إننا اليوم ومن خلال مهرجانات لقاء الشعوب نجدد التلاقي والمودة بين مختلف الجاليات المقيمة على أرضنا.
هذه الجاليات التي كانت معنا زمن الشدة فاختلطت دماء كثيرة بدمائنا في معركة التصدي للغزو والعدوان وتعطرت رمال صحرائنا بطيب الشهادة يقدمها المئات من المؤمنين بحقنا في الحرية والحياة.
إن شهداءنا الذين أعطوا حياتهم فداء الوطن سيظلون المشعل المضيء في تاريخنا وسيبقى تحرير أسرانا الصابرين غاية لن نهدأ دون تحقيقها ليعودوا إلينا سالمين ظافرين.
إن هذا المهرجان عنوان تلاحمنا، ولإيماننا بأن القدر قد وحد بيننا حياة واحدة على أرض الكويت وأن ما يربط جميع هذه الجاليات من أواصر المحبة والتعاطف يجب أن نزيده عمقاً وفعالية، نريد لعلاقات هذه الجاليات مع بعضها البعض ومع الكويت أن تكون نموذجاً لحياة مشتركة وتطلعاً لعالم أكثر جمالاً ومحبة.
باسم الله الذي حررنا ثم باسم شهدائنا الذي كتبوا لنا بدمائهم الحرية وباسم الأسرى الذين ينادون من ظلام سجونهم ألا ننساهم ولن ننساهم، نبدأ مهرجان لقاء الشعوب متمنين لجميع المشاركين فيه فرحاً حقيقاً وإيماناً أقوى بروابط التماسك والتعاون من أجل غد أفضل، نسير إليه مؤمنين عاملين تحت قيادة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح حفظه الله وسمو وولي عهده الأمين الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح الذي نتطلع جميعاً لعودته معافى سالماً بإذن الله.
يا أصدقاء الفكر..
الثقافة إبحار مستمر بين الحروف الأبجدية
إنها البحث عن النفس وعن آلاف الأسئلة التي تعذبنا علنا نجد جواباً عليها..
إن الثقافة هي السؤال.. والإنسان الذي يسأل يأخذ شكل الحجر..
إن حياة الذين يحترفون الثقافة تشبه حياة البحارة الذين يحترفون المجهول، وينتظرون المراكب التي قد لا تأتي.. والثقافة تعني ضوء الشمس الذي ينير وجدان البشرية.. والمثقفون هم الطليعة المقاتلة التي تشق الطريق أمام ملايين المعذبين في الأرض.. الذين لا يعرفون كيف يعبرون عن أنفسهم.. أو يخافون التعبير عن أنفسهم.. لأن سيف القمع مرفوع فوق رؤوسهم. ولكي تتحول الثقافة إلى حاجة عامة يتفاعل معها الناس لابد للأديب من أن يكون الناطق الرسمي باسم الناس يعبر عن أحزانهم وأفراحهم ومعاناتهم اليومية.
إن الوظيفية الأساسية للكلمة هي المواجهة والتصدي وتأسيس عالم جديد، ولا أهمية للكلمة التي لا تحاول أن تغير العالم، فالثقافة أسلوب متحضر للدفاع عن وجود الإنسان وعن هويته وعن كرامته وحريته، وبالتالي لا يمكن أن تنفصل الثقافة عن الموقف الأخلاقي وعن إطار المثل العليا، والمثقف هو حارس القيم وحارس الحريات وحارس الضمير الإنساني.. وظيفته أن يوظف كتابته في خدمة الإنسان والدفاع عن وجوده ومستقبله.
يا أصدقاء الفكر..
إن زراعة بذور الثقافة هي أنجح الزراعات وأكثرها بركة، فمن يزرع وردة.. يقطف بستان ورد.. ومن يوقد شمعة يساعد على ولادة الفجر، والأرض العربية لا تجد من يسقيها ويحرثها ويزرعها ولو توفر لهذه الأرض يد تعتني بها لتفجرت لؤلؤاً وذهباً، فالعقل العربي أرض حبلى بالإمكانيات وحبلى بالمواهب.. ولكنها تبحث عن مستثمر ذكي وطموح، يفتح فيها الآبار الارتوازية ويشق الترع ويحول الصحراء إلى جنة..
إن الاستثمارات الثقافية والعلمية أكثر الاستثمارات مردوداً، والرهان على حصان العقل هو رهان رابح لأنه رهان على المستقبل.
ورغم ما مر على الأمة العربية من إحباطات وانتكاسات ورغم المحاولات اليائسة لإجهاض حضارة الأمة العربية ووحدتها ولغتها، فإن العقل العربي لا يزال عقلاً ديناميكياً ولوداً وخلاقاً.
