عندما طُرِحت عليّ فكرة الإسهام في مشروع إعادة طبع مجلة (الرسالة) التي كان قد أصدرها المرحوم الأستاذ أحمد حسن الزيات في القاهرة بين عام ١٩٣٣ وعام ١٩٥٣ لم أتردّد لحظة واحدة في القبول.
مجلة الرسالة ليست كأية مجلة أدبية ظهرت في العالم العربي، ولكنها مؤسسة ثقافية كبرى لاتقلّ من حيث الأهميّة والتأثير عن منظمة اليونسكو، وجامعة الأزهر، وكامبريدج، وهارفارد، والأكاديمية الفرنسية.
إنّها تراث بكلّ ما تحمله كلمة التراث من أصولية، ومنهجية، وارتباط بالأرض والتزام بالقيم الفكرية الكبرى.
لقد غطّت مجلة (الرسالة) الخريطة الثقافية للعالم العربي تغطية شاملة على مدى عشرين عاماً، وكانت المدرسة التي تخرّج فيها أعلام الأدب والشعر والنّقد في مصر والعالم العربي، فمن ظهر اسمه على صفحاتها، كان من المبشَّرين بالدخول إلى جنة المشاهير في عالم الأدب، ومن لم يُنشر اسمه، بقي خارج أسوار تلك الجنة.
والذين عاصروا مجلة (الرسالة) في عصرها الذهبي، يُجمعون على القول إن المثقفين العرب كانوا يعتبرون اليوم الذي تصدر فيه (الرسالة) يوم عيد حقيقي، ويتخاطفونها عند وصولها إلى المكتبات كرغيف الخبز الساخن، لأن الذي لم يكن يقرأ (الرسالة)، لم يكن معتبراً في عِداد المثقفين وأهل المعرفة.
إذن فإعادة الحياة إلى (الرسالة) هي إعادة الحياة إلى حقبة من أجمل الحقب في تاريخنا الأدبي، أعطت فيها الأرض العربية قمماً شامخة في عالم الفكر والإبداع، وتلاقت جميعاً على أرض مجلة (الرسالة).
ولأنّ الجيل الجديد، لا يعي الدور التثقيفي الخطير الذي لعبته مجلة (الرسالة) في تكوين العقل العربي، وفي صياغة الذوق الأدبي، والإحساس الجمالي في فترة الثلاثينيات، والأربعينيات، ومطلع الخمسينيات، فإن إيقاظ اسم (الرسالة) في ذاكرة الأجيال الجديدة، لا يعتبر عملاً ثقافياً فحسب، وإنّما يعتبر عملاً قومياً وحضارياً وثورياً من الطراز الأول. فالثقافة والمعرفة والفكر لا تنفصل أبداً عن حركة التاريخ ومقومات الأرض، وطموحات الثورة.
ومن هذا المنظور الثقافي والقومي معاً انطلقنا في مشروعنا بإشراف الزميل الباحث د.محمد يوسف نجم الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت، آملين أن نكون قد حافظنا على أشجار هذا البستان الثقافي اليانع، والله من وراء القصد.
د.سعاد محمد الصباح
*(مقدمة طبعة الرسالة التي أصدرتها دار سعاد الصباح في ٤٠ مجلداً عام ١٩٨٥).