الفاو 25/10/1989
جئت إلى “الفاو” لأحتفل بعيد ميلادي الثاني، وأنا لي عيدان للميلاد..
العيد الأول، لا أهتم به كثيراً، ولا أتحمس لمجيئه، أو لذهابه.
وعيد ميلادي الثاني، أوقد له الشموع، وألبس أحلى الثياب، وأتكحل بكحل البطولات.
عيد ميلادي الأول، عيد تقليدي، مثل ميلاد كل الكائنات البشرية والحيوانات، والنباتات، ينتج عن التقاء خلية بخلية.
أما عيد ميلادي الثاني، فهو عيد ميلادي الحقيقي، لأنه ناتج عن لقاء السيف بالسيف، والنصال بالنصال، والصهيل بالصهيل، إذن فسجلوا عندكم أنني ولدت في (الفاو).. أي في ذلك الرحم الخرافي الذي أفرز ملايين البطولات، وملايين الأبطال.
ثم هنئوني على حسن حظي.
فأنا امرأة استثنائية..
غيري يحمل جواز سفر واحداً وأنا أحمل جوازين..
جوازاً أعطاني إياه التاريخ.. وجوازاً يشيلني إلى السماء السابعة.
غيري يحتاج إلى تأشيرات دخول وخروج للتجول في المدن العربية، وأنا أفرك خاتم (الفاو) الذي أهداني إياه العراق، فتنفتح السماوات والبحار أمامي، وتصبح الشمس تحت سلطتي.
ليس في الدنيا امرأة تملك خاتماً كخاتمي، ففيه عبأت أمواج البحر، والمقامات العراقية، وحوار الشهداء، وصوت التاريخ.
هل رأيتم خاتماً يسترجع صوت التاريخ، إلا خاتمي؟
اليوم عيد الفاو..
وسيتولى التاريخ قطع كعكة العيد.
نادراً ما يحضر التاريخ أعياد الميلاد ولكن (الفاو) هي ابنته المفضلة، وآخر العنقود وذلك جاء في الوقت المحدد، حاملاً باقة من البنفسج الأزرق، ووضع في عنقها ميدالية ذهبية، كتب عليها (لا غالب إلا الله) وإذا كان التاريخ قد جاء إلى (الفاو) محملاً بالهدايا، فماذا نحمل إليها نحن العرب؟
أكيد أن (الفاو) ليست بحاجة إلى قصائد، ومواويل، ومشاعر رومانسية.
(فالفاو) ليست سوقاً خيرية نتبرع لها ببعض ما أنعم الله علينا.
(الفاو) هي سوق قومية، وسوق للمروءات، وسوق للبطولات، يجب أن نضع فيها كل ما نملك من مال، ومتاع، وأرصدة.
فالأرصدة كلها سوف تكون دخاناً في الهواء، إذا لم تكن وراءها بندقية تحميها.
وبلايين الدولارات قابلة للاحتراق، بشرارة واحدة، إذا لم تتوفر لها الحماية القومية.
ورأس المال الذكي هو الذي يفكر تفكيراً سياسياً وقومياً، ويعرف كيف يراقب حركة التاريخ. إن الذين يستثمرون على أرض العراق لن يخسروا أبداً.. لأنهم يستثمرون على أرض حبلى بالاحتمالات الكبيرة، والتطلعات الكبيرة، والبطولات الخارقة.
وبعد، فليس ثمة هدية يحملها الإنسان يمكن أن تكون على مستوى عطاء الدم..
ولذلك سوف أكتفي بأن آخذ معي حفنة من رمال (الفاو) أقدمها لأولادي، حتى يتذكروا في يوم من الأيام، أن أمهم غسلت يديها بمياه بحر (الفاو).. وتباركت برمالها المقدسة، وبحرها الرسولي.