بين أن يتكور الإنسان في مقاهي المدن الشمالية، وبين أن يتكور في أحشاء بلاده، فارق حراري ونفسي كبير، هو الفارق بين الحاضنة الكهربائية.. ورحم الأم..
وأيهما تختار أيها الشاعر؟
أنا لا أؤمن بالحاضنات الكهربائية، فالحاضنة الكهربائية لا تستطيع أن تكون وطناً.. ولا تستطيع أن تمنحنا حنان الأمومة وحرارة الانتماء القومي.
ولكن ماذا تفعل عندما تضيق بك الأرض والبحر والفضاء وموازين العروض ورتابة القصيدة؟
إن الضجر هو دائماً حالة مشروعة، والتململ والقلق والتذمر.. أنا أضجر حتى من لون جلدي. وأنا أسبح ضد جاذبية الأرض، ولولا هذه النزوات المجنونة في الإنسان لتحول إلى مسمار مدقوق في حائط أو إلى حطبة.. هي كلها حالات إنسانية تعبر عن رغبة الإنسان في التغيير وكسر دائرة الكلس المرسومة حوله.
لا تريد أن تتحول إلى حطبة ولا إلى مسمار وتريد أن تكسر دائرة الكلس وأنت تحلق بعيداً.. بعيداً بين المتزلجين على بياض الثلج في الشمال؟
صار المنفى مهنة.. أو لقباً يطبعه الإنسان العربي على بطاقته الشخصية.. ولكن المنفى يبقى مهنة مستحيلة. فهذه الرائحة الطيبة القوية تعبق من أرض الكويت، وتمتزج فيها نكهة البحر بحلاوة الرطب، بعبق قهوة المرة، وأعواد البخور، والتوابل الآسيوية، وزهر النوير، في أول الربيع هي التي تنادي مراكبنا حيث كانت.. وتنادي الكويتيين حيث وجدوا، تنادي الأم أطفالها إذا تأخروا خارج البيت.
هذه الرائحة الكويتية النادرة الساحرة الدافئة تخرج لنا من حيث كنا وتسلمنا تذاكر السفر.. وتطلب منا ألا نتأخر عن العشاء..