سمـوَ الأميـرِ الصديـق الحسنُ بنُ طلال
أيها الأحبـاءُ والأصدقـاء
قِلةٌ هـمُ السياسيـونَ الذينَ يَشغلهُم الفكر فلا يتركونَه ضائعاً في دهاليزِ العمـلِ السياسي التي تبتلعُ الأفكارَ والرؤى وتَضَعُها فـي مرتبةِ الإهمال.
قِلةٌ هم رجالُ الدولةِ الذينَ يُشكلُ العملُ الثقافيُّ هاجساً لهم، فلا تَأخذهم مهامُ السلطةِ عن المهمةِ الكبرى في إحياءِ دورِ العقلِ والدعوةِ إلى تحكيمِ قانونِه.
مِن هؤلاءِ يجيء ضيفُنا الكبيرُ سموُ الأخِ الأميرِ الحسنُ بن طلال، الذي عَرفهُ وطنُه والعالمُ رجلَ سياسةٍ ودولة، وعرفناهُ نحنُ فضلاً عــن ذلكِ رجـلَ فكـرٍ ورؤيـةٍ ثقافيـةٍ متطلعةٍ إلى بناءِ إنسانٍ أفضـلَ فـي عـالمٍ أجمـل.
ورغمَ همـومِ الحكـم الـتي شـاركَت فـي حملهِا، ورغمَ حجمِ المسؤوليةِ الكبيرةِ التي أُلقيت على عاتقيكَ، فقد بَقيتَ مؤمناً بأنَ الفكرَ جسرُ يوفرُ التواصلَ بين الشعوبِ، فيجعلُ مسيرتَها أكثرَ إشراقاً ودروبَها أكثرَ أماناً.
قبلَ سبعةٍ وعشرينَ عاماً ظهرت باكورةُ اعتنائكِ بالعملِ الثقافيِ المرتكزِ إلى فهمٍ عميقٍ لرسالةِ الدينِ الحنيف، عندما وضعتَ الحجرَ الأساسَ لمؤسسةِ آلِ البيت، والتي أردتَ لها أن تكونَ نافذةً للفكرِ المستنيرٍ ومنبراً للتواصلِ الفكريِ بين المؤمنين، جميعِ المؤمنينِ بالإله الواحد. وعبرَ هذه المؤسسةِ بدأتَ الخطواتِ الأولى في الدعوةِ إلى فهمٍ رحبٍ للدينِ وباشرتَ مسعاكَ للتقريبِ بين أهلِ الديانـاتِ المختلفة، إيماناً منك بأن دورَ الدِينِ هو البنـاءُ لا الهدم، وأن رسالةَ المؤمنِ تُلزِمُهُ نهجاً وَسَطاً في الفهمِ وفي الممارسةِ فـلا يكونُ الإيمانُ فعلَ إرهابٍ ولا يكونُ سيفاً مصلتاً على أعناقِ الآخرين.
ثم كانَ تأسيسُكَ منتدى الفكرِ العربي، الضفةَ الأخرى التي قامت لِتُعيدَ للفكرِ رصاَنتُهُ وللعملِ الفكريِ مهاَبتُه، وسطَ عواصفِ الرملِ التي غطَّـت عالَمنـا العربـيَ وأهَملـتِ الفكـرَ ودورَهُ الخـلاّقَ في استخلاصِ المفاهيمِ ووضعِ التصوراتِ الممكنةِ لعالمٍ عربيٍ جديد. ولعلَّ من المفيدِ التذكيرُ بأنَ هذا المنتدى كان طليعةَ المراكزِ التي اعتنت بالعقلِ واغتنت بالعلمِ في مسعاها التنويري، البعيدِ عن الاستلابِ والمنزَّهِ عن الغرض.
لقد أرسى المنتدى مبدأَ البحثِ والحوارِ العاقلِ تَلَمُساً للضوءِ، واستمرَ ويستمرُ في نهجهِ الرصينِ دونَ السقوطِ في متاهاتِ التنظيرِ المجردِ والهادفِ إلى كسبِ مشروعيةٍ لفظيةٍ تنأّى عن الواقعِ ولا تحقـقُ للإنسانِ خيراً يرجوه.
وإن هذا الدورَ الإيجابيَّ للمنتدى سوفَ يظلُّ شاهداً على صوابيةِ راعيهِ وحكمتِه في استلهامِ الطريق.
نحنُ اليومَ مدعوونَ، في العيدِ الستيِّني للإنسانِ والصديقِ الأميرِ الحسنُ بن طلال، إلى تَذَكُّرِ دورهِ المشرقِ في مسيرتِنا الثقافيةِ وإلى إضاءةِ مشعلَ إكبارٍ ومحبةٍ لصاحبهِ، سيبقى معهُ ونبقى الأوفياءَ لما أعطى ويعطي من أملٍ في عالمٍ أكثرَ جمالاً وصدقاً.
وَكُلُّ عامٍ وأنتَ سيِّدُ الفِكرِ وأميرُ الثَّقافَةِ..
والسَّلامُ عليكم أيُّها الأصدِقاء ورحمةُ اللهِ وبَرَكاته.