أغمض عيني.. أفتح عيني..
فإذا بي فوق بساط سحري يطير بي فوق جبال صنين، وعالية، وبحمدون، وبيت الدين، واليرزة، وشواطئ صيدا، وصور، والرملة البيضاء.
أطير مع الذاكرة إلى أكثر من ثلاثين عاماً مضت، فإذا بي أقف مع زوجي وصديقي وأبي الشيخ عبدالله المبارك الصباح – صديق لبنان وحبيب اللبنانيين- على غمامة تمشط شعرها فوق بحر بيروت.
ثم جاء شيطان الحرب ليرقص رقصته الدموية.. ويذبح هذا البلد الجميل، من دون أي سبب إلا لأنه كان جميلاً..
ولا أغالي إذا قلت إن فترة الحرب الأهلية اللبنانية هي فترة اليتم الثقافي في تاريخ الأمة العربية.
واليوم يسعدني أن أعود إلى لبنان، بعدما خرج كطائر الفينيق من رماده.. وبدأ يرقص (الدبكة).. ويغني (الميجنا).. ويرفع أعمدة بعلبك مرة أخرى.. على كتفيه.
لقد أثبت لبنان أنه أقوى من موته.
فحين تتساقط الجبهات العربية جبهة جبهة.. وتنكسر السيوف سيفاً بعد سيف.. ونتجرع سموم السلام كأساً بعد كأس يقف لبنان شامخاً كشجرة السنديان، وقوياً كالأساطير..
إن المقاومة اللبنانية في الجنوب.. هي السيف العربي الذي لم ينكسر.. والحصان الأصيل الذي لم يركع..
وجراحاتنا في الكويت، تشبه جراحاتكم في لبنان، فكما تعرض ترابكم للاغتصاب عام 1982، تعرض التراب الكويتي عام 1990، لأبشع غزوة بربرية عرفها التاريخ العربي.
وكما لا تزال سجون (أنصار) تكتظ بآلاف الأسرى من اللبنانيين، فإن سجون النظام العراقي لا تزال تخفي بين جدرانها مئات الأسرى الكويتيين الذين يصر النظام العراقي على تغييبهم وطمس هوياتهم.
إن ظلم الإنسان مرفوض في كل الكتب المقدسة والديانات.. ولن يكون هناك أي سلام على الأرض، إذا ظل إنسان واحد محروماً من اسمه، وعائلته، وحريته..
وإنني أنتهز فرصة وقوفي على هذا المنبر اللبناني الحر، لتذكير كل الأقلام العربية الرائدة، بكل هذه الانتهاكات الدامية، التي تستهدف الإنسان في جسده، وفي روحه، وفي إنسانيته..
إن لبنان هو بيت العدل.. لذلك اخترته لأنقل للعالم آمالي وأحزاني.