بسم الله الرحمن الرحيم
“ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون” صدق الله العظيم.
كلما قرأت الآية الكريمة، واستعدت في ضميري معناها وأبعادها، أجد أمامي هذه الأسماء والصور التي حملت على صدرها وسام البطولة، فجسدت بالموت من أجل الله والوطن أسمى معاني الحياة.
يخطئ من يظن أن غزو الكويت واحتلالها كان كله وبالاً علينا وشراً مطلقاً، إنني لأحسب أن لهذه الجريمة فوائد -وما أندر فوائد الجريمة!- تكمن في أنها أبرزت جانباً عميقاً وخفياً من جوانب الشخصية الكويتية.
لقد كنا نظن أننا مجتمع أغوته المدنية الزائفة وأسباب الرفاه حتى وصل إلى حد العجز عن توليد طاقة المقاومة في ذواتنا والرضى المطلق بأي ثمن ندفعه للبقاء في حالنا الخاصة المميزة، ولكن الاحتلال العراقي فجّر فينا الطاقات الكامنة، والتي خفيت عنا، فإذا بشعبنا ينتقل من حالة الركود والمهادنة والرضى إلى حالة الغليان والرفض والغضب، وبذلك ولدت في الكويت كوكبة من النساء والرجال آمنت بربها وآمنت بوطنها وبأن مقاومة الاحتلال واجب يستحق الأداء، ولو كانت الحياة هي الثمن المدفوع له.
إن روحية الاستشهاد هي أعلى درجة في سلم القيم الوطنية والإنسانية، ولا يصل إليها شعب من الشعوب إلا ويكون قد بلغ من الوعي حدوده القصوى، ومن التضحية أعلى مراتبها.
الموت حق، هذا صحيح، ولكن اختيار الموت بالإرادة الإنسانية الحرة هو البطولة، وهذا بالضبط ما تعنيه هذه الأسماء المشرقة في تاريخنا؛ نساء ورجالاً، عاهدوا الله على الوفاء بقيمة المواطنة وبشرف الانتساب إلى هذه الأراضي، فكتب الله لهم جميعاً بالشهادة عزاً كريماً؛ أين منه كل عز آخر؟
إن شهيدات الكويت وشهداءها هم الرمز الأعظم في تاريخنا كله، لأن قرار التحدي كان قرارهن وقرارهم، والتسابق إلى الشهادة كان مطلبهن ومطلبهم، لقد سجلت الكويت لنفسها -عبر الشهيدات والشهداء- فخاراً ما بعده فخار، وإذ حفر الشهداء والشهيدات لنا اسمنا على مراقي البطولة المؤيدة بصحة العقيدة فلقد حفروا اسم الكويت على وجه النجوم لتظل الكويت بفضلهن وبفضلهم حرة أبية، سيدة لا تساوم على حقها في الحياة.
إن أزكى ما في الحياة شهادة الدم، وقد قدمناها مختارين إثباتاً للنخوة وصوناً لشرف الوطن.
إلى شهيدات الكويت وإلى شهدائها:
حقكن وحقكم علينا كبير، وأرجو الله أننا جميعاً قد أخذنا نعرفه، فيكون الوفاء بعض ما يستحق علينا من واجب، لترسيخ مفهوم الشهادة، ولتبقى أعلامنا دائماً خفاقة فوق السحب، فتؤكدون كما يؤكد كل جيل أن الحياة وقفة عز.