفتِي؟
باللوحاتِ التّي انتقينَاها معاً
والكُتُبِ التّي قرأناها معاً
والتذكاراتِ السياحيّةِ التي لملمناها من مُدنِ العالم
وبالأصدافِ التي جمعناها من شواطئ البحر الكاريبي؟
قُـل لي يا سيِّدي:
ماذا أفعَلُ بهذه التركة الثقيلة من الذكرياتِ
التي تركتَها على كتفيّ؟
لقد حاولتُ أكثرَ من مرّةٍ.. أن أتخلَّص منك..
ومنها
ولكنّني خجلتُ من بيْعِ تاريخي
وبيْعِ مشاعري
وبيْعِ ضفائري في المزاد العلنيّ
10
إلى أيّة مدينةٍ من مدُن العالم.. سأذهبْ
ومعكَ خرائطُ كلِّ الأمكنةْ
وفي أيّ مقهى سأجلسْ
وأنتَ احتكرت أشجارَ البُنّ
ورائحةَ القهوةْ؟
وبأيّة لغةٍ سوف أتكلّم
وبيديكَ مفاتيحُ لغتي؟..
حاولتُ ترحيلَكَ إلى الوجهِ الثاني من القمَرْ
فلمّا طلَع القَمر.. عدتَ مع أشعّتهْ
ووجدتُ وجهَكَ مرسوماً على زجاجِ نافذتي
حاولتُ أن أرسلكَ إلى أمّك
التي علّمتكَ الدَّلعَ.. والفَوْضى..
وهوايةَ جمعِ الطوابعِ
وجَمْعِ النساءْ
ولكنّها أعادتْكَ لي بالبريدِ المضمونْ
مع أطيبِ التمنّيات.