يا أصدقاء لبنان ويا أصدقاء الإنسان..
لبنان وطن، لا ينفصل عن عنصرين أساسين فيه: حريته وثقافته.. وهذان العنصران هما سر نضارته وسر قوته وسر شبابه الدائم..
ولبنان منذ أن كان يعيش ثورة ثقافية مستمرة لا تقل عن أهم الثورات التي حدثت في العالم، بما في ذلك الثورة الثقافية الصينية التي حدثت في الستينات.. لكن لبنان برغم تواضع مساحته، وقلة موارده وسكانه استطاع أن يلعب في المنطقة العربية درواً ثقافياً باهراً، ويكون مدرسة المنطقة، وجامعتها ومطبعتها.
ومن كان يصدق أن تتفوق بيروت على باقي العواصم العربية في كل الأدوار الثقافية شعراً ونثراً ونقداً وصحافة، وفناً تشكيلياً وموسيقى وطباعة ونشراً وترجمة.
إن عامل الحرية اللبنانية، كان العامل الأول في انطلاق الكتاب العربي من بيروت بهذه القوة، حيث لا رقابة على النصوص ولا حظر على الأفكار..
إن ارتباط الكتاب بالليبرالية اللبنانية جعل بيروت خلال ثلاثة عقود (1945 – 1975) تشبه إلى حد بعيد باريس ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث ازدهرت المقاهي الثقافية (كالهورس شو) و(الأكسبرس) و(الكافية دي باري) على نسق المقاهي الثقافية الفرنسية مثل مقهى (لافلور) الذي انطلقت منه شرارة المدرسة الوجودية..
إن حجم ما سجلته الحركة الثقافية من انتصارات جعل من بيروت خلال ثلاثين عاماً لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط، كما كانت الإسكندرية، فشهدنا هذه الهجرة الثقافية الشاملة إلى بيروت على صعيد الشعراء والرواية والمسرح، فلم يبق شاعر أو مبدع عربي، إلا وحزم حقائبه متجهاً إلى بيروت ليتخذها قاعدة لانطلاقه. فالشاعر العربي الذي يبحث عن نسمة حرية كان يلتجئ إلى أحضان بيروت.. والسياسي العربي الذي كان يريد المزيد من التنفس، والمزيد من الحوار الحضاري لم يكن أمامه سوى قناديل شارع الحمراء.
ويشهد الله إن بيروت لم تبخل على أي عصفور عربي مثقف بحبة قمح، أو جرعة ماء.. وباختصار يمكن القول إن المثقف العربي كان يحمل جنسيتين ثقافيتين؛ جنسيته الأولى، والجنسية اللبنانية.
إن الثقافة اللبنانية تسيل في دمائنا جميعاً، وثمة لغة لبنانية أصبحت قاسماً مشتركاً لدى كل الطلبة العرب الذين يدرسون في الجامعات اللبنانية، أو لدى المصطافين العرب الذي يقطفون مع كل تفاحة لبنانية، بيتاً من الشعر للأخطل الصغير، أو لأمين نخلة، أو لسعيد عقل، أو لإلياس أبي شبكة، أو أغنية من أغاني فيروز، أو وديع الصافي.. إن لبنان مزروع فينا ثقافياً.. وروحياً.. وجمالياً..
وإن كانت الحرب اللبنانية الأهلية قد أفقدت لبنان دوره الرائد لفترة مؤقتة فإن لبنان الذي يجدد جلده الاقتصادي والإنمائي والعمراني دقيقة بعد دقيقة في هذه الأيام.. لا ينسى أن يزرع أشجار الثقافة، وأشجار المعرفة والإبداع على امتداد جباله وسهوله وسواحله..
أيها الأصدقاء..
الشكر الموصول للمجمع الثقافي العربي على دعوته الكريمة، متمنين للإخوة الأعضاء مواصلة مسيرتهم في الفكر والإبداع والعطاء في خدمة الحرية والحق والعدل في وطننا العربي.
ألف تحية للبنان الذي يقاتل اليوم سياسياً وقومياً وينهدس الحجر.. كما يهندس الإنسان.
ألف تحية لهذا البلد العظيم الذي يزرع وردة الثقافة.. إلى جانب وردة الحرية.. ألف تحية للذين يكتبون قصائدهم باللون الأحمر..
وسلام الله عليكم يا جيران القمر.. ويا جيران الناي.. ويا جيران أزهار الليمون في بساتين الجنوب..
ألقيت في مناسبة افتتاح مركز المجمع الثقافي العربي في بيروت