عُدت لبيت الصحافة لأفتح حنفية الماء.. لأفتح حنفية الحرية، بعد عامين من افتراقنا، ماذا حصل على جبهة الفكر والثقافة والسياسة على امتداد الخارطة العربية. إن شيئا لم يحصل فكل الجبهات العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية مقفلة والمفتاح ضائع.
ازدادت السياسة تردياً، وازدادت الثقافة تراجعاً، وازداد العرب انقسماً وشراسة وعدوانية.
تقلصت خريطة الفرح واتسعت خريطة الحزن قومياً، أصبحنا في أسفل درجات السلم ونزلت درجة حرارة الفكر الوحدوي إلى الألف تحت الصفر، وصارت حدود الوطن عند المواطن العربي هي جواز السفر الذي يسافر به، والسيارة التي يمكن أن يهرب بها.
لم يعد هناك وطن ثابت لأحد، صارت الأوطان صغيرة جداً، وخفيفة الحمل كراديو “الترانزستور”. تنازلنا عن الأحلام الكبيرة أو الأوطان الكبيرة التي تمتد من مضيق جبل طارق وجبال طوروس إلى مسقط وحضر موت، وصار كل واحد منا يغرز قضيباً أمام بيته ويعلق عليه لافتة تصرخ بوجهك “ممنوع المرور”.
أعادونا إلى عهد الكتاتيب وأرغمونا أن نركب القطار الذاهب إلى القرون الوسطى بعدما كنا نستعد لركوب الطائرة المسافرة إلى القرن الواحد والعشرين.. كل سنة نرجع ثقافياً مئة سنة إلى الوراء، وكل دقيقة نترحم على الدقيقة التي قبلها. وأخشى أن نستيقظ ذات يوم لنجد أنفسنا في أحضان أبي جهل، أما الفكر العربي فهو لا يزال واقعاً تحت وصاية السلطة ولا يزال طفلاً غير شرعي لا يعترف به أحد.
نحن كل يوم نقول للناشرين في كل أنحاء العالم: “شرفونا في الكويت تجدوا ما يسركم”. وعندما يصل الناشرون مع كتبهم نخترع أبشع الطرق لإزعاجهم و”تطفيشهم”، فلماذا هذه اللعبة الثقافية ذات الوجهين؟ لماذا نستضيف الكتاب ونغتاله عندما يدخل دارنا؟ إذا كانت عندنا حساسية من الجديد.. “فلماذا معارض الكتب إذن”؟
نحن في ورطة كبرى تهدد وجودنا وحياتنا بالانقراض، وعلينا أن نواجه الورطة بشجاعة وتنسيق جماعي لأن الهروب من المشكلة لا يلغيها.
سوف نموت جميعاً إذا بقي كل راكب في القطار يفكر في حياته الخاصة وسياراته الخاصة، واستثماراته الخاصة، ومغامراته الخاصة، إن الذين صنعوا أوطاناً عظيمة ليسوا أكثر ذكاء وعبقرية وثراء منا، ولكنهم أكثر قدرة على الرؤية المستقبلية، وعلى العمل بروح الفريق، وعلى تغليب الصالح العام على المصلحة الفردية. فلنتعاون جميعاً على تأسيس وطن جميل وقوي وعصري، فبقدر ما يكون الوطن كبيراً نكبر نحن معه، هذا هو مفتاح المستقبل وهو موجود في جيوبكم وعقولكم وضمائركم.