تحية إلى رجل كبير
لو كانت الكتابة عن رجل ينحصر عطاؤه في ميدان واحد لكان ذلك هو الأمر الذي يسهل فيه القول وتنجو العبارة بمضمون يتفق والموصوف المراد تبيان إبداعه أو فضائله .
ولكن كيف يمكن لي أن أقدم لأسفارنا هذه، المخصصة لتكريم رائد من رواد الثقافة العربية، والمحتفى به متعدد العطاءات ومتنوع الاهتمامات، إلى حد يجعلني في حيـرة من الأمر كبيرة. كيف لا وصاحب السمو الملكي الأميــر عبد الله الفيصل سياسي حين تقارب تجربته في الشأن الإداري، ومن موقعه : الابن البكر للملك الكبير الشهيد فيصل بن عبد العزيز، تغمده الله بواسع رحمته.
والأمير عبد الله الفيصل حين تقترب من الشعر يطالعك بالقصيد حزيناً ومعبراً عن حرمان توجّته العفة وسورّته الطهارة، فما كان حرمان العاجز لو شاء. لقد طرق الأمير المكرم أبواب الشعر على تعددها وصال فيها وجال شعراً عمودياً وشعراً شعبياً، ليعبر عن نفس توّاقه إلى بناء حلم الكلمات الجميلة، والنوازع البشرية السامية .
ولم يقتصر همه واهتمامه على السياسة والشعر، فها نحن نقف معه على بساط الرياضة الأخضر، وقد شغله فاهتم كثيراً بالسعي لخلق جيل من الرياضيين الذين ينتقلون بالقوة والجسارة إلى مرتبة التفاني في سبيل رفع الراية الخضراء عالية في كل منتدى: خليجياً أو عربياً كان أو عالمياً. وتشهد له في كل ما تقدم علامات يتركها على دروب العطاء لتميزّ إبداعه وما قدم ولتجعله الإنسان المتعدد الإنجازات والمتنوع الأصوات، مبدعاً في كل منها وحيث كان له الخيار.
عرفت الأمير عبد الله الفيصل منذ سنين طويلة، ومازالت صورته اليوم في نفسي كما كانت بالأمس: مشرق الابتسامة، متواضع الحديث عن النفس حتى لتحسبه عن سواه يقول الكلام ولا يتصنعه .
وإذا كان الناس تعرف عنه الكثير من العطاء شعراً ومبادرات إنسانية وثقافية ورياضية، فإن ما لا تعرفه هو الجزء الأكبر وهذه سمة النبيل: إذا أعطى تفانى وزاد في صمته تاركاً للزمن وللتاريخ أن يدون اسمه في سجل الخلود . وها نحن هنا، مجموعة مختارة من أهله وأصدقائه ومريديه وعشاق إبداعاته على تنوعها، نقف أمام الرجل الكبير لنلقي عليه تحية الإكبار ونزرع مع دعواتنا له أكاليل الزهر والغار مشيدين بما قدم وما يقدمّ، آملين أن يقبل منا هذه التحية التي تسعى إلى الارتقاء إلى قامته العالية في دنيا الإنسان وفي عالم الثقافة العربية .
سعـاد محمد الصبـاح
الطبعة الأولى – 2001